+ A
A -
ليس ما توهمته للوهلة الأولى، قد يقفز إلى ذهنك استنتاج أولي، ربما يكون صحيحًا وليس شرطًا! فلو أنك قرأت كلمة الحجاج، وربطت بينها وبين موسم شعيرة الإسلام الكبرى؛ ستربط بين الكلمة والمناسبة، لكن هذا الربط سيفقد معناه إذا سمعت الكلمة تُنطق بكسر الجيم؛ لتأخذك في سياق مغاير.
قبل مدة من الزمن، كان حلم اليقظة يقترب إلى معنى التوبيخ؛ فالمرء يقطع وقته في الأحلام، ومن ذلك أن أعرابيًا سئل عن رجل؛ فقال «يقطعُ نهاره بالمنى، ويتوسَّد ذراع الهم إذا أمسى»، وفي مقالة الأعرابي ذمٌّ بليغ للمسؤول عنه، وأحلام اليقظة والأماني بضاعة الكسلان والمتواني.
لكنما المعنى يبتعد عن سياق الذم في مواطن أخرى؛ ففي علم النفس تأتي اليقظة مرادفًا لما يعرف بـ «الوعي التام»، ويراد بذلك أن يكون الذهن حاضرًا في اللحظة الراهنة، ويتمحور حول رفع مستوى إدراك العقل الواعي لما تفعله. وفق هذا المنحى، يتطلب تنفيذ الأمور بوعي تام أن تعطي المسألة قدرًا من الانتباه والأهمية، ومن ثمَّ فقد اختلف المفهوم باختلاف السياق.
لكن ما أهمية تلك اليقظة في حياتنا اليومية؟ إن كنت تبحث عن تفسيرات للأشياء؛ فإنك بحاجة إلى الوعي بما يجري من حولك، هذا الوعي يعزز قدرتك على فهم الأمور والربط بينها، ويقود إلى التحليل والتركيب والاستنباط والقياس، أما غياب اليقظة فإنه يطمس هذه المهارة، ولا يقوى المرء على تفسير الأمور، وبدلًا من ذلك يجد نفسه غريقًا بين أمواجها.
تقول العرب في أمثالها «أيقظ من ذئب»، تريد أن الشخص متأهب لا يغيب عن سير الأحداث، وهنا نرى الدلالة إيجابية لليقظة، وتغاير المراد من أحلام اليقظة ذائعة الصيت، والمتورطة في كمٍ هائل من السلبية والانفصال النكد عن الواقع. وقد تسأل سؤالًا وجيهًا: هل نحن بحاجة لهذا التنظير؟ أو تسأل بصورة أقرب مسلكًا: ما فائدة كل ما قلت آنفًا؟
والجواب إن اليقظة الممدوحة أعلاه تأخذ بيدك، وتساعدك في تغيير عاداتٍ تؤخر نجاحك، أو تكبح جماح طموحك وتثبِّط جهودك، ولأنه من الصعب أن تغيِّر شيئا لم تعرف ماهيته؛ فيجب إزالة اللبس وتمهيد الطريق، وإدراك دور اليقظة في تعديل السلوك والتغيير.
يمكنك تغيير العادات القوية بإحدى طريقتين؛ الإلهاء أو اليقظة! يعتمد الإلهاء على تشتيت الذهن عن العادة، والتفكير في كل شيءٍ لا يرتبط بها، والنتيجة تتفاوت بتباين الأشخاص. تعد تجربة المارشميلو أقرب الأمثلة لتغيير العادات عبر الإلهاء؛ فسيطر بعض الأطفال على سلوكهم، بينما التهم أترابهم الحلوى اللذيذة ولم يقاوموا.
مع شهرة تجربة المارشميلو، توصَّل العلماء لنتائج غير مسبوقة؛ فوجدوا أن اليقظة أفضل من الإلهاء، إذ يوجِّه الإلهاء الذهن إلى عملية مراقبة لا شعورية، ليتأكد من نجاح الخطوة الأولى، وبمجرد توقف الإلهاء تعاود النفس التفكير في الشيء، وربما بدرجة أكبر! وفق نظرية العمليات المتناقضة؛ فإن محاولة قمع الفكرة تأتي بنتيجة عكسية.
لو تخيلنا أن عادة ما درجت عليها، عادة يصعب اقتلاعها من حياتك، يمكن تشبيهها بالنهر الجاري، وقررت فجأة أن تتخلص منها؛ فلربما تعمد إلى بناء سد في طريق النهر، سيؤدي الغرض مدة لكنه لن يدوم، وبالمنطق نفسه يعمل الإلهاء مؤقتًا ولا يعدِّل من مجرى العادة، لا سيَّما وأن العادات القديمة تموت بصعوبة، أما اليقظة فلها مسلك مختلف، تحضك على إنشاء قنوات تتفرع عن النهر؛ هي لا تقاومه وإنما تستثمره وتروِّضه، طريقة ناجعة في وقت قياسي، ولن تضطر لتحمُّل أعباء الإلهاء.
تقل الصعوبة بالممارسة؛ فاستثمر اليقظة الإيجابية في تغيير عاداتك أو تعديلها لحياة أفضل.محمد الشبراوي
copy short url   نسخ
24/08/2019
4105