+ A
A -
كتب – محمد الأندلسي
قالت مجلة غلوبال فاينانس، الرائدة في القطاع المالي ومقرها نيويورك، إن الحصار المفروض على قطر منذ الخامس من يونيو 2017 كشف عن قوة ومرونة فائقة للاقتصاد القطري، الذي أظهر علامات واضحة على مناعته في مواجهة الأزمات، ليواصل مسيرة النمو، مستنداً إلى حزمة من محفزات النمو الإيجابية، وأهمها: تطوير التشريعات الاقتصادية ونمو القطاع غير النفطي والشراكات التجارية وخطط الاكتفاء الذاتي التي تمضي على قدم وساق وتطوير قطاع الغاز والطاقة والأداء القوي للقطاع المصرفي.
ولفتت إلى تحقيق مركز قطر للمال، والذي يسمح بملكية أجنبية بنسبة 100 % للمؤسسات الواقعة تحت مظلته معدلاً كبيراً للنمو بنسبة 31 في المائة خلال 2018، فقد وصل عدد الشركات المسجلة في المركز إلى 605 شركات في ديسمبر 2018، مقارنة بعدد 461 شركة في بداية العام. وإلى جانب النمو في عدد الشركات الذي تجاوز نسبة 50 في المائة من هدف تسجيل ألف شركة في مركز قطر للمال بحلول 2022، تتكون أنواع الشركات المنضوية تحت منصة المركز من مجموعة من الصناعات التي تتضمن إدارة الاستثمار والتأمين والاستشارات، وكذلك الشركات القابضة، والشركات ذات الأغراض الخاصة، وشركات الخدمات المهنية. وتأتي الشركات الجديدة من مجموعة متنوعة من الدول، بما فيها قطر والولايات المتحدة الأميركية، وكندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وسويسرا، وإيطاليا، والأردن، والهند، بالإضافة إلى باكستان، وغيرها.
ونقلت «غلوبال فاينانس» عن الرئيس التنفيذي لمجموعة مصرف قطر الإسلامي باسل جمال قوله، إن قطر قد طوت صفحة الحصار وتواصل مسيرة النمو، خاصة بعدما حقق الاقتصاد القطري معدلات نمو بلغت مستوى 1.6 في المائة خلال عام 2017، كما أنه من المتوقع أن يحقق الاقتصاد الوطني نموا في الناتج المحلي الإجمالي ( معدل نمو الاقتصاد) بنسبة 2.6 في المائة خلال 2019 على أن يستمر زخم النمو ببلوغ معدلات نمو الاقتصاد أكثر من 3 في المائة خلال العام المقبل، وفي المقابل اختتم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في 13 مايو 2019 مشاورات المادة الرابعة مع دولة قطر، مؤكداً أن الاقتصاد القطري نجح في استيعاب الصدمات التي ترتبت على هبوط أسعار النفط خلال الفترة من 2014 وحتى 2016، إلى جانب الحصار المفروض على البلاد منذ الخامس من يونيو 2017.
شراكات دولية
وبحسب «غلوبال فاينانس»، فإن قطر نجحت نجاحا كبيرا في تعزيز شراكاتها التجارية الدولية وتوسيعها وعقد شراكات أخرى جديدة وتقدم الاقتصاد نحو النمو بوتيرة متسارعة، حتى أنه ليس تجاوزا القول أن الاقتصاد القطري واجه الحصار بروح التحدى، مؤكدا للعالم قدرته وقوته ومرونته، ونتيجة لذلك، قامت العديد من الشركات القطرية بمضاعفة إنتاجها لتلبية الطلب المحلي وتغطيته، مثل صناعة الألبان ومشتقاتها التي وصلت قطر بها إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي مع التصدير إلى الخارج أيضا، خاصة أن المنتجات الغذائية كانت من الاهتمامات الرئيسية بعد فرض الحصار، حيث تقوم شركة بلدنا، للصناعات الغذائية القطرية بتوفير أكثر من 95 في المائة من الطلب المحلي على منتجات الألبان، كما بدأت في التصدير، ومن المتوقع أن يتم طرحها للاكتتاب العام قبل نهاية العام الجاري، حيث وافقت هيئة قطر للأسواق المالية مؤخرا على طرح أسهم شركة بلدنا «شركة قطرية مساهمة - تحت التأسيس» للاكتتاب العام، وقالت الهيئة، إن شركة بلدنا ستباشر إجراءات الاكتتاب بعد الانتهاء من المتطلبات القانونية كافة، وكذلك توفير نشرة الطرح وجميع البيانات المتعلقة بالشركة، وإتاحتها للراغبين في الاستثمار قبل موعد بدء الاكتتاب.
وتشير غلوبال فاينانس إلى أن القطاع غير النفطي في قطر سجل نمواً بواقع 5.3 في المائة خلال العام الماضي، مدعوما باستثمارات ضخمة في البنية التحتية، بما في ذلك استثمارات هائلة في مدينة لوسيل ومترو الدوحة وميناء حمد، فضلا عن توسعة مطار حمد الدولي ومشاريع مونديال كأس العالم 2022، وبالتزامن مع النمو في القطاع غير النفطي، فإن مسيرة تطوير القطاع النفطي في قطر لا تتوقف، فخلال شهر يناير الماضي، غادرت دولة قطر من منظمة الدولة المصدرة للنفط (أوبك)، وهو ما يكشف قدرة الاقتصاد القطري على مواصلة النمو بدون منظمة أوبك لاسيما وان قطر تمتلك أحد أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي المسال في العالم، والتي تمثل حوالي 85 في المائة من الصادرات، وتباشر «قطر للبترول» حاليا توسعة إنتاج الغاز من حقل الشمال، وهو أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم لزيادة إنتاج الغاز من 77 مليون طن سنويا إلى 110 ملايين طن سنويا بحلول العام 2024 إلى جانب تطوير مشروع برزان للغاز الذي تبلغ تكلفته 10.3 مليار دولار، والذي يتمتع بأهمية هائلة، وعلاوة على ذلك، فإن قطر توفر حزمة من الفرص الاستثمارية التي توفر إمكانيات هائلة للنمو في عدد من القطاعات أهمها: الرعاية الصحية والتعليم، حيث تعمل قطر على التوسع في إنشاء المستشفيات والمنشآت الطبية، فضلا عن افتتاح فروع للجامعات الدولية في قطر.
تطوير التشريعات
وخلال الأشهر القليلة الماضية، عمدت قطر على إجراء تطوير للتشريعات الاقتصادية لتصبح أكثر جاذبية ومرونة ولتحفيز استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية ولتلبية تطلعات المستثمرين، وذلك بعد تخفيف متطلبات التأشيرة وفتحها أمام نحو 88 جنسية، بالاضافة إلى سن قانون تنظيم استثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي، والذي يتيح لغير القطريين الاستثمار في جميع القطاعات، بما فيها البنوك وشركات التأمين، كما يسمح بالتملك للمستثمر الأجنبي بنسبة 100في المائة في غالبية قطاعات الاقتصاد، بعدما كانت هذه النسبة لا تزيد عن 49 في المائة.
وأقرت قطر قانون بشأن تنظيم تملك غير القطريين للعقارات والانتفاع بها، وبموجب أحكام القانون يجوز لغير القطريين تملك العقارات والانتفاع بها، في المناطق ووفقا للشروط والضوابط والمزايا التي يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء، بناء على اقتراح لجنة تنظيم تملك غير القطريين للعقارات والانتفاع بها، مما، يرفع من معدلات السيولة والاستثمارات الأجنبية إلى السوق المحلي، وفضلا عن ذلك صدر مشروع قانون بتنظيم التطوير العقاري، ويأتي إعداد مشروع القانون ليحل محل القانون رقم (6) لسنة 2014 الخاص بتنظيم التطوير العقاري، ليواكب التطورات الحديثة ويحقق تنشيط السوق العقاري، بالإضافة إلى تعديل بعض أحكام القانون رقم 34 لسنة 2005 بشأن المناطق الحرة الاستثمارية، والذي أصدره حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى (حفظه الله)، مما سيشكل رافدا أساسيا في تعزيز القدرة الاقتصادية للدولة، وجذب وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وإيجاد بيئة استثمارية متطورة ومحفزة للأنشطة الاقتصادية.
وأطلقت الدولة مرسوماً بقانون رقم (23) لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (21) لسنة 2015 بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم، وبموجب التعديل يجوز للجهة المختصة بوزارة الداخلية إصدار سمات دخول ومنح تراخيص إقامة بدون مستقدم للمستثمرين الخاضعين لأحكام القانون المنظم لاستثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، ومالكي العقارات والمنتفعين بها وفقا لأحكام القانون المنظم لتملك غير القطريين للعقارات والانتفاع بها لمدة خمس سنوات تجدد تلقائيا طوال مدة تملكهم للعقارات أو انتفاعهم بها، علاوة على وضع اللمسات الأخيرة لقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص تمهيداً لإقراره وبدء العمل به، وفي الشراكة بين القطاعين العام والخاص يستحوذ مستثمرون من القطاع الخاص على حصص في مشروعات مشتركة مع الحكومة ليتحملوا جزءا من المخاطر ويقاسموها الأرباح.
أداء البنوك
وتشير «غلوبال فاينانس» إلى أن انتعاش القطاع المالي القطري يعكس بوضوح القوة الاقتصادية، حيث رصدت شركة كي بي إم جي المتخصصة في البحوث والحلول المصرفية تحقيق القطاع المصرفي القطري متوسط نمو في صافي الأرباح نسبته 9.5 في المائة ونموا في إجمالي الأصول بنسبة 2.3 في المائة، ما يبيّن قوّة القطاع والفرص الكامنة فيه خلال عام 2018، ومن جانبه، يؤكد اتحاد المصارف العربية أن البنوك القطرية تتمتع بمستويات جودة أصول مرتفعة، فضلاً عن رسملة قوية للغاية، فيما سجلت القروض المتعثرة معدلات متدنية للغاية، حتى أنها تسجل مستوى دون 2 في المائة وتحظى البنوك القطرية بمعدلات كفاية رأسمال تفوق الحدود التنظيمية لبازل 3 مسجلة مستوى 17 في المائة بنهاية عام 2018، فضلا عن بقاء مستويات السيولة في وضع مريح، حيث بلغت نسبة السيولة إلى إجمالي الأصول نحو 29.1 في المائة، وفقا لبيانات اتحاد المصارف العربية.
وفي سياق متصل، قامت البنوك القطرية بالعمل على تنويع مصادر ودائع غير المقيمين في الوقت الذي يباشر فيه كلاً من بنك بروة وبنك قطر الدولي (ibq) استكمال إجراءات الاندماج المصرفي الثنائي، حيث أعلن البنكان في وقت سابق عن توقيع اتفاقية اندماج نهائية تهدف إلى دمج وتوحيد أعمالهما لتثمر عن تكوين كيان بنكي رائد متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، لديه من السيولة والملاءة المالية، ما يمكّنه من المساهمة بقوة في الاقتصاد الوطني، من خلال تمويل المشروعات التنموية التي تساعد على تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030 وبموجب هذه الاتفاقية، سيعمل البنكان على استكمال الخطوات اللازمة لإتمام عملية الاندماج والحصول على الموافقات المطلوبة من الجهات الرقابية وكذلك الحصول على موافقة المساهمين قبل نهاية 2018، على أن يتم اندماج الكيانين والعمل ككيان واحد بعد انعقاد الجمعيات العامة للبنكين واعتماد النتائج المالية الختامية للسنة المالية 2018 وسينتج عن عملية الاندماج كيان مشترك مجموع أصوله 80 مليار ريال قطري، وبقاعدة حقوق المساهمين تزيد عن 12 مليار ريال قطري، مما يدعم التنمية الاقتصادية في دولة قطر من خلال إنشاء شريك استراتيجي للحكومة والقطاع العام مع المساهمة في نمو القطاع الخاص والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتم تعيين كريديت سويس كمستشار مالي لبنك بروة وكيو انفيست كمستشار لمجلس الإدارة، وبيريلا واينبرج كمستشار مالي لبنك قطر الدولي، وذلك لتقدم المشورة بشان عملية الاندماج.
ونقلت «غلوبال فاينانس» عن الرئيس التنفيذي بالوكالة لمجموعة «QNB» عبدالله مبارك آل خليفة قوله: «سوف ندرس إمكانية إتمام صفقات استحواذ على أساس استثماري بحت إذا توافرت أهداف مناسبة»، ويهدف QNB إلى أن يصبح قائدا، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضا في إفريقيا وجنوب شرق آسيا. وتستثمر قطر مئات المليارات من الدولارات في المنشآت الرياضية، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية، استعدادا لاستضافة الحدث الرياضي الأبرز في العالم، وهو مونديال كأس العالم في قطر 2022، وفي هذا الإطار يقول الرئيس التنفيذي بالوكالة لمجموعة «QNB» عبدالله مبارك آل خليفة: «تجرى الاستعدادات جيدًا لهذا الحدث التاريخي الذي طال انتظاره».
copy short url   نسخ
19/10/2019
1509