+ A
A -
مئات الآلاف من اللبنانيين يتظاهرون منذ أيام مطالبين بظروف معيشية أفضل لهم وللأجيال القادمة. «الشيء الجيد الوحيد الذي عمله الساسة هو توحيدنا» تصرخ امرأة بين المتظاهرين، في الشوارع يتظاهر اللبنانيون بجميع طوائفهم وبمختلف أعمارهم، وكانت الحواجز تحترق في بيروت في أول أيام التظاهر، فيما صارت الأجواء أشبه بالعيد في الأيام التي تلت ذلك. وشملت الاحتجاجات جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق التي تقع ضمن نفوذ «حزب الله» الشيعي أو مناطق نفوذ رئيس الوزراء السني سعد الحريري.
يتفق المحتجون في مطالبهم: يريدون إنهاء الفساد وإجراء انتخابات جديدة، وتجاوز المحاصصة الطائفية السياسية.
إسقاط النخبة وإنهاء
المحاصصة.. لكن كيف؟
يعد وسط بيروت استعارة مثالية لأسباب الاحتجاجات، فقد كانت المنطقة ذات يوم مكانا يظهر تنوع المدينة، بينما هي الآن حصن خاص لنخبة ما بعد الحرب الأهلية، وتضم البرلمان في قلبها، والمحاطة جزئيا بالأسلاك الشائكة.
تصطف المتاجر والمطاعم الفاخرة في وسط المدينة، وأصبحت الإيجارات للمكاتب والشقق مرتفعة جدا ولا تقدر بثمن، على الأقل للغالبية العظمى من اللبنانيين. في الأيام الماضية تمكن المتظاهرون من استعادة السيطرة على مركز بيروت، وقالت امرأة في منتصف الأربعين من عمرها وتتكلم بغضب: «لقد جئت هنا لأخبر المشاركين في الحكومة بأنه عليهم أخيرا المغادرة. لبنان لنا. نريد لبنانا جديدا، ويجب علينا جميعا هنا المطالبة بذلك».
أيضا ولتجنب التقاسم التقليدي داخل المجتمع الذي يمكن أن يقوض الحركة الاحتجاجية، تركز كل مجموعة بذاتها على إسقاط الأنظمة السياسية القائمة في مناطقها، فالسنة مثلا في شمال لبنان يمزقون صور رئيس الوزراء سعد الحريري، والمسيحيون يحرقون ملصقات الرئيس الماروني ميشال عون، والشيعة يشتمون جماعة «حزب الله» ويغنون أغانٍ ضد حركة أمل الشيعية التي ينتمي إليها رئيس البرلمان نبيه بري، «كلن يعني كلن» ينادي المتظاهرون منذ أيام، إنهم يريدون إسقاط النخبة السياسية الحاكمة بأكملها.
لكن السؤال الملح الذي يطرحه كثيرون هو كيف يمكن تحقيق التغيير؟ وفيما يرى البعض إنشاء لجان لتمثيل المتظاهرين من أجل إعطاء وزن للمطالب في المفاوضات المحتملة، يقف آخرون على الضد من ذلك. الصحفية اللبنانية ديانا مقلد تعتقد أنه الآن من المهم أن لا يملك المتظاهرون ممثلين لهم. وتضيف لـ «دويتشه فيله»: «يجب أن يستمر هذا لفترة من الوقت، وتقول: «علينا أن نواصل الضغط من أجل استمرار التظاهرات». الاحتجاجات المستمرة لم يسبق لها مثيل في طبيعتها ومداها في لبنان، على الرغم من أنها تلقائية وغير مركزية وغير منظمة. وتقول مقلد إنه يجب عدم حث المتظاهرين على تنظيم أنفسهم، لأن ذلك قد يؤدي إلى الانقسام والخلافات، خاصة أنه لا يوجد حاليا أي سبب للمتظاهرين لتعيين قادة لهم.
يشعر الناس بخيمة أمل أكبر بعد سماعها خطابات سعد الحريري وحسن نصر الله وميشال عون، وكل مجموعة تزعم بأنها أُعيقت عن الإصلاح بسبب الآخرين.
يحصل المتظاهرون على الدعم من قبل أساتذة الجامعات والقضاة والاقتصاديين، الذين يستخدمون مواقعهم الوظيفية ويقفون إلى جانب المحتجين، ويفرض الطلبة على جامعاتهم تأجيل الامتحانات لكي يشاركوا في التظاهرات، التغيير من خلال الضغط يبدو ممكنا.
وتشير الصحفية اللبنانية ديانا مقلد إلى أن مطالب الناس في الشوارع واضحة، مضيفة أن الحكومة الحالية يجب أن تمهد الطريق لإجراء انتخابات جديدة.
أين يقف الجيش اللبناني؟
كانت هناك مخاوف من حدوث حالة من الجمود السياسي على المدى الطويل، ويخشى جوزيف باهوت من مؤسسة كارنيغي للشرق الأوسط أن الإصلاحات التي طرحها رئيس الوزراء سعد الحريري لم تكن كافية، وأن المتظاهرين لن يتخلوا عن مطالبهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن مخاطر ازدياد العنف واردة، لقد وصل الأمر بالفعل إلى بعض المواجهات، خاصة في شمال البلاد، حيث اشتبك المتظاهرون وقوات الأمن. وفي بيروت وقبل بضعة أيام، واجه الجيش المتظاهرين عندما أراد أنصار «حزب الله» وحركة أمل إثارة المتاعب، ونفى الطرفان إرسالهما لعناصره.
من جانبه، أقسم رئيس الوزراء الحريري على حماية المتظاهرين، وكانت القيادة العسكرية قد حذرت من أنها لن تتسامح مع أي اعتداء ضد المتظاهرين، «ومع ذلك ينفذ الجيش الأوامر التي تصله»، كما يقول شفيق عبد الرحمن من منظمة «أوتوبيا» غير الحكومية التي مقرها طرابلس اللبنانية، والتي تهتم بالشؤون الاجتماعية في البلد.
ويذكر عبد الرحمن أنه «على سبيل المثال، يتأكد الجيش حاليا من أن الشوارع تبقى مفتوحة رغم إرادة المتظاهرين». ويضيف: «يقفون بيننا وبين الحكام. أنا لا أعرف كم من الوقت سوف يستمر هكذا».
هل سيبقى «حزب الله» متفرجا؟
يقال إن «حزب الله» يمتلك نفوذا كبيرا على القوات المسلحة اللبنانية، لذلك يتساءل كثيرون إلى متى سيتسامح الحزب مع موقف الجيش، وخاصة أنه ـ أي الحزب ـ قد أصبح أيضا هدفا للمحتجين، وهو الشيء الذي لم يكن ممكنا في لبنان ولفترة طويلة، بالإضافة إلى أن «حزب الله» لم يكن يرغب في استقالة الحريري. ويقول باهوت: «رئيس الجمهورية وحزب الله كانا يرغبان في بقاء الحريري في منصبه، لأنه يحظى بشعبية عند كل من المجتمع الدولي والمانحين»، لذلك يمكن أن يستخدم «حزب الله» تأثيره على الجيش مستقبلا لكسر إرادة المتظاهرين، وأشار حسن نصر الله بالفعل في خطابه إلى أنه مستعد لإرسال أتباعه إلى الشارع.
لكن لا يخاف المتظاهرون حاليا من هذا السيناريو، ويشعرون بالقوة في تجمعهم سوية، وتقول ديانا مقلد بهذا الصدد: «لقد عايشت الحرب الأهلية في لبنان، ولقد عايشت عمليات الاغتيال والاحتلال السوري والعديد من الاحتجاجات، لكن ما يحدث هنا حاليا فريد من نوعه وسوف لن نتخلى عن ذلك بسهولة».
copy short url   نسخ
09/11/2019
2035