+ A
A -
سليمان قبيلات كاتب أردني
في معايير الوجود السوي ما ينسحب على الأفراد ينسحب كذلك على الدول والتنظيمات والجماعات على تنوعها. عبر تاريخ العالم، أنزل الإجماع البشري، الأفراد والدول منازل تليق بهم، أنى كانت أوضاعهم.
حتى أن الأعداء أو حتى المتوحشين يصيغون مقاربات أخلاقية لإنزال هذه الدول أو الأفراد منازلهم. وفي مطلق الأحوال، لا يعني هذا أن مطلق الوصف يلتزم أوصافه حيال الدولة الموصوفة. فقد يكون طامعا فلا يتقهقر إن شن عدوانه على تلك الدولة أو الأمة التي تمتلك من الأسباب ما يجعل هذا الطامع يشن عدوانه بلا تردد. لكن هذا الطامع لا ينفي صفة هذه الدولة أو الأمة، التي كانت عليها قبل عدوانه. بل ربما تساعده في صوغ مقارباته للتعامل معها. فإن كانت دولة محترمة سيكون مسلحا بوعي مسبق عن أفضل الطرق لاختراقها بعد دراستها بتأن. أما إن كانت وضيعة وما أكثر الدول الوضيعة فإن مهمته ستكون سريعة التحقق لا محالة.
والدولة الوضيعة تسمى دولة بشكل مجازف، ذلك أن الدولة بما هي تعبير عن أمة أو شعب فإنها تختزل القيم الجمعية لهذه الأمة أو الشعب، وبلا شك فإن هذه القيم ذات محمول إيجابي بالضرورة.
يقول تاريخ العالم إن الدولة المحترمة تقول: لا لكل ما يمس الكينونة القومية والوطنية. كانت هكذا كل الدول التي يدهشنا تاريخها، حتى لو كانت تتسم بالعدوانية أحيانا. من أثينا وأسبارطة والإسكندر المقدوني إلى روما إلى فارس والخلافة العربية الإسلامية قبل أن ينخرها التفتت.
أما الدولة العربية القائمة اليوم أو دولة ما بعد الحرب الكونية الثانية، فإنها تقول كل ما يخطر على بال كل حر. كأنها في الواقع لم تكن دولة لتوصف بهذا الوصف الذي يستدعي قيما استثنائية.
تقول الدولة العربية المحترمة: لا نتبع أحدا من مستعمرينا السابقين، أو أولئك الذين يرثونهم. لا نقبل أي إملاءات مهما كانت حتى لو أزلنا من الوجود. لا نقبل إلا المعاملة بالمثل وفي كل المجالات. لا أعداء لنا إلا من يحتلون أرضنا ومن يؤازرهم بالسلاح والسياسة والحماية. لا نؤله حاكما ولا نقدس تاريخا مفبركا يمجد التابعين. لا نقبل المساعدات المشروطة لتي تمس الكرامة الوطنية، مهما كانت أهميتها بالنسبة لنا. نوطن التكنولوجيا في كل الحقول الحياتية، ونرفض الاستشارات الغربية معروفة الأهداف. لا نتعامل مع ما توصف جزافا بمنظمات العون الإنساني المرتبطة بالصهيونية العالمية. نبني نظامنا التعليمي والسياسي وفق منظورنا الوطني. سنتعاون مع كل دول العالم على قاعدة مقاطعة إسرائيل. سنرصد سياسات دول العالم تجاه الاحتلال الإسرائيلي وسنقاطع أي دولة تمالئ الكيان المحتل.
سنكون أنصارا وحلفاء لكل حركات التحرر في العالم، ولن نأبه لأي ضغوط غربية للتراجع عن هذه السياسة. سنشكل تيارا عالميا لإعادة صياغة
ميثاق الأمم المتحدة ليكون معبرا حقيقيا عن شعوب العالم في الاستقلال ورفض التبعية للغرب. سيعاد طرح اعتماد الصهيونية حركة عنصرية ومجابهتها في الأمم المتحدة وجميع المنابر الدولية والإقليمية. سنطالب بريطانيا والدول الغربية التي أسست إسرائيل بتعويضات عن كل ما لحق بالعرب من كوارث طيلة فترة الصراع مع المشروع الصهيوني في وطننا العربي.
لن نعتمد أي معلومات اقتصادية وجغرافية تعتبر إسرائيل دولة واقعية..
سيعاد النظر في أسس العلاقات الدولية لتنسجم مع تطلعات الشعوب المقهورة بالاستعمار. سيعاد الاعتبار عالميا لمفهوم وثقافة المقاومة، ورفض المفهوم الغربي للإرهاب.
سنطالب باعتبار الاستعمار إرهابا مارسته الدول الغربية، ولا تزال تمارسه بطرق مختلفة في مقدمتها الابتزاز الاقتصادي والسياسي.
سنطالب بأن يعتذر الغرب لدول آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية عن الفترة الاستعمارية، على أن يقلع الغرب نهائيا عن سياساته السابقة. سنطالب بوقف استخدام مفهوم الدول النامية الخادع والعالم الثالث، ومفهوم الشرق الأوسط، فهي تحمل دلالات عنصرية تفريقية بين دول العالم، لمصلحة المستعمرين السابقين.
سيتوقف تعاملنا بالدولار الأميركي في علاقاتنا الاقتصادية مع جميع دول العالم، وسنختار بديلا من عملات الدول التي ترفض الهيمنة الغربية على العالم.
من الواضح، أن الحديث يدور عن المستحيل عربيا في اللحظة الراهنة. لكن من المؤكد أن ذلك سيتحقق وإلا فإن الفناء ختام الخنوع والجهل الممسك بتلابيبنا.
copy short url   نسخ
18/07/2019
650