+ A
A -
سليمان قبيلات كاتب أردني
بين المنادي في شوارع قرطبة لإبلاغ العامة بأمر يهم الدولة الأموية وتطبيق «واتس آب» أو أي من منصات التواصل الاجتماعي، مسافة زمنية مذهلة في مضامينها التي قلبت المجتمعات رأسا على عقب.
ففي عالم ما قبل القرن العشرين، كان الاتصال الإنساني بطيئا وسلحفائيا، فيما هو اليوم عاصف لا يتسنى اللحاق به. كان الحاكم والدولة يلجآن إلى صيغة المناداة في الأسواق بالأمر أو الإبلاغ الرسمي، والصدى بالضرورة كان بطيئا، أما اليوم فإن أمرا هاما قد يصبح ملكا للتداول الشعبي خلال ثوان معدودة، إذ يكفي أن يضغط أحد العارفين بالأمر على عدد من الحروف ليفشي السر ويصبح في متناول الناس جميعا.
وقد حدث أن برلمانيا مخضرما أطلق دعوة مؤثرة وجهها لمجموعة مغلقة تضم 40 من زملائه عبر تطبيق «واتس آب» لرفض مشروع قانون خلافي كان المجلس يناقشه، فتتسرب الدعوة إلى أحد الوزراء، الذي أبلغ رئيسه بمضمونها فورا.
فتطبيق «واتس آب» الذي يعد قناة حوار برلمانية موازية لتلك الرسمية، يمثل تحديا للحكومة التي ترمي بثقلها لتمرير حزمة قوانين ليست شعبية في مقدمتها ضريبة الدخل الذي أدى طرحه العام الماضي إلى احتجاجات شعبية واسعة أسقطت الحكومة في حينه.
يستأذن رئيس الوزراء بالخروج من الجلسة ليصيغ دعوة علها تبطل مفعول دعوة النائب، فيوجها إلى الوزراء الحاضرين وعدد من النواب المقربين منه، في مشهد يشبهه نائب صحفي بجلسة إلكترونية تشهد صراعا حادا حول القانون الخلافي.
وتغذي مجموعة نيابية مغلقة قليلة العدد عبر تطبيق «واتس آب» عددا من المواقع الإلكترونية بأخبار وكواليس جلسات مجلس النواب، خصوصا ما يتصل بالمداولات حول محاربة الفساد، الذي يقول صحفي برلماني مطلع إن أخباره لا ينشر منها سوى نزر يسير بينما يبقى الأهم طي الكتمان.
يسر نائب كان مطلا على تفاصيل «معركة الواتس آب» لصحفي برلماني بخفايا ما جرى خلال المناقشة المحتدمة لمشروع القانون الخلافي الذي تعده مؤسسات المجتمع المدني عرفيا يكبل حق القول والتعبير وبصفته أحد أهم القوانين الناظمة للحريات في البلاد.
يوجه الصحفي سؤالا عبر «واتس آب» لجميع النواب مفاده إن كانت الحكومة ستحبط أي معارضة لمشروع القانون عبر الفضاء الإلكتروني، لحشد أكبر عدد ممكن من النواب لتأييد موقفها، مشبها ما يجري في الكواليس الإلكترونية بـ «جلسة مغلقة»، ورجح أن الجدل الإلكتروني حسم الموقف من مشروع القانون لمصلحة الحكومة التي مررت مشروع القانون.
وفي الواقع تنشط مجموعة معلقة من الموظفين في القطاعين العام والخاص على «واتس آب» فأصبحت مصدرا للمعلومات الدقيقة المصحوبة بصور للملفات، وهي تزود عددا من النواب بها، ما يثري نقاشات المجلس ويعمق من مهمة الرقابة البرلمانية في الملف الاقتصادي ومحاربة الفساد. الصحفي الهمام استطاع بشق الأنفس أن ينضم إلى إحدى هذه المجموعات المطلعة على الحقائق.
ومن وحي التجربة العيانية، فإن انضمام الصحفي الفاعل إلى هذه المجموعات ينمي لديه روح التقصي، بعد تمحيص صدقية المعلومات، ويفيد الرأي العام بحقائق ما كان لها أن تكشف لو لا الذكاء الذي تحفزه منصات التواصل الاجتماعي.
الصحفي إياه حذر جدا حيال مصداقية المعلومات السرية التي يتلقاها عبر «واتس آب»، فهو لا يعمد إلى نشر أي رقم أو معلومة في قصة صحفية، إلا إذا كانت مدعمة بصورة عن الملف التي ترد فيه نصا. كما يحرص الصحفي على الاتصال بأحد مسؤولي المؤسسة المعنية بالقضية لسؤاله عن حقيقة المعلومة، وإن كان الإنكار هو الجواب المتوقع. صحفي «الواتس آب» يصف المنصة بقناة اتصال فائقة الأهمية في الحصول على المعلومة، رافضا ما يذهب إليه بعض الصحفيين من أن التطبيق يزيد من الكسل بعدم التواصل المباشر مع المصادر.
copy short url   نسخ
15/11/2019
594