+ A
A -
مسلسل التصعيد في منطقة الخليج لا ينتهي بل يزداد إثارة، وأحدث حلقاته خطوة إسقاط إيران طائرة أميركية قالت إنها اخترقت مجالها الجوي، وهي الخطوة التي تُعتبر حتى الآن أول احتكاك عسكري مباشر بين طهران وواشنطن والخطوة الأقرب للدخول في حرب تُدَق طبولها منذ أسابيع بين الطرفين.
وبينما تبرر طهران إسقاطها للطائرة باختراقها مجالها الإقليمي للتجسس عليها مُقدمة على ذلك ما وصفته بـ«الأدلة الدامغة»، ترفض واشنطن رواية طهران وتؤكد من جانبها على أن الطائرة كانت في المجال الجوي الدولي. الرد الأميركي على إسقاط الطائرة والذي انتظره الجميع بترقب كبير جاء غير مُتوقع، فبعد أن أقر ترامب ضربات ضد مواقع إيرانية، عاد ليتراجع عن ذلك بمبرر أن الضربات كانت ستؤدي إلى مقتل عدد كبير من الأشخاص وأن ذلك ما كان ليتناسب مع إسقاط طهران لطائرة مسيرة. لكنه صرح في الوقت نفسه أنه «ليس مستعجلا» للرد عسكريا على طهران. ووسط تضارب الروايات وتواصل التهديدات والتصعيد، يتابع العالم تطور الأحداث بقلق. فهل سندخل حربا جديدة في منطقة حساسة من العالم مع رئيس أميركي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته مسبقا؟ أم أن ما يحدث مجرد لعبة ضغط وحرب نفسية الفائز فيها سيخرج بصفقة ترضي مصالحه؟
رئيس أميركي
بأسلوب متفرد
لم يكن أحد ليتوقع أن العلاقات الأميركية الإيرانية سينقلب حالها 180 درجة بين رئيسين أميركيين متتابعين، فتنتقل من تطبيعٍ وتحسنٍ بعد اتفاق نووي تاريخي تم التوصل إليه بشق الأنفس، إلى تصعيد خطير بدأ بانسحاب أميركي أحادي الجانب من هذا الاتفاق وبات ينذر بحرب مدمرة لا يمكن التنبؤ بمآلاتها.
ترامب لطالما أكد أنه لا يريد الدخول في أي حرب في فترة رئاسته، لكنه دخل حتى الآن في عدة حروب من نوع آخر: حروب تجارية يخوضها مع عدة دول كالصين ويهدد بها دولا أخرى كالمكسيك لتنفيذ ما يريده، حروب ضد وسائل إعلام، وحروب لسانية ضد دول وزعماء يستخدم فيها سلاحه المفضل: تويتر. وأصبح الموقع الافتراضي المنصة التي يتواصل بها الرئيس الأميركي مع العالم ومنها أطلق قرارات مصيرية ومثيرة للجدل، وأحيانا أيضا تصريحات مندفعة جعلته في مرمى الاتهامات بالعنصرية والتحريض والتهور والتسرع، لدرجة أن ترامب انتقد موقع تويتر بنفسه من تويتر.
وبالإضافة إلى الأسلوب الصدامي المندفع يبدو صعبا تخمين نوايا ترامب حتى في السياق الإيراني فبينما يقول إنه «هناك دائما فرصة لعمل عسكري ضد إيران» يعود ليؤكد أيضا أنه لا يريد حربا معها، تناقض حمله أيضا رده الأخير على إسقاط الطائرة.
ويرى مصطفى اللباد رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية والخبير في الشؤون الإيرانية أن احتمال «تدحرج الأوضاع إلى حرب عسكرية يبقى وارداً لكنه ليس الأكثر احتمالية»، ويضيف الخبير المصري في تصريحات لـ DW عربية، بأن ترامب رجل اقتصاد ولا يريد حربا عسكرية وإنما يريد صفقة مع إيران تكون فيها الولايات المتحدة في موقع أفضل».
الحرب مستبعدة
لكنها واردة جدا
تكرر الحوادث في منطقة خليج عمان وتكثيف الوجود العسكري وتصاعد حدة اللهجة مع استمرار كل طرف في التمسك بموقفه في مناخ إقليمي متوتر أصلا وبوجود حلفاء أميركيين في المنطقة يدفعون، حسب مراقبين، بخيار الحرب كالسعودية وإسرائيل..
كل هذا وعوامل أخرى يجعل سيناريو الحرب أكثر اقترابا من الواقع، حسب الدكتور نبيل خوري الخبير في الشؤون الأميركــية والدبلوماسي الأميركي السابق.
وذكــر خــوري في مقابلة مع DW عربية، أن ترامب «تأثر بآراء بعض صقور البيت الأبيض والمحيطين به الذين يؤيدون الحرب على إيران مثل ليندسي غراهام فتسرع كعادته على تويتر، لكن عندما سمع آراء أخرى من الكونغرس وحتى من البنتاغون حذرته من أن شن ضربات على إيران قد يعني حربا مفتوحة، تراجع».
ويضيف خوري أن ترامب يحب كعادته التفاوض بالنبرة العالية وهنا استخدم التهديد بضرب إيران رغم أنه لا يريد الحرب وإنما فقط إخضاع الخضم الإيراني، وبعد حادث الطائرة فكر في أنه سيرد بضربة هنا وضربة هناك كانتقام وينتهي الأمر لكن المنطق يقـــول إنه مع دولـــة كإيــران ليس من المؤكد أن تنفذ ضربات كهذه وينتهي الأمر.
رغم كل هذا يستبعد الخبير حدوث حرب لأن لا أحد من الطرفين يريدها، مع ذلك تبقى ممكنة جدا في حال ارتكاب الطرفين أو أحدهما أخطاءً تجرهما مرغمين إلى حرب لا يريدانها في الأصل، وحادث الطائرة نفسه مثلا كان يمكن أن يتحول بسهولة إلى حرب لو ردت الولايات المتحدة، كما يقول الخبير.
حسابات انتخابية
اللباد يستبعد الحرب كذلك لأنها ليست من مصلحة أحد، كما أن الولايات المتحدة لا يمكنها بقواتها الموجودة في المنطقة شن حرب على إيران، مضيفا أن واشنطن ستحتاج إلى قوات بقوام نصف مليون فرد على الأقل إن أرادت ذلك بالنظر إلى مساحة إيران الشاسعة. ويضيف اللباد أن كلا الطرفين يريد التصعيد لرفع أوراقهما التفاوضية، الولايات المتحدة تزيد الضغط والعقوبات والحشد العسكري وإيران تضغط بورقة انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني وتريد أن يعود ترامب للاتفاق. ولكن إن كان يُصَعد بهذه الدرجة ويقترب جدا من حدود المواجهة العسكرية المباشرة، وفي نفس الوقت لا يريد الحرب فما الذي يريده ترامب تحديدا؟ يجيب الخبير نبيل خوري بالقول إن أهم ما يريده ترامب الآن هو الفوز في الانتخابات المقبلة والحصول على ولاية ثانية، ومادام هذا هدفه الأهم فلا يمكن أن يبدأ حملته الانتخابية بحرب وهو الذي بنى شعبيته على فكرة أنه يريد إنهاء الحروب وليس الخوض فيها. من جهة أخرى سيكون فوز ترامب في الخروج من التصعيد الحالي مع إيران بصفقة مربحة لبلاده عنصرا قد يرفع شعبيته أكثر ويساعده في حملته الانتخابية كما يرى مصطفى اللباد. ويضاف إلى حسابات ترامب الانتخابية ضغوط الكونغرس الذي تدعو فيه أصوات كثيرة ترامب إلى خفض التصعيد، وفي هذا السياق قالت نانسي بلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي إن هذا موقف خطير وشديد التوتر يتطلب نهجا قويا وذكيا واستراتيجيا وليس متهورا.
copy short url   نسخ
25/06/2019
1060