+ A
A -
أجرى الحوار- محمد الجعبري
أكد الدكتور محمد غالي أستاذ الأخلاقيات الطبية بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، أن جميع أبحاث المدينة التعليمية يحيط بها سياج قوي من من الأخلاق الطبية والتي تستمد جذورها من الشريعة الإسلامية، وذلك بهدف توظيف تلك الأبحاث لخدمة الإنسانية دون انحراف تلك الأبحاث عن هذا المسار الذي وضعه الله في شريعته الإسلامية، والتي تحافظ على الأخلاق والبشرية ودون قوع أي ضرر على أي شخص. . وقال إنه خلال العام الدراسي الحالي تم إطلاق برنامج الأخلاق الإسلامية التطبيقية بجامعة حمد بن خليفة، وبدأ الطلاب في الدراسة بالبرنامج، وهو برنامج مستمد جذوره من تراثنا العربي والإسلامي، حيث يدرس الطلاب الأخلاقيات الطبية.. وإلى نص الحوار:
} هل يوجد تعاون بينكم وبين الكليات العلمية بالمدينة التعليمية مثل طب وايل كورنيل أوكالجاري؟
- بالفعل تم عمل كورس مركز لتلك الجامعات، حيث يقدم هذا الكورس فكرة عامة للطلاب عن منظور الإسلام لعلوم الطب «المحظور والمباح»، كما تم العمل على كورس تدريبي لمستشفى السدرة شمل العديد من التشريعات الإسلامية وكيفية المحافظة على أخلاق المهنة ضمن ضوابط الأخلاق والشريعة الإسلامية.
كما نقوم بالإشراف على العديد من البحوث العلمية، وذلك بالتعاون مع الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، حيث قمنا بعمل العديد من المشاريع العلمية الكبرى في هذا المجال، كما نشرف على رسائل ماجستير كثيرة تشمل هذا الجانب.
} كيف ترى مشورع قطر جينوم طبقاً للشريعة الإسلامية؟
- مشروع «قطر جينوم» من أكبر المشاريع العلمية في العالم أجمع، كما أنه الأول عربياً، وقد بدأنا في التعرف عليه منذ العام 2013، حيث قامت المؤسسة بعمل عروض تعريفية للمشروع، وقد أجبنا على الكثير من الأسئلة الخاصة بمدى مشروعيته، وقد بدأنا منذ فترة في العمل على العديد من الدراسات والأبحاث الخاصة بمشروع «قطر جينوم» وذلك بالتعاون مع العديد من الجهات المختصة بمؤسسة قطر.
كما أنه يوجد العديد من رسائل الماجستير التي قدمها العديد من الطلاب عن مشروع «قطر جينوم»، ونقوم بالإشراف علي تلك الرسائل والتي تختص بالجينوم والأخلاقيات الطبية.
} كيف كان رأي الإسلام في ثورة الجينوم منذ البداية؟
- يوجد العديد من الآراء في هذا الموضوع، حيث رأى البعض أنه لا بد من الانتظار حتى نرى نتائج تلك الأبحاث، خاصة وأن المشورع طموح للغاية ونتائجه غاية في الأهمية ويعتبر ثورة جديدة في علوم الطب، كما رأى الآخرون أنه لا بد من أن يكون للإسلام رأي في هذه الأبحاث الهامة والمصيرية، مؤكدين أنه لا بد أن يكون الدين الإسلامي وعلماء المسلمين مشاركين بشكل أو بآخر في هذه الثورة.
وقد صدرت توصية من مجمع الفقه الإسلامي الدولي في العام 2013، رأت أن دخول العالم الإسلامي لعالم الجينوم فرض كفاية، وذلك بمعنى أنه يجب على العلماء المسلمين أن يكونوا جزءا من هذا المجال.
} ما هي القضايا الأخلاقية التي ولّدتها هذه التقنيات ؟
- مشروع الجينوم هو طيف واسع من التقنيات المتعلقة بإجراء الأبحاث المتعلقة بالجينوم البشري على المادة الحيوية للإنسان (دي أن أي)، هذه التقنيات تساعد على قراءة الشريط الوراثي «DNA» لكل إنسان أو أجزاء معينة منه وعمل سلسلة لها للتعرّف على الجينات التي قد تكون وراء الإصابة بأمراض معينة، ومن القضايا الأخلاقية التي تولّدها هذه التقنيات تحديدُ ملكية المعلومات المستخرجة من دراسات جينات إنسان ما، وهل يملكها الشخص صاحب الجينات أو المؤسسة العلمية التي قامت بالدراسة أو الجهة التي قامت بتمويل الدراسة أو الدولة التي سمحت قوانينها بإجراء الدراسة؟ ومن له حق إعطاء الإذن أو الموافقة المستنيرة لإجراء بحث أو اختبار جينومي؟ وغيرها من الأسئلة.
كما ظهر لنا النتائج العرَضية التي تخرج من قراءة وتحليل الشريط الوراثي لعينات الأبحاث، وتعرّف عمومًا بأنها نتائج تظهر عرضا أثناء مشروع بحثي أو اختبار طبي، على الرغم من أنها ليست جزءًا من الغرض الأصلي للبحث أو الاختبار.
فهذه النتائج العرضية قد تكون أمراضا قد تصيب الشخص في المستقبل أو نتائج خاصة بالنسب أو أشياء أخرى كثيرة، لذلك لابد أن يكون هناك جدار محيط من الشريعة والأخلاق بتلك النتائج لعدم استغلالها استخدام سيئ قد يتسبب في أضرار لأصحاب العينات.
} وما هو رأي الدين في تلك النتائج العرضية ؟ وهل يمكن إبلاغ صاحب العينة بنتائجها؟
- بعض النتائج العرضية التي يظهرها البحث أو الاختبار الجينومي يمكن أن تساهم في إنقاذ حياة شخص ما، وذلك مثل اكتشاف خلل جيني معين يظهر أن صاحبه أكثر عرضة للإصابة بمرض معين رغم أنه لم يتم إجراء البحث أساسا لهذا الغرض، ولم يكن يدرك الشخص أنه يمكن أن يكون عرضة للإصابة بمثل هذه الأمراض. وفي هذه الحالة يمكن إجراء تدابير وقائية معينة قد تساعد على تجنب الشخص الإصابة بهذه الأمراض الخطيرة، فلا بد من إبلاغ الشخص المصاب بتلك النتائج والعمل على علاجه لأن في هذا إنقاذ لروح إنسان وهو ما يحض عليه ديننا الحنيف.
وفي الميزان الأخلاقي الإسلامي هناك أمور محسومة أو شبه محسومة. فمثلا لا بد من إعلام الأشخاص المتلقين المحتملين للنتائج العرضية بأن هذا النوع من النتائج قد يظهر، ومن دون هذا الإعلام لا يمكن أن نسمي الموافقة التي يتم الحصول عليها من هؤلاء الأشخاص موافقة مستنيرة أو واعية.
كذلك لا بد من الكشف عن النتائج العرَضية التي قد تؤدي إلى إجراءات ضرورية لإنقاذ حياة الإنسان أو تحسين وضعه الصحي بشكل كبير.
ومن ناحية أخرى، نرى ضرورة عدم الكشف عن النتائج العرضية المتعلقة بالنسب لأن هذا أمر خارج عن نطاق العلاقة بين الطبيب والمريض وبين الباحث والشخص المتبرع بعينته للمشاركة في البحث، وقد يعود بالسلب على العلاقة بين هذه المجموعات التي ينبغي أن تكون مبنية على ثقة كل طرف في الآخر. بالإضافة إلى أن قضايا النسب في منظور الإسلام لا تبنى فقط على الجانب البيولوجي وإنما على وجود علاقة زواج شرعية بين رجل وامرأة أو «الفراش» كما يسمى في مدونات الفقه الإسلامي.
} وما هي المنطقة الرمادية التي تحدثت عنها؟
- الجانب الأكبر من النتائج العرضية يبقى في المنطقة الرمادية التي تسمح بقدر كبير من الاجتهاد والترجيح الأخلاقي بناء على سياقات مختلفة تتعلق بالأفراد والمؤسسات والمجتمعات والدول، نظرا لأن هذه النتائج تكون مليئة بالاحتمالات، وفرصة القطع فيها بحكم أخلاقي معين تكون متعذرة في أغلب الأحوال.
لذلك فإن البحوث الجادة والرصينة في مجال الأخلاق الإسلامية أمر مطلوبٌ لتأصيل علم الجينوم في منطقة الخليج العربي، كما أنه ينبغي أن تكون الأخلاق الحيوية الإسلامية متجذرة في التقليد الإسلامي، ولها في الوقت ذاته إسهام وافر في النقاشات العالمية المتعلقة بالأخلاق الحيوية.
} وهل نستطيع أن نقوم بتحذير المتبرعين في حالة ظهور خلل في الجينات الوراثية يؤدي إلى مرض في المستقبل؟
- تناقشنا مع القائمين على البرنامج كثيراً في تلك النقطة، خاصة وأنهم ليسوا جهة علاج أو مستشفى ولكنهم جهة بحثية، حيث أكدنا أنه يجب عليهم في حالة اكتشاف مرض قد يصيب الإنسان المتبرع بعينته أن يتم تحذيره، لهذا قام المسؤولون على المشروع بعمل برنامج للتواصل مع وحدة السرطان بمستشفى حمد، بحيث إنه في حالة اكتشاف عطب جيني في الشريط الوراثي للمتبرع خاص بمرض السرطان، سيتم التواصل مع المستشفى والعمل على تحذير الشخص الذي سيتم إخضاعه للعلاج المبكر، خاصة وأن أهم مرحلة في مرحلة علاج السرطان هي مرحلة الكشف المبكر عنه.
كذلك في حالة الكشف عن أمراض القلب، حيث إنه سيتم التواصل مع الشخص أو ذويه وتحذيره، والعمل على علاجه لإنقاذ حياته.
} وما هي المحرمات أو الأشياء التي حرمها الدين في هذا المشروع؟
- في حالة قيام شخص بالتبرع بعينة لمشروع قطر جينوم، فلابد أن يكون هناك عقد بين الطرفين يحدد طرق الاستخدام وكل ما يخص البحث العلمي الخاص بشريطه الوراثي، لذلك لابد من المحافظة على الخصوصية والسرية لهذا الشخص، كذلك عدم استخدام الجينوم بعلاقة النسب، أو الضرر مثل اكتشاف أمراض أو فيروسات قد تتم استحداثها للاستخدام في الضرر بالآخرين، كذلك عدم استخدام الجينات الوراثية بهذا الشخص إلا في مجال البحث العلمي، خاصة وأن هذا الشريط الوراثي أو «D N A» هي مثل البصمة الأصبع لكل فرد جيناته الخاصة به ولا يوجد اثنان متشابهان في هذا الكوكب.
} هل نستطيع أن نقول إن جميع الأبحاث بالمراكز البحثية بمؤسسة قطر يحيط بها جدار محيط من الدين الإسلامي والأخلاقي؟
- يوجد شرط أساسي في التقدم لأى أبحاث علمية بمؤسسة قطر، وهو أنه لابد للباحث العلمي أن يحصل على دورة تدريبية في الأخلاق، كذلك قبل البدأ في البحث العلمي لابد أن يتقدم الباحث بمشروعه للجنة الأخلاق العلمية، والتي تتكون من أساتذة في العلوم العلمية وعلوم الدين والأخلاق، حيث يتم الموافقة علي المشروع وإعطاء الباحث تصريحا لمدة عام يتم تجديده كل عام في حالة عدم خرق الشخص لأي بنود من بنود الأخلاق العامة وثوابت الدين الإسلامي.
كذلك لابد أن يكون البحث العلمي بعيداً عن الدكتور المعالج للشخص، وذلك لعدم استخدام العلاج في اجبار الشخص على خضوعه للبحث العلمي، كما يجب أن يبتعد البحث عن إلحاق الضرر أو المخاطرة المرتفعة بالشخص الذي سيخضع للبحث العلمي، كما يمنع تركيب أي مواد طبية بجسم الإنسان يكون مصدرها مواد محرمة بالشريعة الإسلامية، في حالة وجود بدائل أخرى، أما في حالة عدم وجود بدائل يتم تركيبها ولا حرج.
} هل بالإمكان العمل على وضع مناهج تختص بالأخلاقيات الإسلامية بالعلوم الطبية؟
- حتى الآن لا يوجد مادة علمية تختص بهذا الشأن بالتحديد في العالم العربي والإسلامي، خاصة وأن جميع المواد العلمية مواد غربية وباللغات الأجنبية، لهذا كل المحاولات الحالية تقوم على وضع برامج صغيرة تشمل أخلاقيات الطب الحديث التي هي مستمدة من العلوم الغربية، لذلك مازال البحث جاريا على وضع إطار من الشريعة الإسلامية ضمن برامج أخلاقيات الطب الحديث.
copy short url   نسخ
05/12/2019
1168