+ A
A -
سليمان قبيلات كاتب اردني
همشت دولة ما بعد الاستعمار العربية البنى الاجتماعية، التي كانت أهم روافع وجودها.
فالتحولات التي شهدتها هذه الدولة أدت إلى إلحاق القبيلة والعائلة الممتدة بالمنظومة الأمنية التي اخترقت المجتمع وضربت كل بناء يحافظ على نبض المجتمع وتفاعلاته مع السلطة السياسية.
والتفاعل هنا يقصد به، تموضع القوى الاجتماعية القائمة تاريخياً أو الهياكل التنظيمية التي ينخرط فيها الأفراد، سواء كانت سياسية أو مهنية، حيال السياسات التي تنتهجها الدولة في تسيير شؤون الحياة. وبفعل اختطاف نخب اقتصادية غير وطنية الأهداف لمقاليد الأمور وتوجيه دفتها، ينخرط الناس من كل الطبقات الاجتماعية في صراع مع الحكم الذي يبدأ بالانحياز لنخبه التي تقوده إلى حتفه ومعه الدولة برمتها.
أي أن استعار الصراع يبدأ مطلبياً فيتحول سياسياً مع اشتداد الضغط على المجتمع. تلقائياً، يقدم المجتمع طلائعه أفراداً وجماعات لتصدر مواجهة الظلم الاجتماعي والسياسي، وهو يفرز هذه الطلائع بطرق الانتقاء الطبيعي، وبصيغ تستجيب لمضامين الصراع. ولأنه مكشوف لأدوات الرقابة الأمنية، فإن المجتمع يفرز أقوى ما لديه من ممثلين يتقدمون الصفوف في ميمعة الصراع.
لا تدع السلطة مجالاً للصدفة في مقارعة خصومها في المجتمع، فتتحين كل فرصة للانقضاض على محركي الاحتجاج المؤثرين. فضلا عن استهداف الأسماء الفاعلة في أوساطها المجتمعية، خصوصا إذا اتصل الأمر بالبنى القبلية. فواقعة اعتقال النائبة الأردنية السابقة هند الفايز تندرج في هذا السياق، إذ إن الفايز تنتمي لقبيلة بني صخر ذات الحضور القوي في السلطة، لكن ذلك لم يحل والاقدام على الاعتقال الذي يؤجج عواطف ومشاعر مهيمنة علي المجتمع، إذ كيف تعتقل امرأة معروفة العنوان وذات مكانة في الوعي العام؟ ما يقوله اعتقال الفايز يؤكد أن القبيلة مهما كان حضورها جرى تفتيتها وشرذمة وعيها، حتى بات اعتقال واحدة من نسائها حدثاً عادياً. إن تتبعا موضوعيا، لأسباب إفراغ القبيلة في الأردن من أسباب منعتها كوحدة اجتماعية متضامنة ومتماسكة في مواجهة السياسات المناوئة لمصالح الأردنيين، سيدرك أن الأمر يشمل المجتمع برمته، في مسعى لإبقائه خانعاً لأي سياسة تنهجها النخب المنبتة عن مصالح الناس والبلاد. ساقت الحكومة أسباباً للإقدام على اعتقال الفايز، ولاذت بالقانون الذي تزعم انه يطبق على الجميع دون استثناء. ولا تأبه الحكومة بحقيقة أن الأردنيين لا يصدقون روايتها وحججها، إذ كيف يستوي هذا الاعتقال مع تمتع مئات الفاسدين بما يشبه الحصانة من المساءلة، بفعل تواطؤ الحكومة وأجهزتها. تكمن قصة اعتقال الفايز بصفتها معارضة شجاعة، في إنها لم تصمت وواصلت الطرق على الخزان الفاسد. َيستعيد الأردنيون اليوم الحادثة المشهورة في أروقة مجلس النواب إبان نيابة هند الفايز، اذ رفضت أن تجلس لدى طرحها قضية ما لم تتلقَ جواباً حكومياً شافياً، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة، فانبرى احد النواب المحسوبين على الحكومة قائلاً بصراخ: اقعدي يا هند. راحت هذه الكلمات معياراً للقَمع الحكومي الذي يتولاه اتباع الحكومة ضد المخالفين. ومذ ذاك باتت «اقعدي يا هند» تتردد على السنة الأردنيين لدى سخريتهم من مزاعم الحكومة وسياساتها. هم يعرفون اليوم ان القصة كلها تكمن في هند التي لم تقعد. فلو قعدت هند لحظيت بكثير من نعم الفساد الذي أراد أن يطيح بها في رمضان، ورغم أنف المجتمع َالذي تجوع غالبيته كرمى لعيون الفاسدين.
copy short url   نسخ
24/05/2019
550