+ A
A -
الخرطوم- الوطن- محمد نجيب
يشغل الأستاذ الدكتور الصديق عمر الصديق منصب مدير معهد العلامة البروفسور عبدالله الطيب بالخرطوم، وقد نشط المعهد على مدى سنوات تأسيسه في ترسيخ فكر وثقافة عبدالله الطيب مع الانفتاح الكبير على كل ضروب الثقافة والكتابة السودانية والعربية، كما أن استاذ النقد واللغة بجامعة الخرطوم الدكتور الصديق يعد من أبرز الأصوات النقدية وعلماء اللغة العربية في السودان والوطن العربي، وهو عضو مجمع اللغة العربية بالسودان، كما شارك في كثير من الفعاليات الثقافية والفكرية في الوطن العربي ونشرت له الكثير من الكتب والدراسات في دوريات محكمة.. دار حوار الوطن معه حول إرث العلامة عبدالله الطيب ودور ندوته في التنوير وقضايا اللغة والثقافة.
ما هو أثر العلامة عبدالله الطيب على الأدب واللغة العربية وأنت من تلاميذه وتدير معهداً باسمه؟
- يعد البروفسور عبدالله الطيب من أعمق العلماء الذين أثروا في درس الأدب العربي، إذ إنه جاء بفكر جديد في كتابه «المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها». وهذا الفكر يمثل الرؤية النقدية للعلامة، وأسميها مشروع عبدالله الطيب النقدي، وهو مشروع كبير جدا نظر فيه للأدب العربي كله من أولية القصيدة الجاهلية إلى زمان أدونيس.
على ماذا يقوم «المرشد لفهم أشعار العرب»؟
- هذا المشروع يقوم على فكر خاص للعلامة عبدالله الطيب، استعمل فيه كثير من الثقافة العالمية الموصلة بالآداب مع معرفته الوثيقة بالأدب الجاهلي، ذلك أنه يفترض دائما أن القصيدة العربية لها خصائص ميزتها من القدم لأنها نشأت في صحراء، وكلما بعدت عن هذا الأصل تفقد حيويتها، والمميزون من المجددين في تاريخ الشعر العربي كأبي تمام وأبي الطيب المتنبي هم الذين أعادوا للقصيدة العربية حيويتها حين فقدت ذلك.
كيف أعادوا القصيدة العربية إلى حيويتها؟
- أعادوا القصيدة العربية إلى أصلها العربي مع صياغة جديدة، وتمثل ذلك في فكرة بطولة الشاعر، هذه الفكرة أول من تحدث عنها العلامة عبدالله الطيب، في أن الشعر الجاهلي كان يمثل دور البطل، أو النظر إليه كان هكذا، ثم لما لم يعد الشاعر العربي في منزلته تلك أصبح الشعر الذي يكتب في العصور التي تلت العصر الجاهلي بعيداً شيئاً ما عن تلك الحيوية الأولي.
ماهي الفكرة الثانية التي قالها البروفسور عبدالله الطيب في قراءة القصيدة العربية؟
- هي موصولة بمسألة معالجة الاتهام الذي وجه للقصيدة العربية القديمة من أنها قصيدة لا تنظمها وحدة عضوية. فعبدالله الطيب أول من أشار إلى أن الوحدة العضوية موجودة، والقصيدة مستمدة من نفس الشاعر نفسه ومن موسيقى القصيدة، وأن هناك من الإشارات والرموز ما يجعل القصيدة نسيجاً متلاحماً، وفي هذا يستعمل عبدالله الطيب معرفته بأصل الوحدة العضوية التي كان العقاد ينادي بها في القصيدة العربية. ويذهب عبدالله الطيب إلى أن الترجمة الحرفية هي التي أضاعت الموضوع بأكمله وجعلت العقاد يعترف بهذا الاعتساف لأنه حين ينظر إلى شعر شوقي يفترض أنه لا ينبغي عليه أن يقدم بيتاً على بيت، فالقصيدة إذا احتملت تقديم بيت على بيت فهذا يعني أنها لا تنتظمها وحدة عضوية.
البروفسور عبدالله الطيب في ذات الموضوع له قراءة عن التقسيم الشعري عند الفرنجة؟
- التقسيم الشعري عند الفرنجة كما يراه العلامة انه ينقسم إلى ملاحم وشعر غنائي وما إلى ذلك، هذه الأقسام يقول ليس بالضرورة أن يلتزم الأدب العربي بها إنما هنالك أشياء في الشعر العربي لا نعتسف في طلبها وأجرها من الفرنجة مثلا العلكة، هي مذهب عربي خالص.لا نسأل ونقول أين الصعلكة في الشعر عند الفرنجة.
كل هذه النظرات التي أسس عليها البروف مشروعه وسماه «المرشد إلى فهم أشعار العرب»، لماذا هذه التسمية؟
- عبدالله الطيب كانت لا تفارقه مسألة كونه أستاذاً ومربياً وأنه مدرس أدب، فهذا المرشد عن الإرشاد، الطريقة التي كان يعالج بها العروض هي مزيج من الطريقة التعليمية بطريقة النظر النقدي لقضية العروض نفسها، لكنه جاء بكلام باهر. وإذا نظرنا إلى الكتاب المرشد فهو رفد جديد للأدب العربي لأنه ليس من كتاب يتناول تاريخ الأدب العربي ثم يتحدث من بعد عن الأدب في زمانه، ثم يرد على بعض الأقطاب الكبار من منظري الحداثة كأدونيس.إذا اتفقنا أو اختلفنا مع عبدالله الطيب فهو صاحب مشروع يحاور فيه ويحاور، يراجع فيه ويراجع.
هناك من يرى عبدالله الطيب فقط في خانة المرشد وتفسير القرآن وحديثه عن تاريخ العرب، وهو من كتب القصة والشعر والنقد وأدب الرحلات.. ألا ترى أننا في حاجة لاكتشاف العلامة؟
- نعم هذا في الجانب الإبداعي، وفي الجانب الآخر نجد معرفته الأكاديمية الأصيلة في درس الأدب العربي. وإذا نظرنا إلى الجانب الإبداعي نجده حتى في نثره كان متقدماً جداً، لأن إبداعات عبدالله الطيب التي كتبها «من نافذة القطار» و«التماس العزاء بين الشعراء» تعد ضرباً من الكتابة المتقدمة، بمعنى أنها تمت الحداثة بصلة كبيرة، وإن كان قد ذكر عبدالله الطيب في كتابه «بين النير والنور» أن هذا الأمر استمده من كتابات الجاحظ وابن بطوطة في رحلاته، إنه يستخدم طريقة القطع، يبدأ الموضوع ثم يقطع ثم يمضي في الحديث ثم يعود للموضوع الأول. وهي الطريقة الموسوعية التي يتحدث بها هي ذات الطريقة التي يكتب بها.
التدهور الذي أصاب اللغة العربية في العقود الأخيرة، ماهي أسبابه، وكيفية إنقاذ اللغة العربية مما يحيط بها من أخطار؟
- هناك أسباب كثيرة جدا من بينها الاستعمار، والمفكر الراحل جمال محمد أحمد ذكر هذا في كتابه «يأبى فو حمر» ذكر أن اللغة العربية مثلا كانت ستكون اللغة الأولى ولكن جثم الاستعمار زماناً طويلاً على البلاد العربية وصنع صنيعاً كبيراً في التحول للغات الأجنبية ومنافسة اللغة العربية بطرائق كثيرة، منها أن الاستعمار حارب «الكتاتيب» وخلوا القرآن الكريم و«المحازر» عند الموريتانيين. وهذه كانت من أهم الأشياء التي ينفتح فيها الطلب ويتلمس طريقه الأول لتعلم اللغة العربية. ووصل اللغة العربية بالقرآن كان شيئاً مهماً جداً، لأن القرآن الكريم وفق النظرية التربوية هو يرشد طالب القرآن الصغير بمعجم لغوي كبير جدا. والدراسات الحديثة تؤكد هذا.
ماهي الأسباب الذاتية التي تؤدي إلى ضعف اللغة العربية؟
- أعتقد أن مسألة تأهيل المعلمين إذا نظرت إلى مثال السودان أو دول أخرى، فإن معلم اللغة يحتاج إلى تأهيل كبير كما كان يصنع في زمان مضى، مثلا معهد بخت الرضا في السودان. وكذلك نجد في كثير من الدول ضعف المناهج وإعداد المناهج المختصة باللغة العربية.هذه المناهج قد لا تساهم في تعليم التلميذ الصغير اللغة العربية، بينما كانت المناهج سابقا مناهج قوية.
كيف تنظر إلى صورة معلم اللغة العربية في الذهنية العربية؟
- هي صورة نمطية، معلم اللغة العربية هو ذلك المعلم الكبير السن، ومن الناحية المعرفية والمحتوى هو الذي لا يعرف شيئاً غير اللغة العربية والعلوم التراثية، بينما اللغة العربية كائن حي تتفاعل وتؤثر وتتأثر. وهنالك مشكلة عصرية كبيرة ينبغي أن نواجهها، أضرب لك مثلا أننا في معهد العلامة عبدالله الطيب قد أسسنا جمعية برمجيات اللغة العربية، ووضعنا برمجيات لعلم العروض، وحاولنا صناعة برمجيات لدرس البلاغة العربية الكلاسيكية والآن نجري برمجيات لصناعة قواعد اللغة العربية ولكن هذا يصنع في ظل ظروف صعبة حتى إذا صنعت هذه البرمجيات لا تجد الجهة التي تسوق لها.
يرى بعض كتاب قصيدة النثر أنها قصيدة العصر وقد يكون لكم رأي آخر، كأستاذ للغة والأدب كيف تقرأ قصيدة النثر؟
- قصيدة النثر حتى الآن بالنسبة لنا في الشرق الأمر موصول بتجارب يبني الناس عليها. يبنون على تجارب محدودة مثلا تجربة محمد الماغوط وغير ذلك. الأمر على مستوى التقليد لم يزل فيه نظر كثير جدا. ولا سبيل لأن ترفض وكفى كما دلت التجارب وكما دلت حركة الأدب في العالم كله، وعندنا في العالم العربي حينما تنظر إلى الأشياء ينبغي ألا تعمل على سيادة منهج واحد. أنا من أنصار الحوار في هذا الجانب. فقصيدة النثر مع القبول تجد رفضاً كبيراً.
ألا يمكن تأصيل قصيدة النثر باعتبارها وليداً شرعياً للقصيدة العربية؟
- قصيدة النثر لم تخرج من أحشاء الأدب العربي مهما حاول الناس أن يؤسسوا لهذه الفكرة. أنا من الذين يؤمنون بأن لكل أدب خصوصيته، وهذه الخصوصية تستلزم أحيانا أن تكون الفكرة لها صلة بصياغ القصيدة العربية في رحلة تطورها حتى ما ذكره المرزوقي واستند عليه أدونيس في مسألة عمود الشعر العربي، الأمر فيه نظر كثير جدا لم يكن متفقاً عليه من النقاد القدامى إنما هو ناقد واحد هو المرزوقي ذكر هذه الأشياء واستند عليها أدونيس من بعد.
هذا الرفض هل رفض للفكرة أيضا؟
- النظر لا يمنع أن الناس ينبغي أن يدرسوا ويحللوا وأن يقيموا الدرس النقدي الجاد في هذه المسائل، التجارب السودانية في محاولة كتابة قصيدة مغايرة عند بابكر احمد موسى ومحمد المهدي المجذوب وغير هؤلاء في زمان باكر جدا، هل هي مسائل خاصة بموهوبين حاولوا التمرد في تلك الفترة أم أنه تفكير خاص يستند عليه الناس في إلغاء الماضي كله، الأمر فيه نظر كثير في هذا الجانب.
الاعتراف بشعرية المتنبي خاصة في العصر الحديث كيف تقرأها؟
- المتنبي تفوق في شعره ليس بالحكمة فقط، ليس هو شاعر الحكم كما ورد في كتب النقد القديم، ولكن المتنبي تميز بالصياغة الشعرية المدهشة. صحيح أن له غوثاً عميقاً جداً وتأمل ولكن ليس وحده. ويصبح السؤال لماذا هو؟، هو اجتمعت له خاصية أخرى غير التأمل والنظر الدقيق والدرس الإنساني العميق، وهي القدرة على الصياغة المدهشة المختزلة بقدرة فنية عالية، هذه القدرة هي التي ميزته على كل الشعراء وجعلته حاضراً في كل زمان.
لماذا حضوره في كل زمان؟
- الناس في عصرنا هذا مهما بعدت الشقة بينهم وبين العصور الماضية فإن تشابه التجربة الإنسانية يعيد شاعرية المتنبي مرة أخرى والاستشهاد به والنظر إليه على أنه جديد، ثم إن لأبي الطيب نفساً خاصاً يلائم النفس البشرية وما يخامرها من التعالي والغرور والمغامرة.
copy short url   نسخ
24/03/2018
3851