+ A
A -
محمد هنيد أستاذ بجامعة السوربون الفرنسية
في تصعيد جديد عاد التوتر إلى منطقة الخليج العربي بعد التصريحات التي أطلقها الرئيس الأميركي مهددا إيران بالحصار والحرب. التصريحات التي تتباين حدتها بين فترة وأخرى حسب المزاج الأميركي وحسب وتيرة التصعيد في المنطقة تعتبر الأخطر في تاريخ العلاقات الأميركية- الإيرانية لكنها تستمدّ قيمتها من السياق الذي تصدر فيه. فالمنطقة مشتعلة الأطراف من اليمن إلى سوريا مرورا بالأزمات الصامتة التي تمزق الجسد الخليجي وهو ما يجعل منها فضاء قابلا للاشتعال في كل حين. لكن لماذا الورقة الإيرانية الآن وما هو الهدف منها؟
كثيرون يرون أن التهديدات بالحرب ليست إلا فزاعة أميركية جديدة سيكون الهدف منها كما كان دائما مزيدا من المكاسب الاستراتيجية وصفقات تسليح ضخمة وضمان التزود الدائم بالنفط بأسعار منخفضة. الثابت الأكيد هو أن الخاسر الأكبر من المواجهة المحتملة وإن كانت مستبعدة سيكون كالعادة الطرف العربي. فالسعودية التي تطبل منذ مدة على لسان وزير خارجيتها حول الخطر الإيراني لا تدرك أنها هي المستهدفة قبل إيران وأن ما يعمل عليه ترامب إنما يمثل تكملة لمخطط الاستنزاف الذي بدأه منذ وصوله إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة.
من جهة أخرى تركز السعودية على عداء إيران في كل خطابتها السياسية الرسمية وتنسى دائما أن السياسة السعودية في المنطقة هي التي مكنت إيران من التمدد ومن احتلال أربع عواصم عربية كما يقول مسؤولوهم. بل إن التهمة الجاهزة لكل المعارضين في الداخل والخارج هي تهمة العمالة لإيران الشيعية في الوقت الذي لم تترك فيه المملكة دولة أو حركة سنية واحدة لم تناصبها العداء ولم تضيق عليها.
إن تخبط القرار السعودي خاصة والخليجي عامة هو الذي شجع السمسار ترامب على مزيد الاستثمار في الأزمات بعد أن تحولت المنطقة إلى أضخم سوق سلاح عالمية. بناء عليه يستطيع راعي الحرب الأميركي تحقيق مكاسب جمة بضربة واحدة حيث سيعيد نشر قواته في الخليج وترسيخ وجوده هناك كما سيسمح له هذا الانتشار بالدفع نحو صفقات تسليح ضخمة مع كل الأطراف.
الحرب مع إيران ليست خيارا عربيا ولا إقليميا لأننا سنكون الخاسر الأكبر منها وهي كذلك عنوان الفشل السياسي العربي في تأمين محيطه المباشر. صحيح أن النظام الإيراني قد ارتكب جرائم فادحة في حق الأمة منذ الحرب مع العراق وصولا إلى الحرب في سوريا لكن القوى العسكرية القادمة للمنطقة لن تستثني أحدا في حال اندلعت حرب بين الطرفين.
بقلم: محمد هنيد
copy short url   نسخ
23/05/2019
539