+ A
A -
حتى إذا ما جاء الوقت الذي أصبحوا فيه مسؤولين عن الدولة -لا الجيش فحسب- استثمروا الصراع مع إسرائيل في تبرير قفزهم إلى السلطة، ثم في تبرير وجودهم واستمرارهم فيها، ثم في دفاعهم عن هذا الاستمرار رغم ما ارتكبوه من الجرائم في حق الوطنية والوطن.
وقد يكون من المنطقي أو من الإنصاف أن نقول أيضا إن الملك فاروق -في موقفه من حرب فلسطين ومن الحرب العالمية الثانية قبلها (أي في مقاربتيْه الاستراتيجيتين)- لم يكن قادرًا تماما على أن يستبصر أو يستبطن -بمساعديه أو بقراءاته- خفايا السياسة العالمية، ولا خفايا المعارك الحربية التي كانت تجري هنا وهناك، ومن ثم فإنه لم يكن قادرًا على ما أصبحنا قادرين عليه اليوم من إلمام واسع وعميق بحقائق كثيرة عن كل ما يجري على الأرض هنا أو هناك.
كانت مشاعر الملك فاروق وحماسته الطبيعية المخلصة للوطنية تحكم موقفه وتطلعاته لتطورات المعارك في الحرب العالمية الثانية، على نحو ما حكمت فيما بعدُ موقفه في قضية فلسطين.
ونعود هنا إلى التذكير بحقيقة رأينا القائل بأن الملك فاروق صُوِّر مندفعًا إلى حرب فلسطين، رغم أن اندفاعه كان مفيدًا ومتوافقًا مع ما يدعو إليه إيمانه بالانتماء للإسلام والعروبة والقيم العليا.
وهذا الحكم باندفاع الملك فاروق صار الآن من باب الظلم الدعائي المعروف السبب، لكننا نلاحظ أيضا أن هذا الظلم المعروف والمفهوم كان قد صور الملك فاروق من قبل هذا مندفعًا أيضًا في قراره السلبي أو المتعقل بعدم المشاركة في الحرب العالمية الثانية إلى جوار الحلفاء.
وذلك رغم أن حزب السعديين -وعلى رأسه أحمد ماهر باشا- كان مندفعًا تمامًا إلى إعلان الحرب بكل ما تملكه مصر من قوة وإمكانات، لكن الملك فاروق لم يجد في إعلان الحرب واجبًا دينيًّا ولا قوميا ولا وطنيا، ولا مصلحة عاجلة أو آجلة، واستشار في هذا كثيرين كان منهم شيخ الأزهر آنذاك الشيخ محمد مصطفى المراغي فأكدوا له ظنونه.
وأصبح الشيخ المراغي العظيم هو لسانه المعبر حين صاغ الفكرة ببلاغة حاسمة فقال: إنها حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وهكذا كان الملك فاروق هو العامل الحاسم الذي منع مصر من الاشتراك بكليتها في الحرب العالمية الثانية، ولم يكن العامل الحاسم هو قرار أحد من ساستنا ولا من أحزابنا.
لا أبتعد بالقارئ عن الحديث عن موطن الحكمة -أو انعدامها- في قرار الملك فاروق، لكنني أقرب له الأمر بتصوير كاميرا السينما المقتربة من الملك وقد أخذ يطالع تاريخ الدولة العثمانية، التي كان اندفاعها إلى الحرب العالمية الأولى فرصة ذهبية للأعداء المتربصين للقضاء عليها وإنهاء وجودها، ولم يكن فاروق ليغامر بمصر من حيث رأى أثر المغامرة العثمانية وما فعلته منذ سنوات ليست بالبعيدة.
نقلا عن «الجزيرة نت»
copy short url   نسخ
15/10/2018
355