+ A
A -
يعتبر نظام الدفاع الجوي S-400 واحداً من أكثر أنظمة الصواريخ إثارة للجدل في العالم حالياً. فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على الدول التي تشتري هذا النظام، ولكن هناك الكثير من القوى العالمية مهتمة فعلياً بنظام الدفاع الجوي، مثل الهند التي وقعت على صفقة شرائه في سبتمبر 2018، ومن قبلها الصين في أبريل 2018. ولكن ما الذي يجعل نظام الدفاع الجوي S-400 بهذه الشعبية؟ وكيف تطوّر عن نظام الدفاع الجوي S-300 السابق له؟
تقول مجلة The National Interest الأميركية، إن تطوير نظام الدفاع الجوي S-300 بدأ في ستينيات القرن الماضي، تكملةً للعديد من أنظمة صواريخ أرض جو السابقة. وكان الهدف الأساسي أن يحل محل نظام الصواريخ S-75 (SA-2)، الذي اشتهر باستخدامه ضد طائرات التجسس U-2 الأميركية في كوبا وفيتنام. وخضع النظام للاختبار في السبعينيات، ودخل الخدمة عام 1978.
كان التطور الرئيسي في نظام الصواريخ S-300 مقارنة بالأنظمة السابقة هو القدرة على التوجيه المتعدد، أي استخدام العديد من أشعة التوجيه من أجل توجيه الصواريخ إلى أهداف مختلفة في نفس الوقت. كان نظام الصواريخ الروسي الأسبق S-25 يعتمد أيضاً على التوجيه المتعدد، ولكنه كان ثقيلاً جداً ولا يمكن نشره إلا في قواعد ثابتة. بينما كان نظام الدفاع الجوي الأميركي SAM-D (الذي أصبح لاحقاً MIM-104 Patriot) أول صاروخ أرض جو أميركي بتقنية التوجيه المتعدد؛ ودخل الخدمة بعد نظام S-300 الروسي بثلاث سنوات، أي عام 1981.
كان العميل الرئيسي لنظام الصواريخ الجديد هو قوات الدفاع الجوي السوفياتي. واعتمدوا على الإصدار الأول من نظام S-300، الذي عُرف بـ S-300PT. وكان الحرف «P» في طراز الصواريخ يعني أنها مخصصة لقوات الدفاع الجوي السوفياتي. واعتمد نظام S-300PT على آليات نقل وتركيب وإطلاق وآليات رادار قابلة للجر ترتكز على مركبات ثقيلة ليسهل إعادة تمركزها. واحتوى النظام أيضاً على نظام لمكافحة الحرائق. كان ذلك جيداً نسبياً مقارنة بأنظمة الدفاع الجوي السوفياتي الثابتة، ولكنه لم يكن مثالياً.
عندما نظر الجيش السوفياتي إلى استخدام صواريخ أرض جو في فيتنام والشرق الأوسط، توصل إلى أن إعادة تمركزها بشكل سريع هو السبيل لتعظيم كفاءة الصواريخ أرض جو. كان النظام S-300PT يحتاج إلى ما يزيد بقليل على الساعة من أجل الإعداد ولكي يصبح جاهزاً للعمل بفضل طبيعة آلية الإطلاق والرادار القابلة للجر. كان هذا التطور ملحاً في ذلك الوقت. واستخدم نظام S-300PT الأصلي صواريخ 5V55 بنطاق حوالي 75 كيلومتراً.
ونتيجة لذلك، وصلت أنظمة الدفاع الجوي S-300 إلى الشكل الذي تُعرف به الآن؛ مثبتة على مركبة ثقيلة من طراز MAZ-7910 (إلى جانب تثبيت إصدارات مختلفة على مركبات أحدث ومنصات إطلاق مفصلية). وتُثبّت آليات النقل والتركيب والإطلاق، وآلية الرادار ونظام مكافحة الحرائق على تلك المركبات.
ودخل النظام بالكامل، الذي يُعرف الآن بنظام الدفاع الجوي S-300PS، إلى الخدمة عام 1982. الإصدار المعدل قليلاً لأغراض التصدير يُعرف بـ S-300PMU. ويستخدم نظام PS صواريخ 5V55R الأطول التي يصل نطاقها إلى حوالي 90 كيلومتراً.
مواجهة الصواريخ الباليستية
أبرز ميزاته بدقة وسرعة فائقة
على الرغم من أن النظام S-300P بكلا إصداريه لا يزال تحت التطوير، يجري أيضاً تطوير النظام S-300F للبحرية والنظام S-300V للجيش. ويُطوّر النظام S-300V بشكل خاص من أجل مواجهة الصواريخ الباليستية التكتيكية، مثل صواريخ Lance وPershing، بالإضافة إلى التعامل مع التهديدات الجوية.
الخاصية الرئيسية التي يتميز بها نظام الدفاع الجوي S-300V هي وجود إصدارين مختلفين لآليات النقل والتركيب والإطلاق، آلية بأربعة صواريخ من طراز 9M83 أقصر نطاقاً (75 كيلومتراً) وآلية بصاروخين 9M82 أطول نطاقاً (100 كيلومتراً). وتُثبّت آليات النقل والتركيب والإطلاق، والرادار، ووحدة القيادة للنظام S-300V على مركبة مجنزرة (مثل سلاح المدفعية 2S7) لإمكانية التنقل بشكل أفضل على الطرق غير الممهدة مقارنة بالنظام S-300PS. ودخل النظام S-300V إلى الخدمة عام 1985.
وحدث المزيد من التطوير للإصدارين V وP من نظام الدفاع الجوي S-300. ظهرت سلسلة صواريخ S-300PM في محاولة لدمج خاصية الإصدار V في اعتراض الصواريخ الباليستية في صواريخ الإصدار P. ويُطلق على إصدارات نظام S-300PM المخصصة للتصدير S-300PMU، ومن الممكن أن نتتبع المزيد من التطورات الحديثة لنظام الدفاع الجوي S-300 في كل القدرات المذكورة لهذه الصواريخ، وصولاً إلى نظام الدفاع الجوي S-400.
نظام S-400.. التغلب
على كل الأهداف الجوية
كانت الإصدارات الأولى من النظام S-400 يُطلق عليها S-300PMU-3، مما يشير إلى أنها التحديث الثالث من إصدار نظام الدفاع الجوي S-300 المحمول برّاً. وعندما ظهر النظام للمرة الأولى في معرض ماكس الدولي للطيران عام 2007، لوحظ أن معظم المركبات مماثلة لمركبات النظام S-300PMU-2 إلى حد كبير جداً.
ولكن التقدم في تقنيات الصاروخ والرادار يجعلان نظام S-400 أكثر قدرة من أنظمة الصواريخ السابقة. آليات الرادار الجديدة المستخدمة في نظام الدفاع الجوي S-400 تجعله أكثر قدرة على التغلب على كل الأهداف الجوية تقريباً.
المحور الرئيسي الآخر لنظام الدفاع الجوي S-400 هو قدرته على استخدام أربعة أنواع مختلفة من الصواريخ بأربعة أوزان وقدرات مختلفة، ما يسمح للنظام بأن يُشكّل الجزء الأكبر من خطوط الدفاع الجوي. وهذا يجعل النظام S-400 أكثر مرونة، إذ يمكنه أيضاً استخدام الصواريخ المصممة للإصدارات الأسبق من نظام الدفاع الجوي S-300.
ومن المتوقع أن يمتد نطاق صواريخ نظام S-400 إلى مسافة أبعد، ليصل إلى الأهداف الجوية على بعد 240 كيلومتراً، وهي ترقية كبيرة من نظام S-300PMU-1 القادر على الوصول إلى 150 كيلومتراً، ونظام S-300PMU-2 الذي يصل إلى 200 كيلومتراً. ومن الممكن أن يصل نطاق الصواريخ الأحدث، مثل 40N6، إلى 400 كيلومتر لنظام الدفاع الجوي S-400.
التهديد الأكثر «فتكاً»
في جوهره، لا يزال نظاماً منقولاً برّاً مصمماً لقوات الدفاع الجوي. ولكن بالرغم من القفزة الهائلة في القدرات التي يمثلها نظام S-400 (خاصة عند المقارنة بالجيل الأول لأنظمة S-300PT/PS) والمرونة الملحوظة عن الإصدارات الأسبق لنظام S-300، لا تزال روسيا تعمل على تطوير النظام S-300 إلى نظام أكثر مرونة وقدرة، بالعمل على الإصدارات الفرعية المختلفة للنظام S-300PMU.
استمر الجيش الروسي في تطوير النظام S-300V إلى أنظمة S-300V4 وS-300VM (وAntey 2500 لأغراض التصدير)، والتي تتضمن تقنيات أحدث للصواريخ والرادار للوصول إلى نطاق أكبر (200 كيلومتر) من الإصدارات الأسبق من النظام S-300PMU. كما تضيف آلية جديدة للنقل والتركيب والإطلاق تتضمن رادار توجيه مدمجاً للصواريخ الصغيرة على المركبة، ومن الأرجح أن يؤدي ذلك إلى تقليص عدد المركبات المستخدمة ميدانياً.
تبدو قدرات نظام الدفاع الجوي S-400 بمثابة تطورٍ هائل، إلا أنها تحققت بفضل التطور البطيء لأنظمة S-300 السابقة. كانت العديد من الخصائص المتقدمة، مثل اعتراض الصواريخ الباليستية، وقابلية التبديل، والتوجيه المتعدد، موجودة في إصدارات نظام S-300 منذ وقت طويل، واستمر تطوير النظام S-400 اعتماداً على نقاط القوة الموجودة في نظام S-300 ليصبح بذلك تهديداً أكثر فتكاً.
copy short url   نسخ
16/11/2019
1418