+ A
A -
نور الدين العلوي كاتب تونسي
قال الصندوق الانتخابي التونسي كلمته التي لم ترد في كتب الأولين، فبات التونسيون في حالة ذهول لم تطاوعهم تفاسير علم الاجتماع إلا قليلا، وذهبوا في تفسير ما جرى طرائق قددا؛ بين فرح بانكسار منظومة الحكم القديمة وممثلها الرئيسي (حزب نداء تونس بكل شقوقه ومرشحيه) وممثلها الثانوي الطارئ على الحكم (حزب النهضة الإسلامي)، وبين مغتبط بمرور مرشح من خارج كل التوقعات قيل إنه يمثل شرائح الشباب الغاضب من الأحزاب والقوى التي أدارت الدولة بعد الثورة وفشلت في تحقيق مطالبها الملحة.
ولن نزعم في هذه الورقة الوصول إلى تحليل جامع شامل لكل ما جرى، ولكن سننظر في بعض جوانبه، عسى أن نفهم قبل القارئ ما جرى وما قد يكون من أثر له على العملية السياسية الجارية في البلد بعد، وعلى إدارة الدولة في المستقبل القريب.
التصويت العقابي
هو أسرع التفسيرات التي ملنا إليها. قد لا يكون التفسير الوحيد، ولكن من الواضح أنه تشكل رأي عام نافر من الوجوه السياسية المعهودة والمجربة منذ سنوات. لقد جرى طرق متواصل على أذهان الناس من قبل مجموعة من الإعلاميين المنفلتين، تحركهم ماكينة الفساد بنيّة إسقاط كل من حكم، فصار حتى ارتفاع الحرارة وانحباس الغيث من أفعال الحكومات.
ردة الفعل على التثبيط الإعلامي انتهت بإسقاط الأحزاب الحاكمة، ولكنه انتهى أيضا بإسقاط الأحزاب التي لم تحكم ومرشحيها؛ لصالح من لم يحكم أبدا. خسر الإعلاميون المحرضون رهانهم وأخسروا البلد حالة الانتقال داخل الاستمرارية، بما وضع الجميع أمام خيارات مجهولة لا يفلح التونسيون في قراءة مصائرها حتى الآن. لقد أذهلت نتائج التصويت في الدور الأول عقولا كثيرة، لكن النتيجة، رغم الطرق الإعلامي، فرضت السؤال التونسي وربما يصير سؤالا عربيا: هل الانتقال داخل الاستمرارية هو الحل الأمثل لتجسيد مطالب الثورة؟
الثورة تراجع نفسهالا شك في أن مستوى ما تحقق أقل بكثير مما كان ممكنا. لقد راكم الجميع أخطاء في الطريق، وتبين أنهم خائفون فعلا من التغيير العميق، وأن حديث الاستمرارية والحفاظ على كيان الدولة يخفي أيديولوجيا محافظة تخفي بدورها حالة رعب من التغيير وتحمل كلفته السياسية والمادية، بل جنح كثيرون، ومنهم إسلاميون كانوا فقراء وشاركوا في السلطة، إلى التكالب على منافع أتيحت لهم في غفلة، فإذا هم في ورطة أخلاقية .
(يتبع)
{عن (عربي 21)
copy short url   نسخ
18/09/2019
200