+ A
A -
من المشاهد الراسخة في ذاكرتي، العرض الفني الذي قدمته دار الأزياء العراقية التابعة لوزارة الثقافة في بغداد، في مشاركتها في فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة العربية عام 2010.
قدم العارضون والعارضات جمال العراق باتجاهاته الأربعة وتكويناته الاجتماعية والثقافية جميعاً في مسرحها الحضاري المديد، من خلال الأزياء، فكانت العروض أناشيد للجسد والروح العراقية، جسد فيها المصممون والمصممات والعارضون والعارضات، تاريخ الجمال العراقي في أبعاده الحضارية المتصلة بين سومر وأكد وآشور وبغداد الرشيد، مزيج من الفخامة والجمال الذي شكله طيف واسع من الفنون والمهارات كالفنون التشكيلية والرسم والنحت والسيراميك والخزف والكرافيك والخط العربي والإكسسوارات.
وحرص المشاركون أن يقدموا الجمال الباذخ للأزياء كتعبير عن الحياة الممتلئة بالإنجاز والعطاء، وأن يعكسوا التقاطع والتوازي بين عملية البناء الحضاري، وتجلياتها في إثراء جسد الإنسان وروحه وجماله الذاتي.. فصار عرض الأزياء نشيداً حضارياً حقيقياً، لشعب أعطي الإنسانية الكتابة وإرادة البناء وجمال الروح المبدعة.
حول العرض صناعة الأزياء إلى ممارسة حضارية حقيقية وجسر حقيقي بين الماضي العظيم والمستقبل المنشود، حيث تخرج الرقم الطينية والأختام الأسطوانية والكتابة الأولى من قلب حوائط التاريخ، لترقص على أجساد أبناء وبنات الحاضر والمستقبل في موكب جمالي مهيب في عرض الأزياء العراقية.
يا ترى، هل لاتزال دار الأزياء العراقية تقدم كنوزها من هذا الجمال القديم المتجدد، أم تناهبتها الظروف والأحوال، التي لم تترك للعراقيات كحلاً في عين، بسبب أنهار الدمع التي تترقرق في العيون.
وفي ذات السياق كان عرض «ظهور الهلال فوق جبال خه لان» الذي قدمت فيه مجموعة مسرح الفنون يينتشوان بجمهورية الصين الشعبية مسرحية راقصة تستلهم تجارب وخبرات قومية هوي المسلمة.
الخط الدرامي الأساسي للعرض مبني على قصة حب بين خديجة التي تنتمي إلى منطقة السهل وناصر القادم من المنطقة الصحراوية، عبر طريق الحرير التاريخي، ويوظف المخرج الفكرة لتقديم معالجة فنية وجمالية لتراث طريق الحرير البري وطريق البخور التاريخي، اللذين كانا مفاتيح للحوار بين المسلمين الآتين من أصقاع بعيدة حاملين رسالة الإسلام إلى الصين.
حركة مجاميع الممثلين المتقنة والموسيقى الرفيعة والاستعراضات والديكور شكلت إطاراً جمالياً مذهلاً لبناء المشاهد، التي قدمت معادلاً موضوعياً وجمالياً لإيقاع وحركة أبطال العمل القادمين من الصحراء وعبر البحار، وهم يكابدون أهوال البحر وسافيات الصحراء. وفي المقابل شكل مستقبليهم في السهل، استعراضاً رائعاً، عبر تعبيرات درامية، نفذت من قبل الممثلين ببراعة وجمال.
كل عناصر العمل المسرحي شكلت أبطالاً في العرض، ووفرت للحضور فرجة ممتعة بصرياً، وكان للموسيقى الجميلة دور كبير في تصعيد المواقف الدرامية، وفي النزول بها من ذرى الانفعال إلى السكينة والهدوء.
الأزياء والاستعراضات المرتبطة بمشهد اللقاء العاطفي، وقبله المشهد الاجتماعي المرتبط باستقبال الضيوف، قدمت تعبيرات في غاية الرهافة لفكرة المودة واللطف والعواطف، واستطاع المخرجون أن يمزجوا رسالة العرض الاجتماعية بالمتخيل الفني الذي يقتضيه العمل المسرحي بتوازن بين ضخامة العرض المسرحي ومتطلباته الدرامية، عكست البعد الثقافي للشخصية الصينية، وقدرة فنانيه على إقامة حوار جمالي متميز بين المحمول الاجتماعي التاريخي والخصوصية الصينية والتوظيف البارع للتقانة في خدمة العمل المسرحي.
إن الوظيفة الاجتماعية للأزياء، جزء من مخزونها الدلالي الكبير والعميق، الذي يعكس منبعها الثقافي ومرجعيتها الحضارية.
copy short url   نسخ
10/08/2018
604