+ A
A -
كتب - محمد مطر
شهد اليوم الأول من فعاليات ملتقى كتاب الدراما، عدة جلسات نقاشية، تطرقت إلى موضوعات مختلفة في ما يتعلق بالدراما العربية وكتابها، ودور الكتابة الدرامية بين توقعات الأجيال وتوقعات المجتمع وفئاته المختلفة، من خلال هوية الدراما الموجودة بين المرفوض والغائب، وبين الخصوصية للدراما المنتظرة، وتضمن هذا المحور عددا من المداخلات في جلستين، إذ ناقشت الأولى، ورقة بعنوان «الدراما العربية بين جماليات السرد وإشكاليات الخطاب» مقدمة من الكاتب التونسي الدكتور كمال بن وناس، ناقد سينمائي، وتحدث بن وناس عن الدراما العربية بين جماليات السرد وإشكاليات الخطاب، واستهل حديثه بتعريف الدراما وتاريخها ونشأتها عند الإغريق وأنها لا تعني المسرح بقدر ما تعني الحركة، وقال إنها لم تظهر كجنس مستقل إلا عندما تقهقرت أجناس أدبية أخرى مثل الملحمة.
وحدد وناس مقومات الدراما في عنصرين أساسيين، هما الأثر النفسي وخطاب الأثر النفسي. لافتا إلى أن الدراما لا تستقيم إلا بإدراج عناصر أخرى مثل المونتاج والموسيقى والملابس وغيرها.
وشدد على ضرورة التفكير في التصورات الأساسية لصياغة الدراما، وذلك عبر ثلاثة عناصر تتضمن التمييز بين المتحرك والثابت ودور الزمن في معالجة الأحدث ومراعاة المحلي والآخر، أو ما يعرف بنحن والآخر.
ووصف الملتقى بأنه فرصة مهمة لإيلاء الدراما أهميتها في بلورة خطاب ثقافي تنويري كون العمل الدرامي لا يقتصر على «الفرجة» وإنما هو إفراز لخطاب نقدي.. لافتا إلى أن الثقافة لا تبرز إلا عن طريق الحديث عن الأثر الفني كونها ليست انفعالات.
وجاءت مداخلة الدكتور محمد خير يوسف الرفاعي، متخصص فنون درامية، بعنوان الحاضر والغائب من التصورات الكبرى في الدراما العربية.
وقدم الرفاعي ورقته عبر عدد من المحطات، منها البدايات (بداية المسرح) في الوطن العربي، وهل كان وليد الحاجة أم وليدا ثقافيا، مثل الشعر الذي كان وليد بيئته.
وفي الآن ذاته، ساق عددا من التساؤلات من قبيل: هل المسرح حاجة أم لا؟ ليخلص إلى اتساع النشاط المسرحي، والاهتمام بنص العرض وليس بالنص الأدبي، مناشدًا الوقوف على بعض الأمور، والإجابة على بعض التساؤلات، من أجل بناء فعل مسرحي قوي وقائم بذاته، مثل: ماذا نريد من المسرح العربي؟ وما هي طبيعة الحضور والغياب، لافتا بهذا الخصوص إلى أن هذا الحضور لا يستمر حالة مسرحية، منوها بأن الكل يعاني نفس المعاناة.
وأشار إلى أن المعرفة أصبحت محصورة بين المسرحيين أنفسهم ولا تتعداهم، ولم نصل إلى مرحلة الانفتاح على الآخر.
أما عن المعوقات، فأوضح أنها تتجلى في عدد من النقاط، كالغرب لفكرة العرض وانحراف الرسالة، مما يؤدي إلى العزوف، وعدم التقاطع والتلاقي بين المتلقي والعرض المسرحي، ثم افتقاد المرجعية المشتركة.
من جهة أخرى، شدد محمد الرفاعي على أننا نحتاج إلى أن يكون المسرح جزءا من المنهاج في المدرسة، مصحوبا بإرادة سياسية مثلما هو الأمر مع القطاع الرياضي، وتفعيل دور النقد والإعلام، مع الحاجة الملحة لخروجه من المجاملات وتطييب الخواطر، وبناء الشكل وعدم الانسياق والانزياح إلى الجانب التقني الذي يضيّع الفكرة والمضمون، ثم التفكير في المنوي حضوره، وذلك بتحقيق مبدأ الحرية ووجود فعل التغيير مع الجرأة وعدم إعطاء رؤى وأحكام مسبقة.
الجلسة الثانية
وفي الجلسة الثانية المتمحورة حول «سؤال كيف تؤسس التصورات الكبرى للدراما العربية؟» - والتي أدارها عبد الحق بلعابد الأستاذ بجامعة قطر- قدم الكاتب والناقد السينمائي المغربي محمد اشويكة ورقة بعنوان «من دراما الواقع إلى دراما الشاشة»، تحدث فيها عن مفهوم الدراما باعتباره مفهوما ملتبسا، يأتي التباسه من الطفرة التي حققتها الدراما في الشاشة الصغيرة، مشيرا إلى أن الدراما توجد في الواقع ومرتبطة بعلاقة الإنسان بواقعه وعالمه.
وابرز الباحث في الجماليات البصرية طبيعة الاختلاف بين الدراما في المسرح والدراما في السينما والتليفزيون، مؤكدا أن الفعل الدرامي في كل هذه الأنواع مرتبط بالممثل.
وأوضح اشويكة أن الواقع يؤثر في مفهوم الدراما ويشكل معيار تقييمها من طرف المتلقي، لكن لا يعني انها تبقى خاضعة له، وإنما تنزاح عنه، ممثلا بذلك بالرقابة المسلطة على الأعمال الدرامية على مستوى الوطن العربي، مشيرا إلى أن الرقابة الاجتماعية هي أقصى درجات الرقابة، لأن الشارع هو الذي يؤثر في المسؤولين.
وأضاف الناقد المغربي أن الدراما في الفترة الأخيرة، أصبحت تهرب إلى الفانتازيا واللا واقع وجاءت بدراما جديدة احتلت شاشات البيوت، بحيث استطاعت عزلنا عن الواقع الذي نعيشه وتضعه أمامنا على الشاشة.
وتطرق محمد اشويكة إلى أنواع الدراما الرائجة في العالم العربي، ومنها دراما الحب ودراما الكوميديا ودراما الميلودراما، مفصلا في طبيعة هذا الرواج وفي كل نوع من انواع الدراما.
وفي ختام مداخلته، ناقش اشويكة إشكالية الدراما العربية بين الانحسار والانتشار، ووقف على قضية تواري المسلسلات العربية أمام اكتساح الأعمال الأجنبية، لأن الشباب العربي، لم يجد في الأعمال الموجهة إليه ما يحقق ويشبع رغباته الفنية والاجتماعية.
وبدوره قدم الفنان اللبناني الدكتور جان فرنسيس ورقة بعنوان وجع المجتمع تحمله الدراما، استعرض خلالها تاريخ الدراما منذ نشأتها في اليونان، ورموز الكتابة الدرامية هناك والذين حملوا هموم المجتمع، مؤكدا أن الدراما منذ ولادتها حملت المعاناة الإنسانية، مؤكدا أن الدراما منذ نشأتها كانت قادرة على إحداث تغيير في المجتمع، لافتا إلى بعض الأعمال الدرامية التي أحدثت تغيرا في المجتمعات الغربية مثل مسرحية بيت الدمى لهنري ابسن التي دافعت عن المرأة وشكلت انقلابا جذريا هز أركان النرويج وأوروبا بالكامل، ومسرحية عدو الشعب للكاتب نفسه، التي فضحت أعداء الشعوب الذين لا يقيمون وزنا لمصالح المجتمع.
وعن الدراما العربية قسم المحاضر الوضع إلى فترة ما قبل الربيع العربي وما بعد هذه الفترة، مشيرا إلى ان الفترة الأولى عاني فيها الكاتب والمبدع من قبضة السلطة وإن كان استطاع النزوع إلى قضاياه الحياتية عبر الدراما التاريخية أحيانا، مشيرا إلى أن الدراما بعد الربيع العربي لم تتغير كثيرا ومازالت تعاني من نفس المشكلات، لافتا إلى ان الدراما عليها السعي إلى الاجابة عن الاسئلة الوجودية الكبرى وكشف الغموض الذي يشب في مخيلتنا، لأن الفن لصيق بالإنسان ومعاناته.
وأضاف أن الدراما العربية لم تجرؤ حتى الآن على الغوص في عمق القضايا العربية، ولم نر عملا دراميا مثلا يحاكي ما يحدث في الشارع السوري بعد الربيع العربي، داعيا إلى ضرورة أن يتبنى الفن القضايا الإنسانية الكبرى، وأن يتطرق إلى الهم المعيشي للإنسان وكيفية العيش في سلام ورصد معاناة الناس عبر أعمال ذكية وحذرة لتكون في خدمة الإنسان لا خدمة السياسة أو السلطة.
وفي ختام الجلسة الثانية تطرق د. فلاح زكي – مخرج درامي وروائي – إلى مراحل تطور الكتابة الدرامية، وأهم التحديات التي واجهتها، مشيراً إلى أن السرد القصصي والدرامي كان متداولاً في مجالس الشعر وفي القبائل بشكل فطري.
وتابع: مع ظهور القصص والروايات العربية كانت هناك حاجة إلى الدراما، وبدأت فعلياً بمسلسلات قصيرة، سرعان ما تطور معها النص الدرامي، ومع تطور التقنيات والصورة المرئية درامياً وكذلك التقنيات الحديثة في المونتاج، تطورت معها بشكل واضح أساليب السرد الدرامي وأفكار الكتاب.
وأضاف: راح الكاتب يعتمد على الصورة والمؤثرات الصوتية وهو ما شكل نقلة نوعية في الأعمال الدرامية، فقد استفاد الكاتب كثيراً من هذا التطور من وجهة نظري، فمهمة الكاتب هذه الفترة أصبحت صعبة، إذ يعمل مع المخرج على تناغم الصورة والفكرة، وهذا ما يدفعني للتساؤل حول ما إذا كان هذا التطور التقني قد دفع الكاتب للغوص في أعماق غير معتادة، أم أنه لا دخل لهذا التطور في الابتكار والتطور المتعلق بالكتاب.
وتعقيباً على حديث السيد محمد اشويكة قال الفنان القطري غانم السليطي إنه ضد رؤية اشويكة فيما يتعلق بأنه لا يوجد مصطلح دراما نظيفة وغير نظيفة، مؤكداً أن ما تعتبره الدول الأوربية نظيفاً ربما لا أعتبره أنا هنا نظيفاً، وذلك وفقا للمعايير الأخلاقية التي تحكمنا، مشيراً إلى أهمية مراعاة الذوق العام واحترام عقلية المشاهد.
وأضاف: أريد أن أتطرق أيضًا إلى ما ذكر حول الدراما العربية، فهناك دراما مدفوعة من قبل بعض الأنظمة، وتعمل على الإساءة لدولة قطر وبالتحديد مسلسل «غرابيب سود».
وفي ختام الجلسة الثانية كرم حمد الزكيبا مدير إدارة الثقافة والفنون ورئيس اللجنة المنظمة للملتقى، المشاركين في الجلسات النقاشية، وقال الزكيبا مع الختام: إننا نرى أن الدراما مهمة والأصل يرجع إلى الكتابة الدرامية، فهي الحلقة الأولى في هذا البناء الفني، ولذا فنحن نؤمن بقدرة الدراما على التغيير، ونحن نسعى للمساهمة في تحقيق أحلام شعوبنا في غد أفضل ومجتمعات أكثر تطورا ورقيا ووعيا، ومن هنا تتجلى أهمية الكتابة الدرامية في كونها أحد العوامل الرئيسية في تغيير الوجدان وتعميق الوعي ورفع مستوى الثقافة وتكريس الهوية، وشكر الزكيبا في ختام كلمته المشاركين في هذا الملتقى وجميع الحضور.
copy short url   نسخ
12/11/2019
1636