+ A
A -
النجاح لا يأتي صدفة، والانتصارات وليدة الجهد والعمل والتخطيط والتنفيذ الجيد، وقطر استطاعت بعد 800 يوم من الحصار الجائر الذي فرضته دول الحصار «السعودية والإمارات والبحرين ومصر» ضد الدوحة يوم الخامس من يونيو 2017، أن تحقق نقلة كبيرة على كافة الأصعدة والمستويات، نالت احترام المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية والجهات الرقابية والمؤشرات الدولية التي أشادت بالنجاحات القطرية المتتالية خلال أكثر من عامين، وأكد خبراء عرب وأوروبيون لـ«الوطن» أن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، عندما أعلن في سبتمبر 2017 – بعد الحصار بحوالي 3 أشهر- أن قطر تتحدى الحصار وأنها ستكون أفضل مما كانت عليه قبل الحصار، لم يكن يتوقع أحد أن يكون النجاح بهذا الشكل، وأن الدول التي أرادت تركيع قطر هي التي خسرت وتراجعت سياسياً واقتصادياً، في المقابل مضت الدوحة بخطوات واثقة تبني وتزرع وتوطد العلاقات الدولية وتسابق الزمن لإخراج مونديال 2022 كما لم يحدث من قبل في تاريخ هذه البطولة الرياضية الأشهر في العالم، وجميعها جهود شهد بها المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المعنية، وسيسطرها التاريخ لقطر «قيادة وشعباً وحكومة» تحت عنوان عريض «قطر لن تركع».
تحد سياسي
وقال أكرم راحمون، مساعد الأمين العام لحزب الاتحاد وعضو مجلس المستشارين «الغرفة الثانية من البرلمان» سابقاً، إن إعلان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، من فوق منصة الأمم المتحدة أمام العالم في سبتمبر 2017 أي بعد الحصار بثلاثة شهور، أذهل الجميع، كونه جاء في وقت ظن الكثيرون أن الحصار أربك حسابات قطر، حيث بدأ الحصار مع بداية شهر رمضان وتم وقف المنتجات الغذائية وخاصة منتجات الألبان التي كانت قطر تستوردها من السعودية والإمارات، وغلق المجال الجوي أمام الطائرات القطرية، الأمر لم يكن سهلاً، لكن بفضل الرؤية السياسية الحكيمة، والخبرة في إدارة الأزمات تم تدارك الأزمة سريعاً ورسمت القيادة القطرية طريق المستقبل دون دول الجوار، بل رسمت طريقا نحو آفاق بعيدة لم تكن في حسبان دول الحصار، وهذا بدا واضحا في نبرة التحدي الذي أعلنه حضرة صاحب السمو، وبالفعل تحقق بعد شهور قليلة جدا، وخطت قطر خطوات سريعة واثقة نحو الأفضل في كافة المجالات، وتركت دول الحصار يصيغون قوائم المطالب ويروجون الشروط لإنهاء الحصار، حتى أصبحوا أضحوكة، وأصبح الحصار كأن لم يكن، ومازالوا حتى اليوم يعلنون الشروط رغم تضررهم هم من الحصار وليس قطر، بل لا يستطيع أحد بعد 800 يوم حصار أن يدعي أن قطر ليست أفضل مما كانت عليه قبل الحصار، النتائج واضحة ومُعلنة من جانب المؤسسات والمنظمات الدولية.
وأكد ياسين الشوبي، عضو لجنة الشؤون العربية بالكونفدرالية الوطنية لليسار المغربي، أن قطر نجحت في إدارة أزمة الحصار سياسياً، بإعلان نقاط واضحة منذ البداية في ردها على قائمة المطالب الـ13 التي صاغتها دول الحصار، وأهم هذه النقاط التمسك بالسيادة الوطنية، وعدم الزج بالرعايا القطريين في النزاع السياسي، وتجنيب الشعوب العربية الفرقة والكراهية، والالتزام بضبط النفس، والرد المناسب بهدوء ودون الانجرار وراء المهاترات التي تصدرت المشهد آنذاك والتي أطلقتها دول الحصار، وهذا الموقف السياسي الراقي جعل جل الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي يتضامن مع قطر ويتعاطف معها، ويساندها ضد هذا العدوان، بل ويتحول هذا التضامن إلى تعاون سياسي ودبلوماسي واقتصادي ممتد في جميع قارات العالم، لتصبح قطر أكبر وأقوى خلال 800 يوم بأضعاف مضاعفة عما كانت عليه منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي والعلاقات القطرية مع دول الحصار.
قوة اقتصادية
وأشار جان لوك أركادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة باريس، إلى أن قطر استطاعت خلال 800 يوم تصدر مؤشرات القوة الاقتصادية والتجارية والتنمية والرفاهية على مستوى العالم، وتحقيق أعلى نسبة جذب للاستثمار الأجنبي في تاريخها، بفضل التسهيلات والقوانين التشجيعية والقرارات الحكومية المُشجعة لتدفق رؤوس الأموال الأجنبية، أهمها تملك الأجانب للمشروعات التجارية، والتسهيلات البنكية وتسهيلات الإقامة، والانفتاح السياحي، وقوة البنية التحتية للسوق القطري والشفافية في تداول المعلومات بشأن أداء السوق، فتفوقت قطر في المجال الاقتصادي والتجاري والاستثماري بشكل كبير يؤكدها رقم الشركات الحديثة التي تم تأسيسها خلال العامين الماضيين وحجم المشروعات القومية التي تم تشييدها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء، كلها إنجازات تاريخية.
وأشارت جوليان دينوف، الكاتبة والمحللة الاقتصادية في صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، إلى أن أزمة الحصار صبت في صالح الاقتصاد القطري بشكل كبير، حيث أظهرت قوة العملة القطرية «الريال» أمام الأزمات، وقوة سوق الأسهم في مواجهة الهزات المفتعلة أو الطوارئ، وقوة الجذب الخارجي للمستثمرين ورؤوس الأموال الأجنبية، وهو نجاح كبير لم تكن قطر تحققه لولا الحصار، وصمود الاقتصاد لمدة 800 يوم من الحصار وتحقيقه نجاحات كبيرة يؤكد أن الحصار كأنه لم يحدث، وإن اعتبرناه حدث فهو مكسب لقطر وليس العكس.
نجاح دبلوماسي
وأكد ديفيد إليوت، عضو لجنة الشؤون الخارجية في حزب العمال البريطاني، أن الدبلوماسية القطرية لعبت خلال 800 يوم حصار مبارايات احترافية مليئة بالإبداع، منذ اليوم الأول وحتى اليوم 800 من عمر المباراة نشاهد أهداف دبلوماسية مثيرة للاعجاب، بدأت بحملة طرق الأبواب على المستوى الإقليمي والأوروبي والدولي للتعريف بالقضية، واستعراض فصول المؤامرة منذ اختراق وكالة الأنباء القطرية «قنا» وزرع أخبار مفبركة لاستغلالها لأهداف سياسية، ثم استخدام حق التواصل مع المنظمات الأممية المختلفة والاتحادات الدولية وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، والتواصل الدبلوماسي مع كافة الدول لتفكيك المؤامرات وتوضيح أبعاد الأزمة، فآستطاعت قطر بكل براعة تحويل الحصار جهة أصحابه، فأصبحت دول الحصار محاصرة وتراجعت دولياً وساءت سمعتها لا سيما بعد الفضائح المتتالية مثل قتل وتقطيع الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، تقوقعت دول الحصار وأصبحوا منبوذين، في حين تمددت قطر دبلوماسياً وشاهدنا الحفاوة الكبيرة التي يتم بها استقبال حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، خلال جولاته لمختلف دول العالم، وهنا يجب ألا يفوتني الاشادة بدور سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، وما حققه من إنجازات خلال عمر هذه الأزمة التي تحولت لملحمة بطولة وانتصار يسجل في تاريخ قطر.
وأضاف كين سكوت، السفير البريطاني السابق لدى الاتحاد الأوروبي، أن الدبلوماسية القطرية كانت السلاح الأقوى وخط الدفاع الحصين في هذه الأزمة، حيث حولت ادعاءات دول الحصار ومبرراتها إلى أدلة ضدها، فحولتهم من دول جوار إلى «عصابة» تسعى للنيل من هذا البلد لأسباب غير معلنة مثل الغيرة والحقد، وقامت الدبلوماسية القطرية بكشف هذه الأسباب أمام العالم بسهولة، ربما بسبب غباء إعلام دول الحصار الذي أظهر ذلك بسهولة، مثل المطالبة بنقل مونديال 2022 من قطر، والمطالبة بقصف مكتب الجزيرة، واستهداف الشعب القطري وملاحقة المتعاطفين مع قطر من مواطني دول الحصار، ممارسات وتصرفات لا يمكن وصفها إلا بالصبيانية، وهذا الحصار برمته قضية عبثية كشفت قطر هزلها ووجهها الحقيقي، لهذا تعاطف المجتمع الدولي مع قطر وأعلن الجميع الوقوف إلى جانب الدوحة ضد هذه التصرفات التي نتائجها نراها في اليمن ولبنان وليبيا والعراق، غرقوا في مستنقع حفروه بأيديهم، وصراعات سعوا إليها.
تفوق عسكري
وأوضح إفرايم فولفجانج، الضابط السابق بالجيش الألماني الاتحادي، أن الدوحة حليف مهم لحلف شمال الأطلسي «الناتو» وهي عضو مشارك في الحلف، ومن قبل تقيم قطر علاقات عسكرية واتفاقيات ومعاهدات مهمة في مجال الدفاع والتسليح والتعاون المشترك مع الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك أكبر قاعدة عسكرية خارج أراضيها في قطر وهي «قاعدة العديد»، وأيضا التعاون القطري التركي في المجال العسكري والتسليح، وعلاقات متميزة في المجال العسكري مع برلين، ومع مختلف القوى الدولية، وهذا جعل الدوحة عضوا متميزا في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وعضوا بارزا في القوى الدولية الداعمة للسلام، وحليفا مرموقا في منطقة الخليج، وهذه العلاقات العسكرية المتنوعة جعلت الجيش القطري يتميز بالمهارة المتنوعة والخبرات المكتسبة من كل مختلف القوى، وهذا أمر في غاية الأهمية، خاصة في ظل التوترات السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة والعالم، استطاعت قطر أن تؤمن حدودها بكفاءة وقوة أكثر مما كانت عليه قبل الحصار، وهذا نجاح واضح ومشهود له.
وأضاف يوهان فريدريك، الضابط السابق في الجيش الألماني الاتحادي، أن قطر حققت خلال العامين الماضيين نقلة كبيرة في مجال تنويع السلاح والاتفاقيات والمعاهدات والتدريب المشترك مع مختلف القوى الدولية، وهو نجاح يدل على تنامى الثقة الدولية في قطر كدولة، وفي صدق النوايا تجاه السلام الدولي وحفظ أمنها وسيادتها، وهذا نجاح كبير جعل الدوحة تنخرط بشكل إيجابي والأول عربيا تقريبا في جميع الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب ولإحلال السلام ولها مساهمات مهمة جدا في دعم الحكومات في دول النزاع مثل دعم الصومال بالمركبات والمعدات الشرطية لتحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد، وهذا نجاح تتميز به قطر في محيطها وعلى مستوى العالم.
نجاح رياضي
وأشار لويس إنريكي، المدير الفني للمنتخب الإسباني، إلى أن قطر حققت تفوقاً كبيراً في المجال الرياضي، خلال العامين الماضيين، أهمها الاعلان بشكل يومي عن مفاجآت وتحضيرات غير مسبوقة لاستضافة مونديال 2022 في الدوحة، حتى أصبح هذا المونديال تحديدا محل مطاردة الصحف الاسبانية والأوروبية بشكل شبه يومي، نجد دائما أخبارا مثيرة عن هذه الاستعدادات، وعن دور قطر في دعم الرياضة بإعلان يوم وطني للرياضة مثلا، وهذا الاهتمام بالرياضة في الحقيقة انعكس بالإيجاب على الدولة، وحصلت قطر على بطولة كأس آسيا شهر فبراير الماضي عن جدارة، وهو في الواقع أمر جيد ويحترمه عشاق كرة القدم حول العالم، فالاهتمام بالرياضة يعكس مدى رقي الدولة وتقدمها من وجهة نظري، وقطر تعجبنا برعايتها لكرة القدم واهتمامها بهذا المجال سواء في قطر أو في أوروبا.
copy short url   نسخ
24/08/2019
2727