+ A
A -
في نهاية دراستي الإبتدائية «السابع الإبتدائي» في نظام الإنتداب البريطاني على فلسطين، أحسست بفارقٍ كبيرٍ في حياتي الثقافية، رغم قلة الخبرة، وعدم النضج الأدبي.
في هذه المرحلة قادني حسّي الفطري إلى التمييز ما بين الكتابة الموضوعية، وتلك الإنشائية، فقد إنصرفت عن الأخيرة، ولم أُطِقْها لكثرة ما فيها من حشوٍ لفظيٍّ وشعبطةٍ كلامية ٍ وصفيةٍ لا تودّي ولا تجيب، قرأت في ذلك العام الدراسي كتاب الأيام لطه حسين، ورواية زينب للدكتور محمد حسين هيكل، وبعض أعمال الحكيم، والمهماز الذهبي (رواية إنكليزية ترجمة عبدالله بشناق)وبعض روايات تشارلز ديكنز باللغة الإنكليزية، وأعمال كلاسيكية مترجمة:الأبله لديستويفسكي، والحرب والسلام لتولستوي،والأم لجوركي، وصرت أميل لمقالات العقاد، ودريني خشية، والكتابات النقدية لأنور المعدّاوي، وبعض الأعمدة الصحفية لكتاب تلك الحقبة: أحمد الصاوي محمد، وسلامة موسى، كتابات التابعي، وإحسان عبد القدوس، وأشعار عبد الرحمن الخميسي في الصفحة الأخيرة من صحيفة المصري، وبالمقابل، شاء حظي العاثر أن أقرأ للمنفلوطي، ومصطفى صادق الرافعي، وشتّان ما بين كتابة هذين، والكتابات الأخرى التي أشرت إلى ملامح منها!
وكنت على حداثة سني، أتساءل فيما بيني وبين نفسي:- لمَ يقرِّرون عليْنا في المنهاج الدراسي مثل هذه النماذج؟ أَليكرّهوننا بلغتنا الجميلة، التي حوت أشعار أصحاب المعلَّقات، وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم؟
وجذب هذا التساؤل تساؤلاً آخر:
- لمَ يصرّون على إعطائنا حصة إنشاءٍ نكتب فيها موضوعاتٍ على شاكلة: صف حريقاً شاهدته، أو تحدث عن مشاعر طفلٍ يتيمٍ في يوم العيد؟..إلخ، لماذا لا تكون حصة الإنشاء استراحةً للتعبير عن أيٍّ من مشكلات الحياة، سواءٌ في البيت، أم الحيّ، أم المدرسة، أم السوق؟
وسْط هذه التساؤلات، وحالة الرّفض التي كنت أعيشها، بسبب أسلوب المنفلوطي أو الرافعي، سعدتُ بحصّةٍ شغلها مدير المدرسة المربي الكبير ممدوح الخالدي.لغياب مدرس الإنكليزية، والأستاذ ممدوح متخرج في بريطانيا، وأستاذٌ ثبتٌ في هذه المادة، دخل فصلنا،وشرح لنا نصاً للورد بايرون مطلعه:
WHEN WE TWO PARTED
IN SILENCE & TEARS
HALF BROKEN HEARTED
TO SUFFER FOR YEARS
لم يكن الأستاذ ممدوح ينزنق ويطلب القاموس، كما كان يفعل معلمنا الغائب، كان يتدفق في شرحه كجدول ماءٍ نقيٍّ بالشرح والتفسير باللغة الإنكليزية، يعطينا إشاراتٍ عن ذلك الشاعر الأعرج المختزن بالحب و، الطافح بالعاطفة، قرب نهاية الحصة، وجّه لنا نصيحة:
قبل أن تذهبوا للفراش، حاولوا تدوين أحداثٍ مرّت في يومكم. يا سلام يا أستاذنا، أصبت العلاج، فهذا ما يعنّ في خاطري بديلاً عن حصة الإنشاء العقيمة.
ومن يومها، وأنا حريصٌ على تدوين يومياتي، ولعلّ ذلك كان من أهم أسباب إلتصاقي وعشقي لمهنة الكتابة وحُرفتها.
copy short url   نسخ
10/08/2018
785