+ A
A -
غازي دحمان كاتب سوري
تتواتر الأخبار كل يوم من دمشق عن الأزمات العميقة والمتناسلة التي تعيشها سوريا في ظل حكم بشار الأسد، الذي يبدو أنه قد فقد القدرة بشكل كامل على إدارة هذه الأزمات وإمكانية إيجاد حلول لها، لا في المدى، ولا في أي زمن قادم، حيث تغرق سوريا في فوضى رهيبة، في ظل الفساد المستشري وصراعات أجنحة النظام والسيطرة الأجنبية على مناطق واسعة من البلاد.
ومن الواضح أن الضربة التي سدّدتها ثورة السوريين للنظام والأعطاب التي ألحقتها بجسده؛ تجعل من الصعوبة إلى حد الاستحالة إمكانية إنعاش هذا النظام من جديد، بعد أن ثبت لرعاته وداعميه فوات زمن ترميمه، ما يجعل من تأسيس نظام بديل أمرا ينطوي على نسبة مغامرة منخفضة، مقارنة بإعادة إعمار نظام محطّم، كما أن تكاليف التأسيس قد تكون أقل بكثير أيضا.
ومن المفارقة، أن روسيا التي دعمته بكل قوتها، كانت أول من اكتشف هذه الحقيقة، لذلك بدأت بتشكيل نظام موازٍ، ببنى وهياكل جديدة، لن تلبث طويلا قبل تحويله إلى النظام البديل للأسد ودولته المنهارة. وليس سرا أن روسيا بدأت بتشكيل الجيش الخاص لهذا النظام الجديد، عبر ما يسمى بقوات النمر، والفيلق الخامس، واحتكارها السيطرة على الفيلق الأول، كذلك البدء بتأسيس الفيلق السادس، بالإضافة إلى قيام روسيا بإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية بصيغة جديدة، حيث وضعت الأمن العسكري في صدارة البنية الأمنية السورية، مقابل تهميش المخابرات الجوية والأمن السياسي.
في الجانب السياسي والمجتمعي، ليس سرا أن روسيا تدعم الكثير من المنابر والتيارات السياسية داخل سوريا، ومن السوريين المحسوبين على المعارضة، وبات لديها طاقم حكم متكامل. وقد عزّزت روسيا ذلك من خلال علاقات عميقة نسجتها مع المجتمعات المحلية السورية، وخاصة في وسط وشمال سوريا وجنوبها، وباتت هذه المجتمعات تفضل التعامل معها على التعامل مع أجهزة ومؤسسات نظام الأسد، أو الإيرانيين وميليشياتهم، كما تتجهز روسيا لإنجاز دستور يرتكز على هذه المعطيات الجديدة في سوريا.
لقد أثبتت التطورات لروسيا، بما لا يدع مجالا للشك، استحالة تحقيق أي هدف في سوريا ما دام الأسد باقيا في السلطة، فقد صرفت مجاهيد دبلوماسية مضيّعة لإعادة تأهيله دون تحقيق أدنى تقدم، كما أن جميع خططها لإعادة اللاجئين والإعمار فشلت فشلا ذريعا. ولابد أن نتذكر أن روسيا في محاولتها لإنقاذ الأسد، قدمت الكثير من الوعود للدول الإقليمية، وحتى لفصائل المعارضة نفسها، بأنها ستجري تغييرات كثيرة على بنية الحكم في سوريا إذا ما نجحت في تحقيق السلام، وأنها رغم جبروت قوتها العسكرية لم تصل إلى هذه المرحلة لولا التعاون الذي قدمته الولايات المتحدة الأميركية والدول الإقليمية، والمعارضة السورية نفسها.
وليس روسيا وحدها من بات يئن من ثقل حمل جثة الأسد، بل إن مؤيديه وبيئاته التي ناصرته على الثورة، باتوا مرهقين من بقاء الأسد في السلطة، بعد أن تبين لهم أن الأفق معه صار مسدودا وأنهم سيدفعون ثمن بقائه من خبزهم، وأن شقاءهم لا نهاية له، وهم الذين كانوا يتأملون الحصول على مكافأة مجزية بعد أن يقضي الأسد على الثورة. باتوا اليوم يتمنون أن يصحوا ذات صباح ويجدوا روسيا قد اتفقت مع أميركا على بديل للأسد لإنهاء مشوار عذابهم، قبل أن يحطم اليأس أرواحهم.
ولعل ما زاد من يأس أنصار الأسد وحاضنته، أنهم عمليا لم يشعروا بالنصر الذي يدّعيه إعلام نظامهم، بل إنه إذا كان هناك نصر، فقد سرقته إيران وميليشياتها لصالح مشروعهم في المنطقة، بعد أن ألبستهم ثوبا فضفاضا اسمه المقاومة ومحاربة الصهيونية وتحرير فلسطين، وهم الذين لم يستسيغوا يوما مثل هذا المنطق، ولم يعرفوا من فلسطين إلا ذلك الفرع المخابراتي الرهيب سيئ السمعة المسمى بـ«فرع فلسطين»، في حين أن كل ما يريده هؤلاء هو التنعم بأموال الفساد والترفه بمكاسب السلطة.
ورغم كل النكبات التي حلت بالسوريين، إلا أن مقاومتهم للنظام الأسدي مازالت مستمرة وبأشكال عديدة.{ عن «عربي21»
copy short url   نسخ
11/02/2019
657