+ A
A -
منى بابتي
تقدم مني وأحاطني بذراعيه، ثم لف حول رقبتي عقدًا من اللؤلؤ الطبيعي، وأخبرني يومها: «أن العيب ليس في نوايانا الطيبة، وأن البشر سيكونون كحبات اللؤلؤ في حياتنا، هناك من سيزينها، وهناك من سيخنقنا، ولكن يتوجب عليَّ أن أبقي العقد حول رقبتي كي لا أنسى من منع عني التنفس أو أنكر فضل من أضاف جمالاً لحياتي.. ومضيت والعقد ما زال حول رقبتي، قصصت جدائلي يا والدي وتغيرت قسماتي وأصبحت أشبه كل شيء ما عدا نفسي، وا آسفاه يا والدي.. لقد تساقطت حبات اللؤلؤ وخاب ظني بنفسي.. وعادت إلى مسامعي صدى كلماتك الحنون.. العيب ليس في نوايانا الطيبة، ولكن الحقيقة يا والدي أن نوايانا الطيبة دمرتنا وهشمت وجوهنا.
العيب ليس في نوايانا الطيبة، ولكن في قلوبهم السوداء.. فأن تكون أخي، نكبر معًا، نضحك معًا ونحزن معًا، وعند أول زوبعة في الحياة.. تؤذيني، تقصم ظهري وتؤلمني، تحذف اسمي وتبتر أوصالي.. ولا تجد لي عذرًا ولا تؤمن بطيبة النوايا وإنما تكتفي بلعب دور الحكم.. وتسرق مني كلمة أخي، سقطت مني حبة لؤلؤ يا أخي وخنقتني العبرات.
العيب ليس في نوايانا الطيبة.. ولكن في قلوبهم السوداء.. فأن تكون صديقي، لا يحلو الصباح إلا بفنجان قهوة سكره ابتسامتك الأخوية.. وأصحو بعد الفنجان لأجد نفسي واقفًا أمام بابك أرجو منك عدم الإساءة لي، وقطع رزقي وتدمير عائلتي، مدعيًا أن هذا ما أستحقه.. ولا تجد لي عذرًا ولا تؤمن بطيبة النوايا، وإنما تكتفي بلعب دور الحكم.. وتحول جنتي إلى جحيم.. أحياه ألمًا وجوعًا وإهانات، لقد سقطت مني حبة لؤلؤ أخرى يا صديقي.. وخنقتني الخيانات.
العيب ليس في نوايانا الطيبة.. ولكن في قلوبهم السوداء... واستمرت الحياة يا والدي وتساقطت الحبات، فكم من أصحاب باتوا أعداء.. وكم من أقرباء باتوا غرباء.. وكم من إخوة تحولوا إلى أشباه إخوة.. وكم من أحكام أطلقت علينا في الظلام.. دمرتنا.. حطمت أحلامنا.. شوهت ثقتنا.. وجعلتنا نتساءل: هل العيب في نوايانا الطيبة، وهل علينا أن نتغير ونحذف البساطة في أقوالنا، والمصداقية في أفعالنا، والنور في عيوننا، والطيبة في نوايانا.. فقط لنحفظ أنفسنا من الاختناق؟
ومازالت التساؤلات في ذلك الفراغ الذي يحيط بنا تدور، وما من إجابات، هل العيب أن نبقى كما نحن، نعيش بوجوهنا ونرتدي نفس الأثواب، وعندما بات عنقي خاليًا من تلك الحبات، أدركت يا والدي أنني لم أكن أليق بالحياة.. فالحياة لا تليق بأصحاب النوايا الطيبة، فنحن في سجلات البشر ندون في خانة الأغبياء.. ومضيت يا والدي ألملم ما تبقى مني من أشلاء.. وهناك وجدت في يدي بضع حبات.. ما زالت في يدي، فنظرت إلى السماء وأدركت أن العيب ليس في نوايانا الطيبة.. ولكنه في قلوبهم السوداء... فحملت محفظتي وأدخلت تلك الحبات في خيط عمري المصاب بالهزال ولففته حول عنقي وأكملت طريقي.. ربما سينتصرون في ساحات ويهزمون في ساحات، ولكننا في كل النهايات سنكون نحن أصحاب النوايا الطيبة، وهم أصحاب القلوب السوداء.. فدعوا الحكم لخالق الأكوان.. وإنما الأعمال بالنيات.
كاتبة لبنانية
[email protected]
copy short url   نسخ
16/03/2019
1990