+ A
A -
من خلال محاولته عرقلة كل ما شكّل الغرب تقريبا بعد الحرب العالمية الثانية؛ وضع ترامب العالم في نقطة تحول. وليست العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- التي مازالت قوية- هي المتضرر جراء هذا التحول، بل بالأحرى مركز الغرب بصفته مسيطرا على الساحة العالمية.فترامب يسرع التحول في التوازن العالمي للقوة الذي من شأنه أن يترك أميركا وأوروبا أضعف نسبيا. وبما أن الدخل والرفاهية تتحول من الغرب إلى الشرق؛ فإن الصين ستكون قادرة على تحدي الولايات المتحدة الأميركية، التي تتزعم العالم بصفتها قوة جغرافية واقتصادية وتكنولوجية.
ولن يحدث هذا التحول بسهولة؛ إذ بالنسبة لأوروبا لن تكون المخاطر أكبر مما هي عليه الآن، لكن يمكن لتعديل التوازن القائم أن تحدد مصير الديمقراطية والرفاهية والاستقلال ونمط الحياة في أوروبا. وإذا لم تستعد أوروبا فلن يترك لها أي خيار آخر سوى أن تعتمد على أميركا أو الصين- التعاون الأطلسي أو التعاون مع روسيا.
ويجب ألا يعوّل الأوروبيون على الحلفاء الحاليين لمنحهم الحماية في هذه الفترة، كما يجب علينا عدم الرجوع إلى منطق وسياسات السلطة التقليدية للقرن التاسع عشر.
وقد يتجه العالم نحو سياسة تفتقر إلى قائد واضح، وتقودها قوى عظمى تتصارع من أجل السلطة بشكل مستمر. لكن الظروف اليوم تختلف عن تلك التي شهدتها فترة «اللعبة العظمى». فالتنافس المتزايد بين الصين وأميركا لن يكون إلا لصالح القارة العجوز.
وبالنسبة للأوروبيين؛ فقد تشكل القرن التاسع عشر في الفترة ما بعد الثورة الفرنسية والثورة الصناعية، بينما تشكل القرن العشرون في الفترة التي تلت حربين عالميتين، والحرب الباردة وتطور الأسلحة النووية.
فبعد الحرب العالمية الثانية؛ فرضت قوتان غير أوروبيتين نفسيهما على كلا الجانبين من النظام الأوروبي القديم، وهما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، بينما بقيت أوروبا مجرد مربع آخر في رقعة الشطرنج.
وقبل نهاية الحرب العالمية الثانية؛ تحكمت أوروبا في العالم بفضل تقدمها التكنولوجي، ولكن بعد نهاية الحرب انتهت سيطرتها على العالم. وبعد تلك الفترة؛ قُسّمت ألمانيا بين القوتين الجديدتين، واندثرت السيادة الأوروبية بسبب تأسيس السياسة الخارجية للكرملين.
من المؤكد أن فرنسا وبريطانيا- بصفتهما القوتين الأوروبيتين اللتين حققتا النصر- حافظتا على ما تبقى من سيادتيهما، بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي (ولاحقا بصفتهما دولتين مسلحتين نوويا). لكن اعتبارا للتوازن العالمي؛ كان ذلك رمزيا أكثر من كونه يعكس تأثيرهما الحقيقي.
وبعد انتهاء الحرب الباردة؛ اتخذت أوروبا توجها وفيًّا للاتفاقيات العابرة للأطلسي. فيما يتعلق بالأمن؛ تعتمد أوروبا على الولايات المتحدة الأميركية، لكن على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي استرجع الأوروبيون سيادتهم.
هناك ثلاثة تحولات-على الخصوص- جعلت أوروبا تقلق على مستقبلها. أولا، مازال ترامب يشك في التزام الولايات المتحدة بالدفاع المتبادل بموجب اتفاقية حلف شمال الأطلسي. وثانيا، تنتقد إدارة ترامب منظمة التجارة العالمية والنظام التجاري العالمي الذي تعتمد على معظمه رفاهية أوروبا. وثالثا، ظهر النظام الرقمي والذكاء الاصطناعي الذي يهدد اليوم بزيادة الفوارق التكنولوجية العالمية.
وتتحدى هذه التطورات مركز أوروبا في العالم. والسؤال الآن هو عم إن كانت أوروبا ستطالب بسيادتها بشكل كامل وإثبات نفسها كقوة على الساحة العالمية، أم إنها ستترك نفسها تسقط؟ لقد دقت ساعة الحقيقة.. ولن تكون هناك فرص أخرى.
فقط الاتحاد الأوروبي هو من يمكنه استرجاع السيادة الأوروبية في القرن الواحد والعشرين. وإذا وُضعت هذه المهمة بأيدي الدول التقليدية مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا فإن المهمة ستفشل.
فالمطالبة بالسيادة لا تتطلب جهدا كبيرا فقط، بل أيضا جبهة موحدة وفهما جديدا للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء. وسيستمر المشروع الأوروبي في تيسير التجارة وضمان السلم، لكن على دوله أيضا القضاء على السيادة المشتركة.
إذا نجح الاتحاد الأوروبي في هذه المهمة؛ فسيكون ترامب قد أسدى معروفا دون أن يقصد ذلك، فالتاريخ أحيانا يمضي بشكل غريب، والحل هو استغلال الفرص وعدم التردد حين يحين الوقت لاتخاذ القرار.
copy short url   نسخ
10/08/2018
1838