يعد الإصلاح والتعافي بمثابة جسرٍ عبور ما بين المتوقع والمأمول، خاصة في ظل ما يبذله العالم من جهود هادفة إلى التعافي وإعادة أولويات الإصلاح، آخذا بعين الاعتبار مبادئ الشفافية والمساءلة ومسترشدا بها إلى ضرورة الوصول للتنمية المستدامة.
وتشتد الحاجة يوما بعد يوم إلى ضرورة إعادة تكوين العقد الاجتماعي بين المواطنين ومؤسساتهم الحكومية، بحيث تدعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل، وتكون بعيدة كل البعد عن التأثير على التمكين الإنتاجي، ووضع إجراءات تضمن منع التضارب بين الإصلاحات الاقتصادية المكثفة وما بين النمو الاقتصادي المأمول من خلال تبني سياسة «التوازن».
إن اهم أولويات الإصلاح الاقتصادي على المدى الطويل تتمثل في تخفيض العجز في الموازنة، وهو أهم مؤشرات الإصلاح والتعافي الاقتصادي في آن واحد، بالتزامن مع التركيز على «كفاءة الاقتصاد» و«كفاءة الإنفاق» ومتانته.
كما يجب أن تشمل أولويات الإصلاح الاقتصادي الإسهام في تعزيز وتهيئة بيئة استثمارية وتوفير الفرص المجدية اقتصاديا للمستثمرين وهو ما يقود إلى تخفيف العبء على الموازنة العامة والحد من هروب الاستثمارات إلى الخارج، وإزالة عوائق الاستثمار وتكثيف دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة المعتمدة على رأس المال البشري وابداعه، بالتزامن مع ضرورة فتح الأسواق الجديدة للصادرات. وأشدد على ضرورة إعداد قائمة بمشاريع الاستثمارات ذات الأولوية التي يمكن أن تسهم فعالية القطاعات الحيوية، مع إعطاء الأولوية القصوى للحفاظ على الاستثمارات القائمة حالياً.
كما ان الاهتمام بإصلاحات سوق العمل يعد حاجة ملحة تزامنا مع ما يشهده الوضع الاقتصادي من تراجع التوظيف وارتفاع نسب البطالة، هو أمر يتطلب تكاثف الجهود في القطاعين العام والخاص من أجل التركيز قطاعات مثل قطاع التجزئة لإسهامها في زيادة التوظف وخلق عائدا إيجابيا على الاقتصاد.
وتتعدد الإصلاحات الاقتصادية الموصلة للتعافي الاقتصادي لتشمل تعزيز الاستقرار الاقتصادي والإصلاحات الهيكلية الممثلة في إصلاحات سوق العمل، وكفاءة الإنفاق وكفاءة الحكومة، والقدرة على المنافسة، للوصول السريع إلى التوازن الاقتصادي والتكامل ما بين كلا من التوازن المالي والسياسات الهيكلية.
إن الهدف الجوهري من الإصلاح والتعافي الاقتصادي يكمن أولاً في تلبية الاحتياجات الملحة للافراد والشركات من جهة، وإصلاح أنظمة الحوكمة والمساءلة من جهةٍ أخرى، جنبا إلى جنب مع تحسين الخدمات والبنية التحتية، وإنّ رصد نقاط القوة والضعف ما هو إلا من مساعي الإصلاح والتعافي وضمان تحقيق البرامج المعدة وتحقيق أهدافها النهائية. وأود الإشارة إلى ما تبذله الأردن من جهود من أجل التعافي الاقتصادي متمثلة في رؤية التحديث الاقتصادي وما ينجم عنها من تخفيف العبء والآثار الاقتصادية مستقبلا، اذا ما تم تطبيقها كما معد ومخطط. واستشهد بما قاله البنك الدولي «إنه على الرغم من البيئة العالمية والمحلية الحافلة بالتحديات، تسارعت وتيرة النمو في الأردن خلال النصف الأول من عام 2022 ليبلغ 2.7 %، مدفوعاً بتعافٍ قوي في مجال السياحة، وإعادة فتح الاقتصاد بشكل كامل، وتحسَن في مستوى الصادرات. ومع ذلك، لم ينعكس انتعاش النمو على مؤشرات سوق العمل الأردني إلا بصورة متواضعة».
لا يزال هناك تحديات متعمقة متجذرة في بيئة الأعمال والاستثمار، يجب أخذها بعين الاعتبار حتى لا نجد أنفسنا في نهاية المطاف في ذيل القائمة لمؤشرات الأعمال العالمية، حيث إن إعادة توحيد المؤسسات الحكومية وآليات العمل والسياسات ومواكبة التشريعات العالمية والقضاء على الفساد الإداري وتغلغله في المؤسسات ستكون وسيلة الأضمن لإرساء قواعد التعافي بصفة عامة، وستساهم في سلسلة من التطورات الإيجابية والتخفيف من حدة الأزمات الاقتصادية، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، والاقتصادي والسياسي.
وأخيرا، فإن الضبابية وحالة عدم التأكد هما أكثر الأشياء المعوقة للاستثمار في القطاع الخاص. لذلك، فإن وضوح منهجية الإصلاح ونتائجها على المدى المتوسط سيكون مهما في تحديد تكلفة هذه البرامج وعوائدها بالنسبة للقطاع الخاص، وبالتالي سيساعد في التكيف معها.