+ A
A -
سهـام جاســم
استوقفني منذ أيام عنوان لأحد الكُتُب وهو ( كُنْ مديراً عظيماً - الآن!) للكاتب أودري تانج، قبل أنْ أتصفحَ الكتاب جذبني العنوان ودعاني للتساؤل: كيف بوسع إنسان ما أنْ يغدو عظيماً في مجالٍ من المجالات التي يُديرها في واقعه العملي دون أن تكون لديه حاسة النقد الذاتي اليقِظة؟ أو دون أن يحاسبَ نفسه بموضوعية شديدة حول ما قدمه للمكان الذي يُديره ويزعم تطويره..؟ وما الذي أضافه وجوده كمدير لفريق العمل الذي ينتمي إليه..؟ وهل ما بلغه من تقدم في إدارته نتاج نبوغه الإداري أم بجهود الموظفين المجهولين..؟
ويجدر بنا أنْ نتساءل: كيف ستتحقق العَظَمة إذا لم تتضاءلْ الأنا وتُفسح مجالاً لإنجازات الآخرين وإبداعاتهم الخلاقة، بل كيف سيحقق أيّ توجيه في أمرٍ ما التعديل المطلوب في أيّ ناحيةٍ تحتاج إليه بشدة إذا لم يكن ممن يتفقدون ويتابعون العمل والقائمين به بنفسه ليتعرف على حقيقة الإنجاز ومن قام به..؟
أم كيف ستُثمر بذرة النصيحة تلو النصيحة وستتأكد من جدواها، إذا لم ترَ محاولات صادقة أو بوادر لها وذلك مما لا يثبت حدوثه عادةً حتى ترى تغيُّراً واضحاً وملموساً يتحقق في الواقع العملي لدى هذا المدير أو ذاك وفيما يدير وفيمن يُدير..
نريدُ أنْ نرى ونشعر بالرضا، لا أنْ نسمع بعضاً من العبارات المُغرقة بالمثاليات المسموعة دوماً والتي لا تُقاس ولا تُعدُّ رداءً مناسباً يُجَمِل الواقع، لأنّها لا تستر ولم تُصَمَم لدى من يعرف ما المطلوب بل أين هي مكامن التقصير..
حقيقة بعض عناوين الكتب، تُثير وتبعثر الكثير من التساؤلات -كما حدث مع تساؤلاتي المُتفرقة السابقة- وبعدها تحثُّك على قراءة المحتوى بل هي تتجاوز ذلك لتجعلك تُعبِرعن رؤيتك الخاصة وِفقاً لخبراتك الحياتية، وتدفعك لتوظيف تلك الملاحظات الدقيقة التي لطالما تفضلت بها على زملائك أو رئيسك، قبل أن تتصفح الكتاب، بل إنّ بعضها يجعلك تفترض أنّ الكاتب بصدد سؤالك لا بصدد إخبارك..!
( كُن مديراً عظيماً-الآن ) ! مهلاً لماذا لا تبحث كيف تكون عظيماً قبل أن تكون مديراً، لماذا لا تفكر بحجم المسؤولية المُلقاة على عاتقك لا بحجم الكرسي ولا بحجم مُسماك الوظيفي الذي سيغدو أفخم..؟
كانت تلك جملة من التساؤلات التي أثارها عنوان الكتاب فقط، ولكن بعد تصفحي له، تذكرتُ الكثير من المدراء الرائعين الذين طبقوا ما جاء فيه دون أن يتصفحوه، إنّه نوع مميّز بل وشديد النُدرة من المُدراء (الطيبين) الذين أدركوا معنى روح الجماعة والفريق الواحد الذي يجب أن يسوده الشعور بالحب وأنْ تتعطر أجواؤه بالألفة والود، العيش في وسط الجماعات البشرية وإدارتها يحتاج إلى إنسان قبل كلّ شيء وهنا تكمن عظمة الإنسان الحقيقية بل وتفوقه على بني جنسه..
وأكاد أجزم أنّ هناك الكثير من الذين ظنّوا أنّهم أدركوا مرحلة العظمة في الإدارة، ويعتقدون أنّهم ليسوا بحاجةٍ إلى مثل هذا الكتاب أو غيره من الكُتُب التي تُرشدُ للأساليب والطُرق التي تجعل منهم مدراء ناجحين، ومحبوبين، وهم في أمس الحاجة لهذا الإرشاد والتوجيه..
يقول الكاتب أودري تانج في كتابه سالف الذكر: (يجب استخدام مزيج من المحفزات غير الملموسة والملموسة طوال الوقت، ليس فقط عندما ترغب في إتمام مهمة ما!) حتى المحفزات والكلمات الطيبة والثناء، إذا ما فات موعدها وبات من الواضح أنّ الهدف منها هو إتمام مهمة معينة يبدو ضرباً من هُراء التملق الذي قد يقوم به المُدير لأجل الإنجاز فقط لا لأنّ الموظف يستحق..
لا يسعني أنْ أعرض وأعلق على الكثير من فصول هذا الكتاب الرائع في الإدارة، إذ أنّ العنوان فقط يبدو لي موضوعاً كاملاً وطويلاً جداً بحد ذاته فما بالك بما جاء في الكتاب..؟
كلمــة أخيــرة
أتركها لشطر من قصيدة الشاعر أبو تمّام:
من سجايا الطلولِ أنْ لاتُجيبا
copy short url   نسخ
16/09/2019
4021