+ A
A -
تسرد قصة القبو للقاص السوداني جمال عبدالملك «ابن خلدون»، حكاية الخواجة نقولا صاحب البار في احدى البلاد الإفريقية، يغش الخمور ويغوي النساء، والذي استطاع أن يكون ثروة من هذه التجارة. وفي عهد الثورة على الإستعمار، واقتراب زوال الحكم الاستعماري واحساس نقولا بالخطر، بدأ يفكر في (طريقة للبقاء أو الجلاء دون أن يجازف بروحه أو يفقد ثروته) إلى أن جاءه رجل داكن البشرة يقطر ماء ويترنح اعياء في ليلة عاصفة، ساعده نقولا على إسترداد عافيته، فطلب من نقولا مساعدته بنقله عبر الحدود بإحدى الشاحنات، ودس في يده شيئا، قارورة صغيرة وحقنة من البلاستيك، وورقة فيها طريقة الاستعمال، قال الرجل لنقولا «ربما تحتاج اليها إنها اختراع أميركاني، لقد ابتكروا هذا العقار الذي يجعل الابيض أسود، وقد غيرت بشرتي لاندس وسط السود وأتجسس عليهم، خذها ولا تنس ان تضعها في مكان بارد» وذهب الرجل عبر الحدود. وضع نقولا العقار السحري في القبو حيث يعتق الخمور الجيدة ويعبىء الرخيصة وطعاما محفوظا ومرآة وحفظه في الثلاجة، حيث أعد بطاقة هوية وأوراقا أخرى وانتظر، وصار ينام الآن ملء جفونه ولا يكترث لاستفزازات الصغار والكبار، وذات صباح دافىء سمع صياحا وطلقات رصاص وأبواق سيارات مسرعة، فادرك أن هذه هي اللحظة الحاسمة، أغلق البار بهدوء ونزل إلى القبو وتعاطى العقار فتغير لونه وأصبح أسمر وشعره مجعداً، وذهب نقولا إلى غير رجعة وظهر مكانه (هيبالد توتشكي) «الاسم الجديد». وفي الصباح أصبح يمارس حياته باطمئنان، فيفتح البار ويجلس خلف الطاولة، لم يشك فيه احد، فقط (جاكي) التي التقاها ذات ليلة قالت له انت مثله تماما في الظلام فقال لها «في الظلام كلنا سواء»، وذات مساء اقتحم شاب نحاسي البشرة فارع الطول يرتدي بنطلون «كاوبوي» عرف فيه ابنه غير الشرعي من «بالوما» الذي طالبه بحقه في «بار ابيه» فأجابه بأن اباه فر وأوصاه به: فثار الفتى واتهمه بسرقة أموال ابيه، وهجم عليه، انتهى الإبن في قسم الشرطة ومن ثم طرده من البلدة وتم اختيار هيبالد توتشكي عضوا في المجلس البلدي. من القصة يتضح السياق الاجتماعي والتاريخي الذي تعالج القصة أحداثه، هو فترة الثورة على المستعمر في افريقيا والتحولات التي اعترت المجتمع الإفريقي، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا والتي تم التعارف عليها بفترة (خروج المستعمر وصعود القوى الوطنية إلى سدة السلطة) وكانت موضوعا لمعالجات إبداعية في الشعر والرواية الافريقية مثل روايات (تويجات الدم وحبة قمح) للروائي النيجيري نغوغي واثينغو، و(الأشياء تتداعى) لشينوا اشيبي وآخرين، ومعظم هذه المعالجات خلصت إلى أن التغيير الذي حدث كان شكليا وليس جذريا، بفعل عجز القوى الوطنية عن قيادة مهام المرحلة الجديدة، كما خلصت إلى الفكرة المتعارف عليها بأن (الاستعمار خرج من الباب، ودخل من الشباك) باستلام مجموعات تتبنى أطروحاته في السلطة، منسلخة عن واقعها وهمومه وطموحاته.
copy short url   نسخ
16/11/2018
1893