+ A
A -
الدوحة- قنا- يشكل مهرجان كافينيتد 3 والمقام حاليا على الوجهة البحرية للمؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا، فرصة فريدة لاستعراض تاريخ القهوة الثقافي، حيث يطلعنا على مكانة القهوة البارزة في الثقافة القطرية والعربية... إضافة إلى مكانتها في حياتنا الاجتماعية، كرمز من رموز الكرم وحسن الضيافة.
ويقدم المهرجان الذي ينظمه مهرجان كافينيتد بالتعاون مع المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا حتى 13 يناير الجاري، نكهات متنوعة تلبي مختلف الأذواق من خلال مشاركة 60 محلا للقهوة، كما يقدم فعاليات وأنشطة مصاحبة مرتبطة بالقهوة وكيفية تحضيرها والتفنن بها، حيث يتعرف الزوار على طرق متنوعة لإعداد القهوة من خلال تقنيات مختلفة منها الطرق التقليدية أو عبر الآلات الحديثة.
وكالة الأنباء القطرية -قنا- ترصد في هذه السطور قصة القهوة وتاريخها والاهتمام بها حتى أصبحت جزءا من ثقافة دولة قطر ومنطقة الخليج العربي، وخاصة القهوة العربية والتي تم إدراجها مع المجلس رسميا في القائمة التمثيلية للتراث الإنساني غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو» في ديسمبر 2015.
ويعتقد المؤرخون أن أصول القهوة ترجع إلى إثيوبيا حيث تم اكتشافها في القرن التاسع الميلادي، وتحديدا في منطقة كافا ويرجح الباحثون أنه تم نقل زراعة البن من هناك إلى منطقة جنوب الجزيرة العربية في اليمن خلال القرن الخامس عشر الميلادي، وبدأ انتشارها بين العرب ومن يجاورهم، وأصبحت مرتبطة بالجلسات الاجتماعية والثقافية وذلك من خلال انتشار المقاهي، ومع تزايد شعبية هذا المشروب انتقل إلى العديد من مناطق العالم، ومع بداية القرن العشرين، أصبح إنتاج البن يتزايد في نصف الكرة الغربي، وأهمها البرازيل، وبدأ استخدام الآلات لتحميص البن بدلا من استخدام الطرق اليدوية، ثم تطورت طرق جني محصول حبوب البن ليحدث تطور في التعامل مع البن.
وكانت القهوة مصدر ثراء للإبداع الأدبي والفكري على المستوى العالمي فهي موضع اهتمام الباحثين والكتاب والأدباء، ومن ذلك ما كتبه جيمس هوفمان بعنوان (أطلس العالم للقهوة: من الحبوب إلى التخمير.. استكشاف وشرح) ويرسم خريطة إنتاج القهوة في أكثر من 35 بلدا، وكتاب قاموس القهوة للكاتب ماكسويل كولونا داش ويحكي فيه كل شيء عن كيفية صنع القهوة وطريقة تخميرها المثالية.
كما اهتم الشعراء بها قديما وحديثا ومن الشعر الحديث كتاب «قواعد القهوة الأربعون» للشاعر محمود عبدالرزاق جمعة، وكتاب أدبيات الشاي والقهوة والدخان لـ محمد طاهر بن عبد القادر الكردي المكي، ومن النثر رواية القهوة السوداء وهي رواية لأجاثا كريستي، وكتاب «طقوس القهوة المرة» للفلسطيني فراس حج محمد وقدم الكاتب نفسه بمقال عن «دلالات القهوة الاجتماعية والثقافية»، وكان الكاتب الراحل عبدالعزيز محمد الأحيدب من أوائل من جمع قصائد القهوة الشعبية وأفردها في كتاب (تحفة العقلاء في القهوة والثقلاء) وقدم له ببحث عن تاريخ القهوة... كما أصدرت وزارة الثقافة والرياضة في قطر كتابا عن القهوة القطرية والذي أبرز أهمية القهوة كجزء من الثقافة القطرية وطريقة تحضيرها والأدوات المستخدمة فيها وكيفية تقديمها.
وتتعدد أشكال القهوة ونكهاتها باختلاف الدول والثقافات، وقد ورد الكثير من فوائدها وخاصة القهوة العربية، ومن ذلك تقليل الشعور بألم العضلات وتقي من الإصابة بالسرطان، لأنها تحتوي على نسبة عالية من مضادات الأكسدة، وتقضي على الشعور بالجوع، ولذا فهي تساعد على التخلص والقضاء على الوزن الزائد، وتساعد على تنظيم نسبة السكر في الدم حيث ينصح مرضى السكري بتناولها ولكن دون إفراط.
وقد اهتم القطريون بالقهوة إعدادا وتقديما، فهي لا تشرب في مناسبات معينة بل تشرب في جميع الأوقات والمناسبات وتدخل في عداد ضروريات الحياة ومتطلباتها، حسب تصريح الباحثة سلمى النعيمي رئيس لجنة التراث في المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا لوكالة الأنباء القطرية -قنا- والتي أوضحت أن القهوة لها مكانتها في المجتمع القطري والخليجي وقد ارتبطت بالضيافة، فالقطري يستقبل بها ضيوفه، ويكرم زواره، وتشاركه في الأفراح والأحزان، في الوحدة والسمرات والتجمعات، كعنوان على الكرم والأصالة، مشيرة إلى أنه قديما كانت الناس تفطر صباحا على القهوة ومعها التمر، ولذا فالتمر حتى الآن مرتبط بالقهوة لأن التمر حلو القهوة بمرارتها وخلوها من السكر تعادل حلاوته تلك.
وأضافت أن القهوة كان لها عشق خاص، ففي السابق كان الرجل هو الذي يقوم بإعدادها، حيث يجلس بجوار النار ويأتي بالحب ويحمصه ثم يدقه ثم يضعه في الدلة مع الماء على الجمر، ثم يرفعها من على النار عدة مرات ويعيدها إليها لتنضج بالشكل المطلوب، ويأخذ بعضها في فنجان ويتذوقه ليتأكد من الطعم، وهكذا حتى يتم تسويتها على الشكل الأمثل.
ولفتت أن للقهوة أدواتها الخاصة وطرقا مميزة في الصنع، وطقوسا في الإعداد وتقديمها للضيف وأيضا لمن يشربها، فكان صاحب البيت يصنعها بنفسه أمام ضيوفه كنوع من الاهتمام والتكريم، وعند الصب هناك طريقة معينة للإمساك بالدلة وتكون باليد اليسرى والفناجين باليد الأخرى لأنه لا بد أن تقدم القهوة للضيف باليد اليمنى ويأخذها أيضا الضيف بيمناه، كما تكون هناك قطعة من الليف نظيفة توضع على مكان الصب في الدلة حتى تقوم بفلترتها وتصفية أية شوائب من القهوة فينزل الماء ولا ينزل مسحوق القهوة، ومن الطقوس التي ما زلنا نحتفظ بها في طريقة شرب القهوة: هز الفنجان للمقهوي عندما تكتفي منها ولا تريد مرة أخرى.
وأوضحت أن ثقافة المجتمع تعارفت على أن الفنجان الأول للضيف وهو عنوان الكرم، والفنجان الثاني للكيف وهو أن يكيف الضيف من تشوقه للقهوة، والفنجان الثالث للسيف وهو يرمز أن الضيف سيكون مع القوم في حالة أي هجوم يتعرضون له.
وقالت رئيس لجنة التراث في المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا أن القهوة حظيت باهتمام المجتمع القطري كجزء من ثقافته، وقد اهتم الشعراء القطريون بها فنظموا حولها الأشعار والألغاز.
ومن جانبها قالت ظبية بنت عبدالله بن محمد السليطي الباحثة في التراث والمستشارة في متحف قطر الوطني لوكالة الأنباء القطرية -قنا: القهوة في قطر قديمة جدا، وهي جزء لا يتجزأ من التاريخ الاجتماعي الغذائي الاقتصادي، إذ لا يخلو بيت من وجود كل المواد والأدوات لإعدادها، ويميز عبق رائحة القهوة العربية البيت القطري منذ الصباح الباكر وفي مختلف الأماكن وحتى أثناء الرحلات البرية والبحرية، ويعتبر تقديم القهوة في المنازل أساسا من أساسيات كرم الضيافة والذي يعد ناقصاً ونقيصة في حق الضيف من دونها مهما قدم المضيف من شتى وألذ أنواع المأكولات.
وحول اهتمام الشعب القطري بالقهوة العربية قالت: اهتم الإنسان القطري بألا يخلو بيته من البن والذي هو أساس إعداد القهوة ويسمى عندنا (قهوة) وليس بناً كما هو اسمه المشاع، إضافة إلى (الهيل أو القناد) والذي يسمى عند غيرنا (الحب هان أو الحبهان) وهذان المكونان هما أساس تحضير وإعداد القهوة القطرية وكذلك المسمار والذي يسمى بـ (القرنفل) والزعفران واللذين يضيفهما من يحب أن يشرب القهوة مسومرة أو مزعفرة.
وحول كيفية المحافظة على هذا الموروث خاصة وأنه تم تسجيله على قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي العالمي غير المادي أوضحت: هذا الموروث محافظ عليه حالياً في كل بيت ومكان ومناسبة في قطر، فهي في الأفراح والأتراح ومرافقة الإنسان القطري أينما حل وارتحل، داعية لزيادة الاهتمام بها والمحافظة عليها كجزء من الموروث الثقافي للشعب القطري أن نجعل من مقاديرها التي اعتاد عليها أهل قطر أساسا في تقديمها في معظم المطاعم والمقاهي والمناسبات والاحتفالات. كما دعت أن تقوم المراكز الشبابية والتعليمية باعتماد تحضيرها ضمن الدورات والنشاطات التي تقدم للنشء والسياح والمهرجانات بشتى أنواعها خاصة الغذائية، فضلا عن تنظيم دورات تدريبية في آداب تقديمها، وأن تتبنى المراكز البحثية أبحاثاً حول تفاصيل تاريخ القهوة العربية وانتشارها في شتى بقاع العالم.
copy short url   نسخ
10/01/2019
2805