+ A
A -
بدأت حكومة اليمن المنفية في التشكيك في التحالف الذي تقوده السعودية وتدعمه الإمارات العربية بصفتهما شريكين في المنطقة للدولتين الأجنبيتين المتورطتين في سلسلة من المواجهات التي تهدد بالمزيد من الانقسام في الأمة الأفقر والأكثر تدمراً في العالم العربي.
دعمت السعودية والإمارات حكومة الرئيس اليمني المنفي عبدربه منصور هادي، باعتبارها جزءاً من تحالف ضد التمرد الذي تقوده جماعة زيدية شيعية، تعرف بأنصار الله، أو الحوثيين منذ عام 2015. لكن انفصاليين من الجنوب مدعومين من أبوظبي انقلبوا على الحرس الرئاسي الذي تدعمه الرياض، وسيطروا على قصر هادي المهجور في جنوبي مدينة عدن الساحلية، بعد أسبوع من الصدامات الدامية. في يوم الثلاثاء 13 أغسطس، عقد المجلس الانتقالي الجنوبي مؤتمراً حاشداً وتعهد بالسيطرة على جنوب اليمن، في تمهيد لانفصال تام.
انتقد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني هذه الخطوة، في سلسلة من التغريدات، الجمعة 16 أغسطس، وقال: «إنه ليس انقلاباً على الحكومة الشرعية وتهديداً للنسيج المجتمعي وضرب المشروع القومي فحسب، أي تمرير أو تماهٍ مع انقلاب المجلس الانتقالي في عدن بهذا الظرف يسقط مشروعية مواجهة الانقلاب الحوثي في صنعاء، ويسقط مبررات تدخل تحالف دعم الشرعية لمواجهة انقلاب الميليشيا الحوثية على الحكومة اليمنية المنتخبة».
تقول مجلة Newsweek الأميركية، إن الصراعات الداخلية دائرة في اليمن على مدار قرون، فشمال البلاد وجنوبها بينهما اختلافات طائفية وسياسية بارزة، متمثلة في الوضع الحالي. كان شمال اليمن تحت حكم الطائفة الزيدية الشيعية لفترة طويلة تزيد عن ألف عام، على عكس طوائف أخرى مثل الإثنى عشرية ذات النفوذ التي تقود إيران، في حين كانت السنة تسيطر على الجنوب، لكن الاستقلال في ستينيات القرن العشرين أدى إلى تكوين أمتين متناحرتين، عصبة دينية قبلية عسكرية تدعمها السعودية في صنعاء، وحكومة شيوعية يدعمها الاتحاد السوفياتي في الجنوب.
وُحدت البلاد في عام 1990 بعد سلسلة من الصراعات الدامية تتضمن أيضاً تنافس المصالح الجيوسياسية. بدأت الأزمة الحالية في عام 2012 عندما أُجبر الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي تولى حكم شمال اليمن في عام 1978، واستمر في حكم الدولة الموحدة، على التنحي وسط تظاهرات واسعة والتي لم تنحسر عندما واصل هادي في منصبه.
في ظل ازدياد الاستياء، تمكن الحوثيون من السيطرة على العاصمة صنعاء في عام 2015، وأجبروا هادي على نقل مكان القيادة إلى عدن، مما دفع السعودية على تشكيل «تحالف عربي» يضم الإمارات وتدعمه الولايات المتحدة في محاولة لردع المتمردين الذين كانت لدى السعودية وحلفائها شكوك في أنهم يتلقون دعماً من خصمهم الإقليمي إيران. كان من المفترض أن ينضم صالح وداعموه للحكومة الجديدة التي يقودها الحوثيون، لكن الزعيم السابق قُتل في النهاية على يد حلفائه الحوثيين، ويزعم أن هذا لأنه حاول أن يعقد صفقة مع التحالف الذي تقوده السعودية.
من هنا بدأ الصراع في عدن
انتشر وصف الصراع بأنه طريق مسدود، بالنظر إلى أن الحوثيين يسيطرون على صنعاء في ظل حدوث مناوشات عنيفة ضد القوات المؤيدة للحكومة في مدن استراتيجية مثل الحديدة. وافق الطرفان مؤقتاً على الدخول في مباحثات العام الماضي في السويد، لكن لم ينتج عن هذا سوى القليل، مثل إعلان الإمارات مؤخراً سحب قواتها من البلاد وسط توترات دولية مستقلة مثل إيران في الخليج العربي، والجبهة الجديدة التي فُتحت في عدن.
وعلى الرغم من أن قوات هادي التي تدعمها السعودية والمنشقين الذين تدعمهم الإمارات تصادموا مع بعضهم البعض من قبل، تزايد العداء بينهما كثيراً بعد ضربة صاروخية تبناها الحوثيون في بداية هذا الشهر قتلت أعضاء من المقاتلين المؤيدين للجنوب. اتهم المجلس الانتقالي الجنوبي جماعة الإصلاح الموالية للحكومة بتنفيذ الهجمة، وادعى أن المقصود منها كان تقويض سيطرة المنشقين على عدن، وجرى تبادل لإطلاق النار بين الجانبين المتخاصمين في جنازة المقاتلين القتلى.
من المتوقع أن يستمر المنشقون في السيطرة على المباني الحكومية الرئيسية، والتفوق على الحرس الجمهوري في القصر الذي تركه هادي منذ وقت طويل منذ انتقاله إلى السعودية، بالرغم من دعوات التحالف للانفصاليين بتسليم القصر والمؤسسات التي تمت السيطرة عليها، إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي نفى مساء السبت 17 أغسطس، سحب قواته من المعسكرات والمواقع الحيوية في العاصمة المؤقتة عدن، مؤكداً أن قواته انسحبت فقط من بعض المرافق الخدمية بالاتفاق مع التحالف، ويأتي ذلك عقب إعلان التحالف انسحاب قوات المجلس من مواقع الحكومة الشرعية في عدن.
وفي ظل سيطرة الحوثيين على صنعاء، والمنشقين على عدن، لم يعد لدى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مقر في البلاد نفسها.
وفي هذه الأثناء أشار الحوثيون إلى أن الصراع الداخلي في التحالف يمثل سبباً إضافياً لعدم شرعية تدخل السعودية والإمارات. ويوم الثلاثاء 13 أغسطس، غرد محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى للجماعة، عبر حسابه على تويتر، قائلاً إن «الجماعة كانت تراقب الأحداث في عدن» في حين كان المجلس الانتقالي الجنوبي يعقد مؤتمره الحاشد الضخم.
أعربت الولايات المتحدة عن قلقها حيال الموقف في عدن، لكنها تواجه مشكلات في الداخل من جراء دعم التحالف. وسط اتهامات بأن السعودية والإمارات كانتا مسؤولتين عن جرائم حرب في اليمن، تحرك الكونغرس الأميركي لإيقاف قدرة الرئيس دونالد ترامب على تقديم الدعم العسكري لجهود الدولتين في الحرب هناك، لكن الرئيس الأميركي اعترض على هذا التصويت التاريخي، وعبّر عن دعمه الأكيد للملوك الذين يراهم حلفاء رئيسيين في جهود عزل إيران في المنطقة.
وكان وزير النقل اليمني، صالح الجبواني، أعلن أمس إنه لن تكون هناك عودة للدولة في مدينة عدن، ما لم يتم تفكيك «ميليشيات الإمارات»، بالإضافة إلى تسليح قوات الشرعية بشكل جيد. جاء ذلك في تغريدةٍ نشرها الوزير «الجبواني» على حسابه بموقع تويتر، عقب إعلان التحالف العربي بقيادة السعودية، السبت، عن بدء انسحاب قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، من مواقع الحكومة، بعد سيطرة هذه القوات على عدن بالكامل في وقت سابق. وقال «الجبواني» إن «عودة مبانٍ ودعوة جنود من الحراسة الرئاسية المدمرة بسلاحهم الشخصي لحراستها ليس عودة للدولة كما يبشر البعض».
وأضاف أن «عودة الدولة بشكل حقيقي لن تتم إلا بتسليح قوات الشرعية بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وتفكيك ميليشيات الإمارات ودمجها بالجيش والأمن، ودفعها للجبهات مع الحوثي».
وبالموازاة مع ذلك، أعلنت الداخلية اليمنية، السبت، تعليق العمل في مقر الوزارة ومصلحتي الهجرة والجوازات والأحوال المدنية في عدن، وفقاً لما ذكره بيان نشرته الوزارة تعليقاً على ما سمَّته «انقلاب» المجلس الانتقالي الجنوبي على الحكومة الشرعية في المدينة.
وقالت الوزارة إن قرار تعليق العمل في الوزارة صدر من الوزير أحمد الميسري ويبدأ من السبت، وحتى إشعارٍ آخر. وأضافت أن «إعلان تعليق العمل يأتي عقب التمرد المسلح الذي قادته الميليشيات التابعة لما يسمى المجلس الانتقالي، على الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وعلى مؤسساتها الرسمية في عدن».
وشددت الوزارة على أن «كل الإجراءات بعد تاريخ صدور القرار، تعد غير قانونية ومعدومة الأثر، وتُعرِّض مرتكبها للمحاسبة». ودعت ضباط وجنود الداخلية «لمواجهة الانقلاب المسلح، على الحكومة الشرعية ومؤسسات الدولة، وإفشاله».
وقبل يومين وصلت لجنة إماراتية سعودية إلى عدن، للإشراف على انسحاب المجلس الانتقالي الجنوبي من مؤسسات ومعسكرات الحكومة اليمنية.
انسحاب جزئي
وبينما تحدث التحالف عن عودة قوات المجلس الانتقالي لمواقعها السابقة من عدن، إلا أن المجلس نفى ذلك، وقال إن قواته لم تنسحب من المعسكرات والمواقع الحيوية في عدن وإنما انسحبت فقط من بعض المرافق الخدمية، ضمن تفاهمات مع التحالف.
وقال المتحدث باسم المجلس نزار هيثم في تصريح لوكالة الأناضول: «لم تكن هناك انسحابات بمفهومها العام، وما جرى يندرج فقط في إطار التفاهمات مع دول التحالف العربي، حيث تم تسليم بعض المرافق الخدمية المرتبطة أساسًا بحياة المواطنين».
وأضاف: «حرصنا بالتعاون مع التحالف، خلال الأيام القليلة الماضية، على تحقيق ما هو مفيد وإيجابي بالنسبة للمواطنين، وخاصة بشأن المرافق الخدمية، مثل البنك المركزي ومستشفى الجمهورية التعليمي والمجمع القضائي».
وتابع: «هذه المنشآت خدمية في الأساس ولا خلاف عليها، وعملية تأمينها ستكون مشتركة بين المجلس والتحالف، لضمان عدم تواجد أي عناصر قد تخل بالأمن لصالح الحكومة الشرعية».
وقبل نحو أسبوع، سيطرت قوات تابعة لـ «الانتقالي الجنوبي»، على ألوية ومعسكرات تابعة للحكومة الشرعية، بعد معارك بين الطرفين انتهت بالسيطرة على القصر الرئاسي، وهو ما اعتبرته الحكومة «انقلاباً كاملاً» على الشرعية في عدن، داعية إلى انسحاب قوات «الانتقالي» قبل أي حوار.
وخلّفت المعارك نحو 40 قتيلاً من المدنيين، فضلاً عن أكثر من 200 جريح، بحسب الأمم المتحدة، في حين لم يعلن أي من الطرفين عن القتلى والجرحى في صفوف قواته. ومنذ 2015، تقود السعودية والإمارات تحالفاً عربياً ينفذ عمليات عسكرية باليمن، دعماً للقوات الموالية للحكومة، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.
وقال عبدالملك الحوثي زعيم جماعة «أنصار الله» (الحوثي) في اليمن، السبت 17 إن استهداف مصفاة الشيبة النفطية جنوب شرقي السعودية «درس مشترك وإنذار مهم للإمارات».
جاء ذلك في خطاب متلفز بثته قناة «المسيرة» التابعة للجماعة، بعد ساعات من إعلان الأخيرة أن «10 طائرات مسيرة استهدفت حقل ومصفاة الشيبة التابعة لشركة أرامكو جنوب شرقي المملكة».
وأوضح زعيم الحوثيين إلى أن مصفاة الشيبة تقع في حقل نفطي قرب حدود المملكة مع الإمارات وتبعد مسافة 1100 كم من أقرب نقطة حدودية مع اليمن. وهدد الحوثي في خطابه من أن قدرات جماعته العسكرية ستتطور أكثر حال استمرت عمليات التحالف في اليمن.
السعودية تُقلل من قيمة الهجوم
وفي وقت سابق السبت، قال وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، إن حقل الشيبة تعرض لـ«عمل إرهابي» بطائرات مسيرة، مضيفاً في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية: «نجم عن ذلك حريق تمت السيطرة عليه بعد أن خلَّف أضراراً محدودة، ودون أي إصابات بشرية».
وأضاف: «نجم عن ذلك حريق تمت السيطرة عليه بعد أن خلَّف أضراراً محدودة، ودون أي إصابات بشرية». وأكد أن «إنتاج المملكة وصادراتها من البترول لم تتأثر من هذا العمل الإرهابي».
وقال الفالح إن «هذا العمل الإرهابي والتخريبي، ما هو إلا امتداد لتلك الأعمال التي استهدفت مؤخراً سلاسل إمداد البترول العالمية بما في ذلك أنابيب النفط في المملكة، وناقلات النفط في الخليج العربي وغيرها».
والحوثيون يتوعدون
وأعلنت جماعة الحوثي اليمنية، السبت، تنفيذ هجمات «بعشر طائرات مسيّرة»، استهدفت منشآت نفطية تابعة لشركة «أرامكو» جنوب شرقي السعودية، فيما قال مصدر سعودي إن إنتاج النفط لم يتأثر بالهجوم. ونقلت قناة «المسيرة» التابعة للجماعة عن المتحدث باسم قواتها يحيى سريع، قوله إن سلاح الجو المسير «نفذ أكبر عملية هجومية على العمق السعودي منذ بدء العدوان (عمليات التحالف) على اليمن (عام 2015)»، بحسب تعبيره. وأضاف سريع أن «عشر طائرات مسيّرة استهدفت حقل ومصفاة الشيبة التابعة لشركة أرامكو شرقي المملكة»، لافتاً إلى أن «حقل ومصفاة الشيبة يضم أكبر مخزون استراتيجي في المملكة، ويتسع لأكثر من مليار برميل». وتوعّد المتحدث الحوثي السعوديةَ والتحالفَ العربي «بعمليات أكبر وأوسع إذا استمر العدوان».
copy short url   نسخ
19/08/2019
2614