+ A
A -
نادر العضياني
تحدث الأشياء من حولنا وتتطور بشكل محكم ودقيق، تحدث وفق نظام ضابط بمعايير ثابتة لا تتغير وتتسق دوماً في تفاعلاتها البينية، فمثلاً النخلة عندما تبدأ في النمو تمر بمراحل تمر بها كافة أشجار النخيل، ويستحيل عملياً أن تحترق مراحل نمو النخلة في ظروف طبيعية، كما أنه من المستحيل أن تبلغ النخلة مرحلة النضج دون أن تمر بفترة زمنية تقتضيها مرحلة النضج، وهكذا حال الإنسان في كل شيء وحال كل شيء في هذا الكون، بل إن الكون ذاته انطلق من نقطة اللاشيء مادياً -أي الطاقة اللانهائية- ثم مر بمراحل طبيعية حتى وصل إلى ما تدركه حواسنا وإلى ما تعجز عن إدراكه، ويكتفى بتفسيره رياضياً فقط، مرحلة تقترب من الكمال وتوشك أن تكون مثالية.
يقف التعليم على قدميه عندما نتأكد من وجود معلمين قادرين على تنمية خبراتهم التعليمية عاماً بعد آخر، وهذا يقتضي أن نُرسخ عدة مسلمات نؤمن بها جميعاً.
المسلمة الأولى: لا توجد خبرة قائمة فقط على عدد سنوات العمل، وهذا يعني أن عدد سنوات العمل لوحدها لا تعني شيئا، إلا أنها تاريخ يحكم على أحداث يقضيها المعلم في الميدان التربوي سواءً كان حكماً إيجابياً أو سلبياً!
المسلمة الثانية: الخبرة لا تتشكل في الميدان التربوي خلال عام أو عامين أو حتى عشرة أعوام، وذلك نتيجة لكون الخبرة عملية بناء تراكمي يحدث وفق وعي -معرفة إدراكية بالمهارات التدريسية- بشكل يسمح بمرورها بثلاث محطات، حيث الأولى هي المحطة المعرفية، أما الثانية فهي محطة التشكل المعرفي وهي محطة ممتدة، والثالثة تكون من خلال محطة الأداء المستقل.
المسلمة الثالثة: تتكون الخبرة التعليمية من مجموع المهارات الكلية للتدريس ولكل مهارة مستوى أداء خاضع للقياس والتقييم، وفي هذه المرحلة يتم نقل المهارات التدريسية من العقل الواعي «التركيز على المهارة» إلى منطقة اللاوعي، حيث يتم التركيز على مُخرجات المهارة.
من خلال هذه المسلمات التي لا تتجاوز كونها اجتهادا شخصيا قائما على ملاحظات وتأملات يفرزها العمل الميداني في الجانب التعليمي، سأحاول قدر المستطاع تسليط الضوء على بعض الجوانب التي تنمي الخبرة وفق منهجية علمية تقوم في الأساس على أبحاث إجرائية عالمية تركز على مفهوم الخبرة وآلية تنميتها وتعظيمها، خاصة أن هناك عاملا وثيق الصلة بين المخرجات التعليمة المرتفعة «تحصيل أكاديمي» والمهارات العالية «أداء المعلمين»، كما أن التفسير المنطقي لانخفاض التحصيل الأكاديمي هو بسبب انخفاض المهارات التدريسية لدى المعلمين، وهذا لا يلغي بقية العوامل، لكنها عوامل ذات تأثير أقل مقارنة بانخفاض أداء المعلم المرتبط بخبراته.
ومن السهولة بمكان أن نقوم بتحميل الطالب أسباب انخفاض تحصيله الأكاديمي وضعف مهاراته العلمية، إلا أن هذا لا يتجاوز كونه هروباً إلى الأمام ومحاولة يائسة لدفع الأسباب الحقيقية وراء ضعف الطلبة نحو الخلف قليلاً، وهذا هروب من الواقع بكل تحدياته ما يلبث حتى يتكشف عن حالة من اليأس والإحباط لا سبيل من التخلص منها إلا بالعمل على تمحيص مسبباتها، والعمل على مواجهتها بأساليب علمية، مع اعترافٍ تام بمسبباتها. بمشيئة الله، سنتطرق في سلسلة من المقالات إلى الطرق والأساليب العلمية التي تضمن تطوير خبرة المعلم في الميدان التربوي.
copy short url   نسخ
24/09/2019
3607