+ A
A -
تكشف ردود الأفعال التي يبديها الجمهور في تونس على الأحداث اليومية عن ملامح تشكل رأي عام لا يُستهان به قادر على التأثير وأحيانا التغيير. وإذا كان من الطبيعي أن يكون الرأي العام مؤثرا في الدول ذات التجربة الديمقراطية العريقة فإن متابعة ما يجري من نقاشات على مواقع التواصل في تونس تشي بظهور قوة ضاغطة قوامها النقد الشعبي وإبداء الآراء خارج السياق الرسمي والمعتاد للمواقف السائدة.
لقد عاشت تونس طيلة فترة الاستبداد وككل الأنظمة الشمولية تغييبا فعليا للرأي العام فلم تكن السلطات الرسمية تأبه للتوجهات الشعبية وتراهن على عاملين أساسيين للتحكم في الوجدان الشعبي احدهما قوة البوليس حيث يخشى المواطن التعبير عن آرائه ومواقفه حيث يمكن أن يتحول مجرد مقال أو انتقاد للسلطات الرسمية إلى تهمة تؤدي بصاحبها إلى غياهب السجون ولنا في تجربة الشاب المدون المرحوم زهير اليحياوي نموذجا حيث خضع للملاحقة والسجن من اجل مدونة عبر فيها عن آرائه رغم أنها كانت تتم من خلال اسم مستعار. أما العامل الثاني الذي راهن عليه النظام في تدجين التوجهات العامة للناس فهو الإعلام حيث لم تكن توجد صحافة حرة ومن هنا لم يكن لعامة الناس قدرة على التعبير أو الانتقاد دع عنك أن يكونوا قادرين على التأثير ودفع صاحب السلطة إلى التراجع عن مواقفه. ويمكن انطلاقا من هذين العاملين ذاتهما تفسير أسباب اندلاع الثورة التونسية ذلك أن نظام بن علي حينها تعامل بقبضة حديدية مع الرأي العام في تفاعله مع قضية البوعزيزي ودفع وسائل إعلامه إلى تجاهل الحدث وما ترتب عنه ولم يكن قادرا على مجاراة المخيال الشعبي القادر على إعادة نسج الأحداث بأشكال مختلفة في ظل غياب وسائل إعلام حيادية وموثوقة. لقد ظل نظام بن علي وككل الأنظمة الشمولية يستخدم القنوات التليفزيونية الرسمية لتوجيه وعي الناس قسرا وتقديم الرسائل التي تتوافق مع توجهات نظام الحكم دون أن ينتبه لأثر التطورات الجديدة في مجال الإعلام من خلال ظهور الفضائيات (وهنا نشير للدور الكبير الذي لعبته قناة الجزيرة في تطوير الوعي العام وتغطية الأحداث التونسية) والأهم هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي التي مثلت بالفعل ميدان «هايد بارك» افتراضي تمكن من خلاله الرأي العام من التواصل والتعبير عن توجهاته ورفضه للسياسات الرسمية.
الأحداث والجميع يذكر الحملة التي شنها رواد الموقع على أول وزير خارجية تونسي بعد ثورة يناير 2011 والتي أدت إلى إقالته. واليوم أصبح بإمكان عموم الناس طرح مظالمهم وكشف تجاوزات السلطة في حقهم بشكل جعل القوى الأمنية والمسؤولين الحكوميين يتحسبون كثيرا لردود فعل الجمهور الذي يتابع التصريحات والمواقف بشكل يومي. فقد اضطرت الحكومة إلى الاعتراف بالجريمة التي اقترفها الموساد بحق المهندس محمد الزواري بعد أن حاولت وسائل الإعلام الرسمية في البداية تصوير الحدث وكأنه جريمة حق عام غير أن ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي تمكنوا من كشف كثير من الجوانب التي أفضت إلى تعامل السلطة السياسية مع الحدث بالشكل الذي يستحق. وأكثر من هذا فقد استطاع الرأي العام ومن خلال أدواته الفردية في التواصل أن يجبر مذيعة إحدى القنوات على الاعتذار بعد ترويجها لصورة مزيفة نسبتها زورا إلى قناة الجزيرة.
لقد تشكلت الملامح الأولى للرأي العام في تونس من خلال عاملين مترابطين أولهما تحول ديمقراطي منح الفرصة للجميع أن يعبر دون خوف وثانيهما الثورة التكنولوجية التي لعبت دور المساعد على نجاح الثورة السياسية وهي اليوم تقوم بالدور المركزي في صناعة توجهات عامة للجمهور قادرة على قلب المشهد إلى الحد الذي يمكن معه القول أننا بالفعل نشهد هجرة لمفهوم الممارسة السياسية من الحقل الحزبي بصورته المعتادة إلى المجال الافتراضي حيث يصبح الفرد هو القادر على تحديد توجهاته الخاصة واختيار الكيان السياسي الذي ينحاز إليه انتخابيا.
بقلم : سمير حمدي
لقد عاشت تونس طيلة فترة الاستبداد وككل الأنظمة الشمولية تغييبا فعليا للرأي العام فلم تكن السلطات الرسمية تأبه للتوجهات الشعبية وتراهن على عاملين أساسيين للتحكم في الوجدان الشعبي احدهما قوة البوليس حيث يخشى المواطن التعبير عن آرائه ومواقفه حيث يمكن أن يتحول مجرد مقال أو انتقاد للسلطات الرسمية إلى تهمة تؤدي بصاحبها إلى غياهب السجون ولنا في تجربة الشاب المدون المرحوم زهير اليحياوي نموذجا حيث خضع للملاحقة والسجن من اجل مدونة عبر فيها عن آرائه رغم أنها كانت تتم من خلال اسم مستعار. أما العامل الثاني الذي راهن عليه النظام في تدجين التوجهات العامة للناس فهو الإعلام حيث لم تكن توجد صحافة حرة ومن هنا لم يكن لعامة الناس قدرة على التعبير أو الانتقاد دع عنك أن يكونوا قادرين على التأثير ودفع صاحب السلطة إلى التراجع عن مواقفه. ويمكن انطلاقا من هذين العاملين ذاتهما تفسير أسباب اندلاع الثورة التونسية ذلك أن نظام بن علي حينها تعامل بقبضة حديدية مع الرأي العام في تفاعله مع قضية البوعزيزي ودفع وسائل إعلامه إلى تجاهل الحدث وما ترتب عنه ولم يكن قادرا على مجاراة المخيال الشعبي القادر على إعادة نسج الأحداث بأشكال مختلفة في ظل غياب وسائل إعلام حيادية وموثوقة. لقد ظل نظام بن علي وككل الأنظمة الشمولية يستخدم القنوات التليفزيونية الرسمية لتوجيه وعي الناس قسرا وتقديم الرسائل التي تتوافق مع توجهات نظام الحكم دون أن ينتبه لأثر التطورات الجديدة في مجال الإعلام من خلال ظهور الفضائيات (وهنا نشير للدور الكبير الذي لعبته قناة الجزيرة في تطوير الوعي العام وتغطية الأحداث التونسية) والأهم هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي التي مثلت بالفعل ميدان «هايد بارك» افتراضي تمكن من خلاله الرأي العام من التواصل والتعبير عن توجهاته ورفضه للسياسات الرسمية.
الأحداث والجميع يذكر الحملة التي شنها رواد الموقع على أول وزير خارجية تونسي بعد ثورة يناير 2011 والتي أدت إلى إقالته. واليوم أصبح بإمكان عموم الناس طرح مظالمهم وكشف تجاوزات السلطة في حقهم بشكل جعل القوى الأمنية والمسؤولين الحكوميين يتحسبون كثيرا لردود فعل الجمهور الذي يتابع التصريحات والمواقف بشكل يومي. فقد اضطرت الحكومة إلى الاعتراف بالجريمة التي اقترفها الموساد بحق المهندس محمد الزواري بعد أن حاولت وسائل الإعلام الرسمية في البداية تصوير الحدث وكأنه جريمة حق عام غير أن ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي تمكنوا من كشف كثير من الجوانب التي أفضت إلى تعامل السلطة السياسية مع الحدث بالشكل الذي يستحق. وأكثر من هذا فقد استطاع الرأي العام ومن خلال أدواته الفردية في التواصل أن يجبر مذيعة إحدى القنوات على الاعتذار بعد ترويجها لصورة مزيفة نسبتها زورا إلى قناة الجزيرة.
لقد تشكلت الملامح الأولى للرأي العام في تونس من خلال عاملين مترابطين أولهما تحول ديمقراطي منح الفرصة للجميع أن يعبر دون خوف وثانيهما الثورة التكنولوجية التي لعبت دور المساعد على نجاح الثورة السياسية وهي اليوم تقوم بالدور المركزي في صناعة توجهات عامة للجمهور قادرة على قلب المشهد إلى الحد الذي يمكن معه القول أننا بالفعل نشهد هجرة لمفهوم الممارسة السياسية من الحقل الحزبي بصورته المعتادة إلى المجال الافتراضي حيث يصبح الفرد هو القادر على تحديد توجهاته الخاصة واختيار الكيان السياسي الذي ينحاز إليه انتخابيا.
بقلم : سمير حمدي