+ A
A -
كتب – أكرم الفرجابي
ناقشت الجلسة الثالثة من برنامج «وآمنهم من خوف» الحواري الرمضاني، الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، واقع التعليم الديني في العالم الإسلامي، بمشاركة ثلة من علماء موريتانيا والمملكة المغربية وتركيا وإندونيسيا وقطر.
وأشار مقدم الجلسة فضيلة الشيخ مال الله الجابر، مدير إدارة الدعوة والإرشاد الديني، بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في استهلالية حديثه، إلى أن التعليم الديني ظل في إطار متحفي يعاني من قلة الموارد المالية الكفيلة بالنهوض به، لم يجدد مناهجه، ولم ينفتح على علوم العصر، وقد تعرض خلال العقدين الأخيرين لأشرس هجمة في تاريخه؛ فاعتبر مؤججا للغلو والتشدد ومغذيا للتطرف وعنوانا للنكوص، وخطرا على السلم في العالم، فما هو واقع التعليم الديني في العالم الإسلامي، وما هي الأسباب الحقيقية لتراجع فعله في المجتمعات المسلمة، وماذا عن فرية تغذيته للتطرف، وما السبيل إلى تطويره والنهوض به؟
بدايةً يقول فضيلة الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو رئيس جامعة عبدالله بن ياسين بموريتانيا وعضو أمانة اتحاد العلماء المسلمين: إن نظرة الإسلام إلى التعليم تميزه عن غيره من المدارس أنها عبادة، والتعليم هو أذكى القربات التي يتقرب بها إلى الله، فالعلم مرتبط بأصل الدين والعلماء ورثة الرسول الكريم وهم قادة الأمم وساستها، وتميز العلم الشرعي عن غيره أنه يحرم شرعا أن يطلب به أي مكسب دنيوي، فطلب العلم الشرعي خاصة لوجه الله، مشيراً إلى أن طلب العلم هو خطة المسلم لتكوين نفسه وتربيتها وتكون على أربع مراحل أولاها تعلم ما أمر الله به، ثم العمل بما تعلم، ثم الدعوة إلى ما تعلمه وعمل به، ورابعها الصبر على ذلك حتى يلقى الله، وهو ما بينته سورة العصر.
فضل العلم
وتناول العلامة الددو فضل العلم والعلماء وتفضيل الله عز وجل لآدم على الملائكة بفضل ما علمه الله له، لافتاً إلى أنه تغير الحال بعدما أصبح العلم الشرعي تخصصا مثل باقي التخصصات، أصبح العلماء ليس لهم مكانة عند الناس، وانفصل التعليم عن التربية وتغيرت المناهج، فأصاب التعليم الشرعي عدوى التعليم الحديث، حتى الجامعات الإسلامية وقتها معقود من وقت الجامعات الأخرى، (4) سنوات لدارسة العلوم الشرعية وعدد ساعات أسبوعياً، وبحثوا عن أقصر كتاب لاختياره مقرراً، واختصروا من المختصرات، بالإضافة إلى حذف الأستاذ لمعظم المنهج، مبيناً أن العلوم الأخرى كعلوم الفيزياء والكيمياء والطب، من علوم الكفايات «فرض كفاية» ولا تدخل في مصطلح العلم الديني، لكن الدين يشجع على تعلم تلك العلوم ولو تركها المسلمون لأثموا.
دور الاستبداد
من جانبه قال الدكتور جمال عبدالستار، رئيس الجامعة العالمية للتجديد بتركيا: إذا أردنا التحدث عن التعليم الديني بشكله الحالي، لن نحتاج إلى كثير بحث فالطلاب الذين كانوا يفدون إلى بلادنا ومنطقتنا من كل حدب وصوب، حيث كانوا يفدون إلى الأزهر بالآلاف، أوقفهم الاستبداد وأغلق الباب في وجوههم، مشيراً إلى أنهم كانوا يفدون إلى جامعة الإيمان في اليمن بالآلاف المؤلفة فقامت الطائفية بإغلاقها في وجههم، وكانوا يفدون إلى دمشق والعراق وغيرها، موضحاً أن الاستبداد وراء كل ما حدث في التعليم الديني، وهو الذي حصر التعليم الديني، إذا أردنا أن نعرف فلنسأل عن العلماء والمفكرين ورواد التعليم ورؤساء الجامعات، ستكون الإجابة سجون تقول نعم قد أقاموا اللبث عندنا، ومعتقلات تنادي نعم قد أقاموا دهراً بيننا وقاعات وفصول ودورس ستقول لقد حرمنا منهم.
سبب الانشطار
وأوضح عبدالستار أن هذا الانشطار منطلق من الاستبداد، الذي حرم الأمة من علمائها، كما حرم الأمة من دعم هذا التعليم، قائلاً: الصحفيون والكتاب وغيرهم فتحت لهم الأبواب ليتحدثوا في الإعلام ليل نهار عن أن الأمة ليست بحاجة للتعليم الديني، وأن السوق ليس في حاجة لشيوخ وعلماء، وحاجة السوق هي التي تحرك الناس في التعليم، ولا حرج أن تكون هناك أكاديمية أو جامعة للراقصين واللاعبين واللاهين، ويفتتحها الجميع وترصد لها الأموال، وفي نفس الوقت يتحدثون عن أنه لا حاجة لنا في التعليم الديني، أو الأكاديمية الإسلامية أو إعداد الدعاة أو غير ذلك.
تاريخ طويل
بدوره قال الدكتور توركيس لوبيس مدير الجامعة الإسلامية بسومطرة في إندونيسيا: إذا تكلمنا عن التعليم الديني، فهذا المصطلح في أندونيسيا يعني أي تعليم يخص أي الدين، وأنا استخدم مصطلح التعليم الإسلامي، وهذا التعليم له تاريخ طويل في الدول الإسلامية، وقبل الاستقلال في أندونيسيا كان المسلمون يتلقون تعليما إسلاميا وقاموا بدور مهم في الدفاع عن بلادهم، وهم الذين أسسوا الجمعيات الإسلامية في العديد من البلدان، مبيناً أن التعليم الإسلامي في أندونيسيا حالياً كثير، أي أكثر من خمسين ألف معهد تقريبا، فهناك معاهد معاصرة، ونحن لدينا تعاون مع عدد من الجامعات في العالم العربي والإسلامي، ويشارك طلبة أندونيسيون في برامج المناظرات التي تقام في قطر للناطقين بغير العربية، ونحن نرغب أكثر في تطوير علاقاتنا العلمية والأكاديمية مع العالم العربي والإسلامي ليس فقط في تعليم العربية ولكن أيضاً في التعليم الإسلامي الحقيقي ومواجهة أفكار الإرهاب والتطرف، مؤكداً أن المعاهد الإسلامية بريئة من هذه الأفكار التي قد يعتنقها بعض المهمشين عن طريق الإنترنت.
التخصص العلمي
وأوضح الدكتور عصام البشير المراكشي، الداعية والمفكر الإسلامي من المملكة المغربية، عددا من الإشكالات بين التخصص العلمي الدقيق وبين العلم الشرعي ولفت إلى أن التعليم الديني أخذ يعود إلى مساره الطبيعي لظهور علماء شرعيين مع تخصصات علمية حديثة كالهندسة والطب وغيرها، وأكد أن التعليم الديني والتعليم الحديث فيهما إشكالات متعددة موروثة، معرباً عن أسفه لوقوع العالم العربي والإسلامي في حملة تغريب هائلة عملت على إدخال مناهج وطرق تعليم غربية على عالمنا العربي والإسلامي ووصف حالنا بأننا «مثل الغراب الذي ترك مشيته وصار مقلدا.. لا مشيته عرف ولا ما يريد تقليده نجح فيه»، وأضاف أن تعليمنا لم يكن غربيا كما أردنا التقليد ولم نحافظ على تاريخنا العلمي وتراثنا وظللنا معلقين لا تعليم غربي حصلنا ولا تعليم ديني حصلنا.
التعليم التقليدي
قال الدكتور المراكشي: إن التعليم الديني التقليدي جامد، انحصر في المتون والصياغة اللفظية حتى صار الطلبة يحصلون العلم على حساب الرجوع إلى المعين الأصلي، قائلاً: مازلنا فقراء في النحو ومع الجهود الكبيرة المبذولة مازلنا عندنا مشكلة في التطبيق العلمي، مشيراً إلى أن كثيرين ممن درسوا النحو لا يحسنون الحديث الصحيح ويقعون في اللحن الفاحش، كما أن كثيرين ممن درسوا الفقه لا يحسنون الاستنباط، مبيناً أن العلم الحديث فيه الكثير من الإشكالات تتمثل في كثرة الكلام عن المناهج إلا أن المضمون قليل، مشيراً إلى أن الكثير من الطلاب الجامعيين يعرفون المدارس النحوية ولا يتقنون علم النحو، ولفت إلى مشكلة ضعف المادة العلمية والانقطاع عن الكتب التراثية والاكتفاء بالمذكرات التي يقدمها الأساتذة الجامعيون، داعياً إلى تشخيص المشكلة تشخيصا سليما حتى يتم العلاج الناجع.
إصلاح التعليم
أكد الدكتور عادل رفوش المشرف العام والمدير العلمي لمؤسسة ابن تاشفين للدراسات المعاصرة والأبحاث والإبداع الفكري بالمملكة المغربية، أن إصلاح التعليم الديني هو من مهام الدولة الإسلامية في نصوصها الشرعية وفي القائمين بالحسبة الدينية منذ نزول القرآن، فالقرآن أول مصلح ديني وقد جاء بثورة على كل العقول البشرية في كل اهتمامها ومنها الدينية وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر مصلح ديني وكان يقوم مقام المصلح المعلم أمام أصحابه فكان يفض النزاعات ويأبى الاختلافات، لكن ليس مثل أولئك الذين يذهبون إلى المنتديات لإعادة قراءة النص وجعل القارئ مشاركاً في إنتاج النص ويجوز له أن يتدخل في مفهومه ولا سلطة للغة ولا سلطة للعلماء ثم يتداولون ذلك في منتدياتهم، هؤلاء النبي والصحابة من بعده ومنهم الخلفاء الراشدون مارسوا الإصلاح الديني مستشهدا ببعض الأحداث التاريخية حول عمليات الإصلاح.
الإصلاح الديني
وقال رفوش: الإصلاح الديني إذا جاء من هذه المنظور فليس غريبا على الأمة وإلى عهد قريب مازال تاريخنا يزخر بعدة من المصلحين ليس بآخرهم الإمام الطاهر بن عاشور في تونس والإمام محمد بن الحسن الحجوي في المغرب فهؤلاء العلماء مازالوا يمارسون هذه الأمور ويتخذون لها خططا ويحترزون من الأعداء، فإن ما يقهر الأعداء أن الأزهر يحتوي على أكثر من (10) ملايين منتسب وهذا جيش عرمرم إذا كان على عقيدة صحيحة وموقف ثابت فإن يشكل منعة لهذه الأمة وعليه يجب ضربه في مصادر استقاء تلك المنعة، والاستعمار عندما كان في بلاد المغرب توجه إلى المحاضن الإسلامية مثل القرويين لضربها إيمانا أن إغلاقها هو السبيل للنصر على المسلمين.
الأمن القومي
ويرى الدكتور عبدالسلام مقبل المجيدي، الداعية والأستاذ الأكاديمي بمعهد الدعوة والعلوم الإسلامية بقطر، أن التعليم الديني الإسلامي جزء من الأمن الثقافي للأمة الإسلامية، وتفسير لهذا الطرح، مبيناً أن التعليم الديني هو أساس الأمن القومي في كافة البلدان الإسلامية، وأضاف: إذا أراد إنسان أن يهدي الناس سبل السلام، فليس له إلا أن يهتم بالتعليم الديني، ورسولنا الذي بلغ الوحي، جاء في ما بلغ به «يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ»، وتابع المجيدي قائلاً إن برنارد شو في كتابه عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول إنه يجب أن يسمى محمد بمنقذ البشرية.
خط الدفاع
وأوضح المجيدي أن أبابكر الصديق جعل حفظة القرآن من المقربين له، ونشر أولي القرآن ومقرئيه في العالم، وأنشئت جامعات في عهد الصحابة، فأبوالدرداء رضي الله عنه أنشأ جامعة بكل ما تعنيه الكلمة، فكان له نظام خاص في تعلم طلابه، يقوم على تحفيظ القرآن والتعليم الديني، ونوه إلى أن الكثير من العلماء كانوا لهم مكاتب كبيرة، وكانوا خط الدفاع من انحراف الناس، فلما انحرف الخوارج، كان ابن عباس هو الذي أعاد الكثير منهم إلى الطريق الصحيح، وقال المجيدي إن التعليم الديني ليس في حاجة إلى الانتقاد بقدر حاجته إلى النشر في شتى أنحاء العالم، مشدداً على أن التعليم الديني صمام أمان في المجتمعات الإسلامية، فيجب العمل على نشره بدلا من محاربته.
copy short url   نسخ
27/05/2018
1277