ما أسهل القول، وما أصعب الفعل، بيد أن غالبية الناس يستسهلون التبجح وإطلاق الوعود الوهمية. يبنون قصوراً في الهواء، ويشيدون ممالك في السراب دون أن يكون بمقدورهم تحقيق أي شيء يُذكر. فببساطة، الكلام مجاني، أما الفعل فله ثمن.
عندما تبيض الدجاجة، فإنها تضع بيضاً زهيد الثمن، مالئة الدنيا نقيقاً. بينما تضع السمكة الآلاف من الكافيار دون نقيق. كذلك حال البشر؛ أناس يكثرون من الكلام الاعتباطي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ويعدون بأشياء لا يوفون بها؛ وأناس يجعلون أفعالهم تتحدث قبل أن تنطق ألسنتهم بشيء.
لطالما تم نصحنا من رواد التنمية البشرية في السابق بأن نعلن أهدافنا وأحلامنا علانية، على اعتبار أن ذلك سيزيد من حماستنا، ويجعل تلك الأهداف والأحلام تتحقق على أرض الواقع. الأمر أشبه بمَن يخبرك أن كتابة أهدافك على الورق، ستضعك على الطريق الصحيح لتحقيقها، بينما الاحتفاظ بها في سريرة نفسك سيحرمها فرصة رؤية النور!
أما اليوم، فإن كثيراً من الدراسات الحديثة في مجال علم النفس تشير إلى أن التصريح بالأهداف يفقدها رونقها وقوة تأثيرها لدى صاحبها، لأن الإنسان يشعر عندما يبوح للآخرين بما يهدف إليه ويحلم به كأنما حققه بالفعل؛ مما يفقده الدافعية إلى العمل من أجل تحقيقه، ويجعله يتقاعس عن القيام بما هو مطلوب لإنجاز ما يريد.
كما أن إعلان ما يخطط له المرء أمام الغير يمكن أن يعرضه إلى الانتقاد والإحباط والمساءلة، وحتى السخرية من قبل بعض المحيطين به. الأمر الذي يعني أن عدم التصريح بما تهدف إليه أفضل بكثير من إخبار الجميع بما تنوي القيام به. ويعني أيضاً أن الكلام الكثير لا قيمة له، بل قد يكون وبالاً على صاحبه.
إذا تتبعنا سير العظماء ورواد النجاح منذ بزوغ فجر التاريخ البشري وحتى يومنا هذا، سنجد أن معظم الذين حققوا إنجازات صارخة، واخترعوا أشياء مذهلة، وأسهموا في ازدهار الحضارة الإنسانية ونهضتها هم أشخاص قليلو الكلام، كثيرو الأفعال. ذلك أنهم لا يعدون بشيء لا يعرفون على وجه اليقين ما إذا كانوا سيفون به أم لا، ولا يبوحون بأسرارهم وأهدافهم لكل من هبّ ودبّ، بل يحتفظون بخصوصيتهم لأنفسهم، ويعملون بصمت مدركين أن الإنجاز هو الحكم الأخير.
ربما تشعر بدافع خفي يدفعك إلى البوح بما يجول في خاطرك وبما تخطط له، لكن عليك أن تدرك جيداً بأن هذا التصرف خاطئ تماماً، لأنه ينبغي أن تكون غامضاً بعض الشيء لا صفحة مكشوفة للكل. فلا تكشف أوراقك أمام جميع الناس حتى لا يسهل التلاعب بك وتثبيط عزيمتك ووضع العراقيل في وجهك، وتصبح لقمة سائغة للمنتقدين والمحبطين والانتهازيين الذين لا هم لهم سوى تدمير عزائم الطموحين، ووضع العقبات في طريقهم حتى لا يبلغوا النجاح.
إن عدم تصريحك بأهدافك الحقيقية، والعمل عليها بصمت، ثم تحقيقها بعد جهد حثيث وكفاح طويل سيجعل الاحتفاء بتحقيقها أجمل وأعظم، بل وسيجعل الآخرين من حولك في صدمة مما حققته في الوقت الذي لم يكونوا فيه يتوقعون منك ذاك النجاح المفاجئ أو أي إنجاز على الإطلاق.
تعلم كيف تسير بخطى ثابتة، وكيف تعمل بصمت يتخلله إخلاص منقطع النظير وتركيز عظيم على أحلامك وأهدافك. تعلم كيف تجعل الإنجازات تتحدث عنك دون أن تنطق بحرف واحد، وكن صاحب مفاجآت واقعية سارة، لا صاحب كلمات مفرغة من المعنى. لا تكن كثير الكلام كما الغالبية، بل اجعل أفعالك هي التي تتكلم بالنيابة عنك؛ لأن الأفعال أمضى من الأقوال.