+ A
A -
جمال الهواري كاتب وصحفي مصري
في الظروف العادية وضمن إطار دولة طبيعية تكون فيها الأحوال الداخلية مستقرة والعلاقات الخارجية متوازنة ومصلحة الشعب ومن ثم الدولة هي الأساس والقاعدة كما هو مفترض وواجب وقتها سيتوفر عامل الثقة من الشعب وحسن النية تجاه النظام الحاكم وما يتخذه من قرارات ويصدره من قوانين وتشريعات، لكن عندما يكون هذا النظام نتاج انقلاب عسكري دموي في تلك الحالة عندما يتم إقرار تشريع ما أو إصدار قانون يمس الأمن القومي للدولة وهويتها وحدودها بشكل مباشر حينها تكون النية والنقاشات والجدل الأساس فيها عامل رئيسي وهام وهو هل هذا النظام الذي أقر هذا التشريع أو أصدر ذاك القانون يمثل الشعب فعليًا أم مفروض عليه بقوة السلاح ومصلحة الوطن هي أهم أولوياته أم هو بما فيه ومن فيه مجرد سلعة ضمن تجارة ربحها وهدفها الأوحد والأهم بقاء النظام بمكوناته ومؤسساته ولو على حساب الوطن وهويته وحدوده وأمنه ودماء شعبه.
أقر وأعترف بأني ومنذ قدوم السيسي ونظامه الانقلابي لم يساورني الشك ولو مرة واحدة إن كل لحظة تمر على بقاء الجنرال الدموي في سدة الحكم تدفع مصر مقابلها ثمنًا باهظًا ومن لحم الحي ولن يقتصر هذا الثمن على الفترة الحالية بل سيستمر حتى بعد رحيله، ولهذا لم يعد محل استغراب ودهشة أن يأتي السيسي وعسكره بالشيء ونقيضه والفعل وعكسه والقانون وضده وتنتقل الصفة ويتغير الوصف حسب الحاجة فما يكون بالأمس باطلًا يصبح اليوم حقًا وما جرى انتزاعه ببطش القبضة العسكرية وقوة السلاح سيصبح حلالًا بترزية القوانين ومنتحلي صفة التشريع، فرغبات الجنرال المتشبع بجنون العظمة والغارق في عقد النقص والفاقد لشرعية الحكم هي الأساس ورضاه هو المقياس وضمان بقاءه هو المحرك والدافع لكل قانون وأي تشريع وكل صفقة وأي اتفاقية ما ظهر منها وما بطن.
سنتناول في هذا المقال التعديلات على قانون الجنسية المصرية المتوقع إقراره قريبًا في البرلمان المصري وارتباطه بما حدث والمتوقع أن يحدث في شبه جزيرة سيناء دون غيرها على وجه الخصوص، في يوم الأحد الماضي وافقت لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري -برلمان السيسي- على قرار رئيس مجلس الوزراء بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 89 لسنة 1960 في شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضي جمهورية مصر العربية والخروج منها والقانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية وذلك تمهيدًا لعرضه على الجلسة العامة للبرلمان لمناقشته وهو ما يعني الموافقة والإقرار لا محالة، فلم يكن للقانون أن يُعَدل ولمجلس الوزراء أن يقرر وللجنة الدفاع والأمن القومي أن توافق لو لم تأت الأوامر من الجنرال وأذرعه المخابراتية والأمنية والمباركة العسكرية في دولة تعسكر فيها كل شيء وبحكم القانون المسلح من قمة الرأس لأخمص القدمين، وحسب مشروع القانون تكون لرئيس الوزراء سلطة منح الجنسية لكل أجنبي قام بشراء عقار أو إنشاء مشروع استثماري وفقًا لأحكام قانون الاستثمار أو إيداع مبلغ مالي (لم تحدد قيمته) وذلك على النحو الذي ستنظمه لائحة ستصدر عن رئيس الوزراء، وهنا يجب التنويه أن مبلغ الـ10 آلاف دولار الذي تداول البعض عن كونه ثمن الجنسية ما هو إلا رسوم تقديم الطلب وليس كامل القيمة المالية مقابل الحصول عليها.
قبل الدخول في التساؤلات عن الأهداف الحقيقية والمفترضة من وراء تلك التعديلات حسب ما يتقبله العقل ويفرضه المنطق وتوضحه الخطوات والقرارات الكارثية السابقة التي أقرها وقام بها النظام العسكري هناك بعض النقاط التي يجب التذكير بها وإثارتها منها على سبيل المثال لا الحصر وفي مقدمتها مشكلة بعض القبائل في المناطق الحدودية المصرية مع فلسطين المحتلة وبالأخص في الجزء الشمالي من سيناء ورجحت بعض المصادر أن عددهم يقترب من 5000 شخص يضاف إليهم عشرات الآلاف الآخرين الذين تم تهجيرهم ونسف منازلهم وتجريف مزارعهم ومسح بعض مناطقهم من على الخريطة عنوة وبقوة السلاح من مناطق رفح والنافورة والشيخ زويد والقرى الواقعة على الشريط الحدودي واستخدمت الحكومة العسكرية إجراءات تعسفية عبر نزع الأراضي والملكيات من أيديهم.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
13/06/2019
1267