+ A
A -
بالتأكيد أن المثابرة في التوجه الاندماجي القاري سيضعف مع الوقت النفوذ الأجنبي، وهو ما سيؤدي إلى تقليص عوائق الاندماج أكثر فأكثر.
3 - انهيار مؤسسات العمل العربي المشترك
في مقابل النزعة الاندماجية المتزايدة في افريقيا، يشهد المجال العربي نزعة انقسامية وانعزالية متزايدة، وانهيارا متسارعا لأغلب مؤسسات العمل العربي المشترك الرسمية منها وشبه الرسمية وغير الرسمية.
فقد شهدت العلاقات البينية بين الأقطار العربية في كامل المنطقة تدهورا متواصلا بسبب الخلافات في المواقف والتقديرات والتضارب في المصالح، ولم يعد يجمع أغلبها سوى الملفات والمواقف والتنسيق المطلوب من القوى الدولية الكبرى ذات النفوذ في المنطقة مثل ملفات التصدي للإرهاب والهجرة السرية.
وتقلصت مجالات التعاون البيني، وتوقف تفعيل أغلبية اتفاقيات الاندماج والتعاون الثنائي في مختلف المجالات.
كما تدهور وضع التجمعات الجهوية العربية بعد الصدع الذي أصاب أنجحها وهو «مجلس التعاون الخليجي» بعد حرب اليمن وحصار قطر، مع دخول «الاتحاد المغاربي» حالة موت سريري طويل المدى بسبب النزاع الجزائري المغربي حول «الصحراء الغربية» الذي خلف عداوات بين البلدين أصبحت عصية على التجاوز.
أما الجامعة العربية فقد فقدت ما تبقى من شرعيتها بسبب تحولها أكثر من أي وقت مضى إلى هيكل بيروقراطي بدون روح ولا إرادة مرتهن كليا لبعض دول المنطقة النافذة المرتهنة بدورها لقوى خارجية، وهو ما جعلها عاجزة تماما عن اتخاذ أدنى موقف في ملفات حساسة عديدة من الانقلاب العسكري في مصر وصولا إلى حرب اليمن والأزمة الخليجية وصفقة القرن وغيرها.
ومع انهيار الجامعة العربية تدهور وضع الغالبية العظمى لمؤسسات العمل العربي المشترك، عدى «اجتماع وزراء الداخلية العرب». وأصبحت تعيش حالة موت سريري دون أدنى فعالية أو تنسيق أو مبادرات تذكر، رغم الميزانيات المرصودة والتنافس الدوري على التعيينات في رئاستها، مثل «منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول» و«مجلس الوحدة الاقتصادية العربية» و«صندوق النقد العربي» و«المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» و«المنظمة العربية للتنمية الصناعية» و«الهيئة العربية للطاقة الذرية» و«الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي».. وغيرها.
كما واكب ذلك الانهيار تدهور مبادرات العمل العربي الشعبي المشترك، حيث دخلت مختلف الاتحادات العربية مرحلة جمود طويلة، وأصاب ذات الجمود مؤسسات ومنتديات كان لها صيت ذائع وإسهامات رائدة في الحوار العربي العربي وتقريب وجهات النظر بين مكونات الأمة مثل «المؤتمر القومي العربي» و«المؤتمر القومي الإسلامي». بل شمل التدهور حتى الأحزاب والجماعات فوق القُطرية التي كانت لها مراكز قيادة مشتركة مثل التيارات البعثية والناصرية و«الإخوان المسلمون» و«حزب التحرير» وغيرهم.
4- هل هناك أمل في عودة مسار الاندماج العربي من جديد؟
لا شك أن انهيار العمل العربي المشترك أضاع على الأمة جمعاء وعلى كامل أقطارها قطرا قطرا فرصا كبيرة للتنمية والازدهار والاستقرار وجعلها جميعا تواجه منفردة سياسات التسلط والتوسع والهيمنة الخارجية ونزعات الاستبداد والتشتت والفساد الداخلية. ولا يمكن كسر مسار الانهيار المريع إلا بشرطين متكاملين متلازمين هما:
- الشرط الأول هو انطلاق الإصلاح الداخلي على أساس الديمقراطية والمواطنة والسيادة، وقد كان الربيع العربي على علاته ونواقصه بثا تجريبيا غير مكتمل وغير مثالي أظهر قابلية إنجاز ذلك الإصلاح وانتظار المجتمع العربي الشديد له.
- الشرط الثاني العودة إلى مسار اندماجي تكاملي عربي هذه المرة على أساس التقاء شعوب حرة لا أنظمة فاقدة للشرعية وللسيادة.
وقد أثبتت تجربة الاندماج الأوروبي المتقدمة وتجربة الاندماج الأفريقي الفتية وغيرهما أنه يكفي لتحقيق انطلاقة جدية وسريعة لذلك المسار أن تتوفر إرادات مجموعة قليلة من البلدان مستعدة للتضحية ببعض السيادة وبعض المصالح الآنية لتحقيق مصالح أكبر في وقت وجيز ولتعزيز السيادة تجاه الهيمنة الخارجية ولإعطاء النموذج والحوافز لدول أخرى للانضمام إلى الإطار الاندماجي المثمر.
عن «الجزيرة نت»
copy short url   نسخ
12/10/2018
1159