+ A
A -
واصل فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حديثه عن الشباب والفراغ، مؤكدا أن الفراغ مرض خطير يقتل الإنسان وهو داخل بيته، يقتله فكريا وعقليا وذهنياً وأخلاقياً. وقال إن قوة الشباب كنز الشباب، مستقبل الأمة يرتبط بالشباب، والشباب هم القوة في المستقبل، ويجب أن يملأ هذا الفراغ بما يحقق الخير ولا سيما للشباب الذين هم قادة المستقبل.. مقترحا علاجا لهذا الفراغ، وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب: إن قلوبنا تتقطع وجلودنا تقشعر لما يحدث للإسلام والمسلمين من مؤامرات، ثم لما يحدث من ضعف في هذه الأمة وفشلها في معظم الأحيان، وفسادها، كما نرى هذا الفساد وهذا التفرق والتمزق في معظم بلاد الإسلام، ولا سيما في سوريا والعراق ومصر وليبيا وغيرها.
وأضاف: كيف تستطيع هذه الأمة مواجهة هذه التحديات؟ حقيقة هي تحتاج إلى بناء جيل قوي، ولكن بهذا الجيل الحالي صعب جدا مواجهة هذه التحديات. ويمكن علاج هذا الفراغ بما يلي: التربية الجيدة ومصاحبة القدوة الناجحين والجادين وعرض المشكلة على ذوي الاختصاص وإيجاد فرص الانشغال بأشياء مشوقة وتعليم المهارات داخل المدرسة والعمل الطوعي. ولكن يجب أن نخطط من خلال الشباب كما فعل السابقون حينما جاءت الهجمات الصليبية في القرن الرابع الهجري وواجهوها بإعداد جيل قوي بإشراف العلماء والمصلحين وخلال مدة تسعين سنة ظهر جيل صلاح الدين الأيوبي ونور الدين زنكي. وهذا ما يجب أن نسعى إليه بجهودنا وبتخطيطنا الجاد في بناء جيل شباب واعد يتحمل المسؤولية على أكمل وجه.
مخاطر كبيرة
وقد بدأ فضيلته خطبته قائلا: كلما جاءت مرحلة الصيف، أحس أولياء الأمور والمربون والمهتمون بشؤون الشباب، أحسوا بأحاسيس يشعر الإنسان من خلالها بالمخاطر الكبيرة التي تهدد شبابنا في مرحلة الصيف وفي وقت الفراغ، إذا لم تستغل هذه الأوقات بصورة جيدة... فالفراغ سيف ذو حدين فهو في حقيقته نعمة من الله سبحانه وتعالى حينما يجد الإنسان لنفسه وقت فراغ لا يجد فيه من الأعمال الدنيوية وحينئذ يستثمر هذا الفراغ للقراءة والعلم، وكذلك لبناء النفس ولذكر الله سبحانه وتعالى وطاعته وللتدبر والتفكير فهذه نعمة عظيمة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح يرويه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ)، نعمتان عظيمتان، نعمتان كبريان، هاتان النعمتان ولكنهما مع الأسف الشديد في معظم الأحيان لا تستغلان فيما يريده الله سبحانه وتعالى وحتى لا تستغلا فيما يحقق الخير للأمة والمجتمع فمعظم الشباب والمراهقين تصيبهم المصائب ويقعون في الأخطاء والخطايا في مرحلة الفراغ حينما يتركون ليذهبوا إلى المولات والشوارع وغير ذلك والمقاهي ويصاحبون اصدقاء السوء فكانوا طيبين فأصبحوا سيئين فكانوا جادين، أصبحوا مهملين، وكانوا ممتازين فتحولوا إلى رديئين ومن هنا تقع المسؤولية الكبرى على الأسرة وعلى رب الأسرة بل على الدولة أيضا في إيجاد فرص لملء الفراغ بما ينفع الفرد والجماعة وينفع الأمة،
ورأى ان الفراغ تترتب عليه مشاكل كبيرة جدا لا يعلمها إلا لله سبحانه وتعالى، من أخطرها: يجعل الإنسان بلا هدف ولا معنى. الفراغ يساعدنا على ارتكاب المعاصي. الملل واليأس وقد حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم. يؤدي إلى ضعف الهمة. يقتل الإبداع والذكاء. يقضي على التخطيط والعمل المنظم.. كان سابقاً ارتكاب المعاصي كان فيه شيء من الصعوبة لأنه على الشخص أن يذهب إلى خارج بيته ولا سيما في مجال الجوانب الجنسية أو حتى في الجوانب المالية، اليوم داخل الغرفة يستطيع الشباب أن يستغل فراغه في النظر إلى الأفلام الماجنة الخطيرة على مستوى الجنس وعلى مستوى الفكر وعلى مستوى الإلحاد وعلى مستوى السرقات وعلى كل المستويات، هذه الأمور كلها موجودة داخل هذا الجوال الذي يحمله مع الأسف الشديد وهو صغير وأصبح من لوازمه أن يكون معه بل من لوازمه أننا نجدد له مع الأسف الشديد كلما جاء طراز جديد من الأجهزة الحديثة آيفون، سامسونج وكل مرة تزداد فيها البرامج والتقنيات التي تساعد الشباب على الانحراف العقدي والانحراف الفكري والأخلاقي وغير ذلك إذا لم تستغل هذه الأشياء في جوانبها الإيجابية ونبعدها ونبعد شبابنا عن هذه الجوانب السلبية.
وتابع قائلا: الفراغ مرض خطير يقتل الإنسان وهو داخل بيته يقتله فكريا وعقليا وذهنياً وأخلاقياً، ولذلك يجب أن يملأ هذا الفراغ بما يحقق الخير ولا سيما للشباب الذين هم قادة المستقبل، هم يقودون البلاد والعباد فيما بعدنا فكيف لا نقوم بتربيتهم وكيف لا نهيئهم لحمل المسؤولية وإذا تعودوا على الخنوع والخضوع والإلحاد والفكر المنحرف والأخلاق المنحرفة، كيف حينئذ سلمنا هذه الأمانة إلى أن يحملوها بحق فالقضية والله خطيرة جداً ولا سيما إذا نظرنا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، الفطرة أي الدين الحق والعقل السليم وكل ما فيه خير للإنسان الذي يدركه بفطرته السليمة، فالإنسان يولد على هذه الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، والحديث صحيح ثابت متفق عليه، فلذلك نحن نحمل هذه المسؤولية، ولذلك رب العالمين يقول مباشرة مع الإنسان نفسه (قوا أنفسكم وأهليكم) فلم يقل فأهليكم الذي فيه شيء من الترتيب ولا بثم التي هي للتراخي، وإنما هي بواو الجمع، فأنت مسؤول عن نفسك ومسؤول عن أولادك لأنهم ولدوا على الفطرة فإذا وجد خلل في ولد ابحث واسأل عن والديه، فإذا كان أولادكم - لا سمح الله- فيهم شيء فاسأل نفسك أيها الأخ الكريم وأيتها الأخت الكريمة قبل أن تسأل عن غيرك.
التخطيط للصيف
وأشار القره داغي إلى أهمية مشاركة الأولاد في التخطيط للصيف بقوله: لا شك أن هذه المسؤولية هي مسؤولية الأسرة في تعويد الأولاد منذ الصغر على التخطيط للصيف ولوقت الفراغ وملاحظة الفترة العمرية ووضع الأنشطة المتنوعة والبرامج العلمية والعملية.. وأتألم حينما أسمع من بعض الشباب في بعض المجالس يقول: تعال نقتل الوقت، أيها الأخ الحبيب إنك تقتل نفسك فقد قال سيد التابعين الحسن البصري رحمة الله عليه ورضي الله عنه قال: أي يا إنسان يا عبد إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم فقد ذهب بعضك فأنت كيان، وهذا الكيان مترتب على مجموعة من الأيام، فكل يوم حينما يذهب ذهب بعضك، مثل كرة الثلج تذوب وتنتهي، فحينما تقتل وقتك فأنت تقتل نفسك، فوصيتي ونصيحتي للشباب ولا سيما في هذا العصر الحاضر، مهددون إقليمياً وقُطرياً وإسلامياً من أعدائنا، فإذا لم يكن شبابنا على المستوى المطلوب في الإعداد العلمي والبدني والإيماني، فكيف يقاومون كل هذه المصائب التي تحيط بنا من كل جانب، مؤامرات واضحة كانت في السابق تدار في الخفاء، الآن العين في العين مباشرة كما لا يخفى على أحد.
copy short url   نسخ
21/07/2018
2455