+ A
A -
- توفيق المديني
شكل استيلاء قوات خليفة حفتر في 2016م على أربعة موانئ نفطية في منطقة الهلال النفطي الليبي، تحولاً استراتيجياً في الصراع السياسي على السلطة. ثم عادت معارك واشتباكات لتندلع في محيط المنطقة بين 2016 و2018. وفي يونيو 2018، نجح الجيش الليبي في السيطرة على منطقة الهلال النفطي والموانئ التابعة لها، حيث دارت معارك في الشهر الماضي بين قوات القائد السابق في حرس المنشآت النفطية، إبراهيم الجضران، وقوات خليفة حفتر، وبدت امتدادا لصراع بدأ قبل سنوات.
وعلى الرغم من أن الدول الكبرى التي شاركت في التدخل العسكري الأطلسي منذ خمس سنوات لإسقاط نظام العقيد القذافي، لم تتوقف عن إعلان دعمها لحكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج والمجلس الرئاسي، فإنّ بعضها لا يزال على صلة وثيقة بحفتر الذي استضافت قاعدته في بنغازي خبراء وضباطا بريطانيين وأميركيين، بل شاركت قوات فرنسية في القتال في صفوفه. ويقود حفتر، الحليف السابق للقذافي، حرباً في شرق ليبيا، منذ مايو 2014، تَمَكَّن خلالها من السيطرة على قطاعات من بنغازي ومناطق أخرى، لكنه لم يتوصل إلى نتائج كبيرة مقارنة بطول فترة الحرب التي لم تتوقف بعد.
وفي المقابل، توجد القوات الموالية للمجلس الرئاسي الذي يترأسه فايز السراج في مدن غرب ليبيا، لكن حفتر ومُوَالِيهِ السياسيين في البرلمان لا يعترفون بحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، ويعدون القوات الموالية لها «مليشيات إرهابية» إذ تمّ منع أي تصويت برلماني في الشرق لمنح الثقة لحكومة الوفاق مع تحدّي اتفاق الصخيرات الذي تم بوساطة الأمم المتحدة لتوحيد ليبيا.
على الصعيد الإقليمي، يحظى حفتر بدعم قوي من مصر والإمارات المناهضتين لتنظيم الإخوان المسلمين، حيث يرى الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في مقاربته للأزمة الليبية، أن لديه ثلاثة ثوابت في المشهد الليبي: ضمان مكانة معتبرة لحفتر، وتقليص نفوذ «الإخوان المسلمين» في حكومة الوفاق ولجنة المصالحة الوطنية، والاعتماد على جيش حفتر فقط في تأمين الحدود الليبية، والاعتداد به جيشاً وطنياً للبلاد.
وفي المقابل، كانت قوات إبراهيم الجضران تسيطر على أهم موانئ البلاد النفطية منذ سنة 2013، بدعم من قبيلته الكبيرة «المغاربة»، وقد أدّى ذلك إلى تعطيل تصدير النفط، بعدما طالب بزيادة حصة إقليم برقة في شرق ليبيا، الأمر الذي قاد إلى تراجع كبير في إنتاج النفط، واستولد قتالاً مع مجموعاتٍ عسكرية من المنطقة الغربية، نتج عنها دمار كبير، أصاب المنشآت النفطية وأثر على عمليات الإنتاج، لكن اللواء خليفة حفتر، القائد العسكري السابق العائد إلى الميدان بدعم قوي من خارج الحدود، للإمساك بالبلاد بقبضة عسكرية منذ سنة 2014، نجح في إبرام صفقةٍ مع قبيلة المغاربة، أدّت إلى إقصاء الجضران واختفائه شخصياً من المشهد من دون قتال يذكر، في حين انسحبت قواته نحو جنوب البلاد وغربها، وحافظت على وتيرةٍ معينةٍ من العمليات العسكرية، كان أبرزها نهاية 2016، حين سيطرت على ميناءي السدرة ورأس لانوف النفطيين، قبل أن تتمكّن قوات حفتر من طردها والإمساك مجدّداً بالمنطقة الحساسة، وتأمين استمرار إنتاج النفط.
ويعتقد المراقبون المتابعون للشأن الليبي أنّ اللواء حفتر لم يستطع أن ينهي ظاهرة الجضران ومجموعته، حين سيطر على موانئ الهلال النفطي في نهاية سنة 2016، بدلالة أن الجضران، القائد السابق لما يسمى حرس المنشآت النفطية في المنطقة الوسطى، قد عاد إلى واجهة الأحداث، بعد تحالف جماعته مع جماعة «إخوان» ليبيا، وبدعم من مسلحي ما تسمى «سرايا الدفاع عن بنغازي»، التابعة لتنظيم القاعدة، فضلاً عن مسلحين آخرين من الجبهة الليبية التي تأتمر بأوامر عبد الحكيم بلحاج، ومرتزقة أفارقة، في أول أيام عيد الفطر الماضي، بشن هجوم عسكري على منطقة الهلال النفطي، أغنى مناطق ليبيا بالنفط، وبسط خلالها السيطرة على الموانئ النفطية، ما أدّى إلى وقف حوالي أكثر من نصف إنتاج النفط في ليبيا.
ومن الجدير بالذكر أن «غزوة الهلال» التي قادها الجضران جاءت هذه المرّة بنكهة سياسية وعسكرية مختلفة، إذ حظيت بـ«حياد» قبيلة المغاربة، ما عنى عملياً نهاية الصفقة التي أبرمتها معه قبل أعوام، وأدت إلى إقصاء غريمه المتمرد، واستغلال الهجوم الذي كانت قوات حفتر تقوده منذ مايو الماضي لتحرير درنة، المدينة الوحيدة في شرق ليبيا التي لا تزال خارج سيطرة الجيش الوطني. وتقع درنة على بعد ألف كلم شرق طرابلس، ونحو 300 كلم شرق بنغازي، ويسيطر عليها إسلاميون منذ سقوط القذافي في 2011. وتحاصر قوات الجيش الليبي، بقيادة حفتر، منذ نحو سنتين، هذه المدينة الساحلية البالغ عدد سكانها 150 ألف نسمة، وتقصفها بالمدفعية الثقيلة، كما تستهدفها بغارات جوية.
copy short url   نسخ
12/07/2018
2498