+ A
A -
حوار- أمين بركة
أكد زهير عطوف، الباحث والأكاديمي المغربي ومدير المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، أن الدوحة تمكنت من الانتصار على الحصار الذي فرضته عليها السعودية والإمارات والبحرين ومصر، عازيا ذلك إلى حكمة القيادة القطرية، وقوة قطر اقتصاديا وعلميا واجتماعيا، من خلال ترابط الشعب القطري مع قيادته والتكتل كيد واحدة من أجل مواجهة الحصار.. وشدد عطوف، خلال حوار مع الوطن، على أن الأزمة الخليجية كانت من الأزمات الخطيرة التي شهدها العالم العربي لأنه لم يسبق لها مثيل، من خلال محاصرة أربع دول عربية لدولة عربية شقيقة، حيث إنه من بعد هذا الحصار أصبح العالم يرى جهرة وعلانية قطع العلاقات مع دولة شقيقة وهرولة للتطبيع مع إسرائيل.
أما بالنسبة لتأثيرات الأزمة على البيت الخليجي، فنبه عطوف إلى أن قبل الأزمة الخليجية كان العالم يضرب المثل بمجلس التعاون الخليجي كالاستثناء لنجاح أحد التجمعات الاقتصادية العربية القليلة، أما اليوم فأظنه أصبح يشكل عبئا على هذه الدول، وكل ذلك يدخل ضمن تبعات الأزمة الخليجية، وما خلفتها من نتائج سلبية على كل الدول الخليجية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
ولفت عطوف إلى أن الجميع شهد حجم التعاطف الكبير مع الدوحة في وجه الحصار؛ لأن مواقف قطر كانت دائما على العموم مساندة للشعوب وللقضايا العربية وعلى رأسها فلسطين، ولهذا لاحظنا أثناء حصار قطر وقوف الشعوب العربية ومجموعة من دول العربية معها في محنتها من أجل تجاوز هذا الحصار.. منبها إلى أنه وعلى الرغم من الحصار فما زالت الدوحة تصر على مواصلة خطها الواضح والمساند للقضايا العربية الحساسة؛ كقضية فلسطين وليبيا وسوريا.
ودعا عطوف قادة الأمة العربية وشعوبها الوعي باللحظة التاريخية والاستثنائية التي يمر بها العالم العربي والمنطقة العربية في كل نقطة من نقطها من المحيط إلى الخليج خصوصا أمام الأخطار المتتابعة والمتوالية، لا سيما في ظل تزايد التكتلات العالمية بين الدول من أجل تشكيل كيانات قوية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا في حين أننا في وطننا العربي نشاهد العكس وكأننا نمشي عكس مسار التاريخ.. وإليكم نص الحوار:
} كيف تعلق على استمرار الحصار المفروض على دولة قطر؟
- يتصادف هذا الحوار مع الذكرى الثانية لحصار قطر من طرف بعض الدول الخليجية ومصر ومصاحب ذلك العديد من التطورات الخطيرة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، مما يحتم على دول الخليج العربي تغليب لغة الحوار بدل لغة التصادم. ولا شك ان استمرار حصار قطر في ظل أجواء مكهربة بالشرق الأوسط واحتمال شن ضربة عسكرية على إيران يحتم اللجوء إلى طاولة الحوار لحل الأزمة ويجب على الدول الأربع أن ترفع الحصار الذي تفرضه على قطر فورا وبدون أي شروط واللجوء إلى طاولة الحوار.
} إلى ماذا تعزو تمكن الدوحة من إفشال هذا الحصار؟
- إن عدم تأثر قطر من استمرار هذا الحصار الظالم راجع بالدرجة الأولى إلى قوة هذا البلد اقتصاديا وعلميا وأيضا اجتماعيا بترابط الشعب القطري مع قيادته والتكتل كيد واحدة من أجل مواجهة الحصار، ثم يرجع الأمر كذلك إلى محاولة قطر إيجاد البدائل في داخل البلد بحيث شكل الحصار نقطة انعطاف مهمة في محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجموعة من الميادين ومنها على سبيل المثال لا الحصر الميدان الزراعي والغذائي الذي كان أحد العناصر الأساسية التي كانت تريد دول الحصار ضربها.
} كيف تقرأ تأثيرات الأزمة على المنطقة العربية والبيت الخليجي؟
- الأزمة الخليجية كانت من الأزمات الخطيرة في اعتقادي في الوطن العربي لأنها لم يسبق لها مثيل من قبل من خلال محاصرة أربع دول عربية لدولة عربية في شهر رمضان، حيث من بعد هذا الحصار أصبحنا نرى جهرة وعلانية تهديدات دونالد ترامب لبعض الدول الخليجية من أجل دعم بلاده ماديا من خلال الاستثمارات وشراء السلاح ومزيدا من السلاح، ثم جاء الأخطر من ذلك وهو محاولة تمرير صفقة القرن الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، واعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهرولة بعض الدول الخليجية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. أما بالنسبة للبيت الخليجي فإذا كان قبل الأزمة الخليجية يضرب المثل بمجلس التعاون الخليجي كالاستثناء لنجاح أحد التجمعات الاقتصادية العربية القليلة فأظنه اليوم أصبح عبئ على هذه الدول، وكل ذلك يدخل ضمن تبعات الأزمة الخليجية وما خلفتها من نتائج سلبية على كل الدول الخليجية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
} ما المطلوب من العرب في هذا الوقت الراهن؟
- اليوم المطلوب التكاثف والتعاون بين الدول العربية وقبل أي يوم مضى، خصوصا أننا أمام حرب شبه محتملة بين أميركا وإيران وما سينتج عنها من تبعات خطيرة تهم المنطقة العربية لاسيما في ظل التأجيج الذي تقوم به بعض الدول لهذه الحرب واحتمال مشاركة بعض الدول الخليجية فيها من خلال التمويل أو المشاركة الميدانية، اضف إلى ذلك ما يقع في بعض الدول العربية مثل اليمن وسوريا وفلسطين وليبيا والسودان والجزائر من أحداث يحتم على قادة الدول العربية أن يكونوا في مستوى اللحظة التاريخية الحساسة التي تمر بها الأمة العربية، كما يجب على الشعوب أن تعي التحديات التي تمر بها المنطقة العربية وأن يكونوا في مستوى هذه التحديات وما تنتظره من يقظة واستعداد لكل الاحتمالات.
} يطرح استمرار الحرب التي تخوض غمارها السعودية والإمارات في اليمن، العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لاستمرار الحرب، فهل ترى أي مبرر لاستمرار هذه الحرب خاصة في ظل الكارثة الإنسانية التي خلفتها؟
- استمرار الحرب التي تخوض غمارها السعودية والإمارات في اليمن يعتبر كارثة بكل المقاييس وقد فشلت السعودية والإمارات فيها خصوصا أن هناك عدة جيوش عربية لا زالت تشارك في هذه المأساة، وما خلفته هذه الحرب حاليا من ضحايا وأبرياء بعشرات الآلاف كما أن هناك انتشار للمجاعة والأمراض من جراء هذه الحرب، وهذا الأمر يعتبر كارثة يندى لها الجبين في حق الإنسانية جمعاء ويحتم على المجتمع الدولي بصفة عامة والعرب بصفة خاصة وضع حد لهذه الحرب بشكل نهائي وانهاء الصراع بين الأطراف المسلحة المتنازعة في الساحة اليمينية مع الضغط على الدول المجاورة التي تساند هذه الأطراف من أجل وقف تدخلها في الشأن اليمني خاصة إذا علمنا أن هناك عدة دول تريد إدامة الصراع وتحقيق مصالح سياسية ضيقة لا تخدم الشعب اليمني في أي شيء.
} كيف تنظر إلى تزايد التطبيع العربي مع إسرائيل؟
- في هذه السنوات الأخيرة نلاحظ أن هناك هرولة كبيرة لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بشكل لم يشبه له مثيل من قبل، وهي بدايات من أجل تطبيع أكبر والتخلي عن فلسطين وعن الأراضي العربية المحتلة وخير مثال على ذلك صفقة القرن واعتراف دونالد ترامب بأن القدس عاصمة لإسرائيل وتوقيعه على تسليم الجولان للكيان الصهيوني، كلها مؤشرات تدل على أن هرولة الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل بدأ يعطي أكله على أرض الميدان وربما يزادا الأمر سواء. وإذا كان التطبيع في الماضي في الأغلب يتم بشكل السري فإن المستجد في هذه السنوات الأخيرة هو أن بعض الدول العربية أصبحت تتبنى التطبيع بشكل علني وأمام الملأ وكاميرات الإعلام، وهذا من التحديات الكبيرة التي على الشعوب استيعابها والمبادرة من أجل الضغط على قادتها للكف عن هذا التطبيع واعتقد أن الأيام القليلة القادمة ستكون بلا شك أيام مصيرية في ما يخص القضية الفلسطينية.
} كيف تنظر لمستقبل المنطقة؟
-مستقبل المنطقة العربية يزداد غموضا أمام تزايد التحديات الضخمة والمصيرية خصوصا في الدول التي عرفت ثورات الربيع العربي والتي انطلق منها من جديد مثل الجزائر والسودان، أمام التراجع السياسي المخيف لبعض الدول المؤثرة في المنطقة العربية مثل مصر –التي أصبحت أداة في يد بعض الدول الخليجية- واستمرار الأزمة الخليجية خصوصا أمام بوادر حربية اقليمية في الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران؛ وهذه كلها أمور تؤكد على الوضع الصعب والمضطرب للمنطقة في المستقبل.
} ما تقييمك لموقف قطر تجاه القضايا العربية؟
- موقف قطر كان دائما على العموم مساندا للشعوب وللقضايا العربية وعلى رأسها فلسطين، ولهذا لاحظنا أثناء حصار قطر وقوف الشعوب العربية ودول العالم مع قطر في محنتها من أجل تجاوز هذه المشكلة التي طال امدها. والمهم أنه رغم الحصار المفروض على قطر مازالت الدوحة تصر على خطها الواضح والمساند للقضايا العربية الحساسة في وطننا العربي كقضية فلسطين وليبيا وسوريا، خاصة في ظل التراجع الفاضح لبعض الدول العربية وتأمرها على القضية الفلسطينية.
} وما تعليقكم على محاولات الرياض وأبوظبي تخريب العلاقة بين الدوحة والرباط؟
- في البداية لا بد من الإشارة إلى موقف المغرب من الأزمة الخليجية، فأنا اعتقد أن موقف المغرب من الأزمة الخليجية يعد من المواقف المشرفة من خلال وقوفها مع دولة قطر ورفضها للحصار الظالم، خصوصا إذا علمنا أن المملكة العربية السعودية والإمارات كانتا تنتظران من المغرب موقفا مساندا للحصار على قطر، لكن المملكة المغربية خالفت توقعاتهما وكانت من الدول الأوائل التي عملت على كسر الحصار ببعث مجموعة من المواد الاستهلاكية إلى دولة قطر كبادرة رمزية من المغرب وموقفه الرافض لهذا الحصار، وفي سياق متصل عمل المغرب على محاولة انهاء الأزمة الخليجية من خلال زيارة ملك المغرب محمد السادس لدولة قطر وبعض الدول الخليجية، كل هذه التحركات المغربية في ذلك الوقت اعتبرت من اللحظات الفارقة في الحصار، وتحسب للمغرب كموقف إيجابي وتاريخي من الأزمة الخليجية. وأما بالنسبة للعلاقات القطرية المغربية فهي في أوج تطورها وفقد لاحظنا بعد الأزمة الخليجية كيف ساند المغرب قطر وحاول كسر الحصار عليها من خلال زيارة القيادة السياسية في المغرب لدولة قطر، وبالمثل ردت قطر بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية مع المغرب في خضم التوتر بين المغرب والسعودية. حيث في هذا السياق تعتبر هذه العلاقات نموذجا يحتذى به بين الدول. وللأسف بعض الدول الخليجية لم يرق لها موقف المغرب من الأزمة الخليجية وموقفها المستقل المبني على المصالح المشتركة دون التدخل في مواقف البلدان ومحاولة تغيير مواقفها بما يناسب طرف على الآخر، لهذا قامت بعض القنوات المحسوبة على الدول الخليجية التي لم يرق لها موقف المغرب بمهاجمة وحدته الترابية المتمثل في الصحراء المغربية. لهذا انا في اعتقادي ان مثل هذه المواقف الصادرة من هذه الدول وإعلامها سوف تصب الزيت على النار بين الدول العربية ولا ينبني على العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين المغرب وهذه الدول خصوصا أن المغرب كان من الدول العربية الأولى التي تدافع بشراسة في أغلب القضايا السياسية التي تهم الشعوب العربية. والكثير من المحللين السياسيين يتكلمون عن أن الرياض لا تريد للمغرب أن ينتهج سياسة مستقلة، واظن أن الأمر فيه جانب الصواب خصوصا بعض الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية كانت تنظر إلى المغرب كتابع لها وأنه لن يحرك ساكنا أمام بعض القرارات التي تتخذها هذه الدول مثل حصار دولة قطر، لكن المغرب برهن من خلال كثير من المواقف في الآونة الاخيرة انه يحاول أن يتبع سياسة مستقلة عن الرياض التي تظن انه بالمال –كما فعلت مع بعض الدول العربية- ممكن تشتري كل شيء حتى المواقف. والمغرب بالمناسبة لم يتخذ أي شيء غريب عن المنطق السياسي والعلاقات الدولية فبالعكس ما نلاحظه اليوم من مواقف السعودية والإمارات تجاه مجموعة من القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية والليبية يبرهن ان هذه الدول هي التي تخطو خطوات نحو الهلاك والانفجار من خلال أفعال غير منطقية فيما يخص منطق العلاقات السياسية الجيدة التي تجمع بين الدول العربية والتي كانت إلى وقت قريب هي الحكم والفصل.
} هل من كلمة أخيرة؟
- في الأخير، وفي ظل ما تعانيه الأمة الغربية والإسلامية من أوضاع صعبة وما تتعرض له من مؤامرات ضخمة، أملي ان تشهد العلاقات العربية- العربية تطورا إيجابيا فيما يخدم شعوب المنطقة العربية، خصوصا وأننا أمام توحش الكيان الصهيوني- على الأمة العربية، لهذا على قادة هذه الامة العربية وشعوبها الوعي باللحظة التاريخية والاستثنائية التي يمر بها العالم العربي والمنطقة العربية في كل نقطة من نقطها من المحيط إلى الخليج خصوصا أمام الاخطار المتتابعة ومتوالية بعد الربيع العربي، لأنه بالمقابل نلاحظ تزايد التكتلات العالمية بين الدول من أجل تشكيل كيانات قوية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا في حين في وطننا العربي نشاهد العكس وكأننا نمشي عكس مسار التاريخ. نتمنى أن تشهد الأمة العربية والإسلامية نهضة وأن تكون هذه الأوقات فاتحة خير على هذه الأمة العربية وأن تلعب قيادتها أدوارا مميزة في قيادة شعوبها نحو الخير والرفاهية والاستقرار من أجل مستقبل أفضل، لكي لا نبقى عالة على الأمم الأخرى.
copy short url   نسخ
12/07/2019
958