+ A
A -
كل الحروب تنتهي على طاولة المفاوضات، ودون ذلك تبقى الصراعات، باردة حينا، ومحتدمة أحيانا، ما لم يجتمع المتحاربون لطي صفحتها.
الحرب الكورية التي اندلعت في يونيو 1950، لم تنته في يوليو 1953، لقد انتهت المعارك لكن التصعيد لم يتوقف، إلى أن قرر الشطران أن طاولة المفاوضات هي الحل، ونحن نرى اليوم ما يمكن اعتباره الفصل الأخير لها.
الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي بدأ في مثل هذا اليوم قبل «70» عاما، ليس استثناء، فبعد حروب دامية، اقتنع الجميع بأن التفاوض هو الحل، فكانت اتفاقية كامب ديفيد (1978)، وهي أول اتفاقية رسمية بين دولة عربية وإسرائيل، وأدت إلى تحييد مصر في الصراع، تلاها بعد «15» عاما (1993) اتفاق أوسلو، وهو أول اتفاق رسمي على المسار الفلسطيني، ثم بعد ذلك بعام، وقع الأردن اتفاق وادي عربة، وفي العام «1995» تم توقيع اتفاقية طابا (أوسلو- 2).
اليوم، في ذكرى النكبة، تبدو الصورة مختلفة، وأوراق الضغط الباقية لم تستمر طويلا، بعد أن انخرطت السعودية والإمارات والبحرين في عملية تطبيع «مجانية» وهرولت باتجاه تل أبيب بشكل انبطاحي مخجل، وفيه خذلان وتآمر على القضية الفلسطينية التي تلقت بالأمس طعنة مؤلمة عبر الاحتفال بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، على الرغم من صدور «12» قرارا من مجلس الأمن، آخرها القرار «2334» الذي صدر في 23 ديسمبر 2016، ويؤكد أن إنشاء إسرائيل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية، ومطالبة إسرائيل بوقف فوري لجميع الأنشطة الاستيطانية وعدم الاعتراف بأي تغييرات في حدود الرابع من يونيو 1967، ناهيك عن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
نحن اليوم أمام انتهاك خطير للشرعية الدولية وللمنظمة الأممية، والكرامة العربية، فمنذ أيام فحسب احتفلت السفارة الإسرائيلية في القاهرة بما أسمته «عيد استقلال إسرائيل الـ 70»، بحضور مسؤولين مصريين، ومما قاله السفير الإسرائيلي في الحفل: «نلاحظ التغيير في معاملة الدول العربية لإسرائيل»، مشيرا إلى أنها لم تعد تعتبر عدوا بل شريكا في صياغة واقع جديد للمنطقة.
ما قاله السفير الإسرائيلي له أسس يعتمد عليها، فهو جاء في ذروة عملية تطبيع مجانية وغير مفهومة تقودها الإمارات والسعودية والبحرين، كان أبرزها لقاء نتانياهو مع سفيري الإمارات والبحرين في واشنطن مؤخرا!
كاتب إسرائيلي سلط الضوء على ذلك اللقاء، عندما قال: «الإمارات العربية المتحدة لا تعترف رسمياً بوجود إسرائيل، لكنه القليل من دبلوماسية العشاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والسفير الإماراتي».
مكان الحدث كان مقهى ميلانو، وهو مطعم جورج تاون الراقي الذي يتردد عليه في كثير من الأحيان النافذون من واشنطن، من باراك أوباما إلى أعضاء إدارة ترامب، رئيس الوزراء الإسرائيلي، كان في المدينة لحضور مؤتمر سنوي حول سياسة إسرائيل، وكان في منتصف العشاء مع زوجته سارة، عندما جاء طلب غير متوقع.
إن أبوظبي حاكت بخبث شديد شبكة نفوذ شملت مسؤولين أميركيين، ومراكز بحثية، وخبراء، ومتصيِّدين على وسائل التواصل الاجتماعي داخل الولايات المتحدة، واعتماد رسائل وأهداف تحاكي تلك الصادرة عن اللوبي الإسرائيلي.
وقد تكثفت استراتيجية الإمارات لشراء النفوذ في واشنطن عام 2008، بعد كارثة شركة «موانئ دبي»، عندما رفض مشرعون أميركيون إدارة الشركة «6» موانئ أميركية، باعتبار أن ذلك يهدد الأمن القومي الأميركي، لتسعى أبوظبي بعدها لمحو هذه الصورة السلبية.
وكُلّف العتيبة بمهمة رسم صورة جديدة لبلاده، باعتبارها شريكاً مهمّاً لأميركا تشاركها مخاوفها الأمنية نفسها.
إن ترديد اللوبي الإسرائيلي رواية الإمارات نفسَها لا ينبغي أن يكون مفاجئاً، لأن العتيبة استثمر في توظيف خبرات ومؤسسات تتعامل مع الإسرائيليين، وتم توظيف ملايين الدولارات لشراء نفوذ في مراكز بحثية محافظة، مثل «أتلاتنك كونسل»، و«معهد الشرق الأوسط»، بل أنشأت «المعهد العربي لدراسات الخليج»، ليكون لسان حالها بواشنطن.
ليس هذا فحسب، إذ أن الإمارات تشن على ما يبدو حربا عالمية ضد الإسلام، كان آخر فصولها فضيحة فساد بمليارات الدولارات في صندوق التنمية الحكومي الماليزي، وهي الفضيحة التي تتورط فيها الإمارات. وبعد الإعلان عن فوز رئيس الوزراء مهاتير محمد، ظهر الخوف على مسؤولي أبوظبي، فقد هاجم عبد الخالق عبدالله مستشار إمارة أبوظبي مهاتير محمد الفائز في الانتخابات الديمقراطية الماليزية التي شهد لها العالم وأقر بها الطرف المهزوم وهو رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق.
وقال عبد الخالق عبدالله في تغريدة على تويتر: «هل خلت ماليزيا من حكماء وزعماء ورجال دولة وشباب كي تنتخب من بلغ 92 سنة من العمر».
نسي عبد الخالق حكاما أقرب إليه لا يقوون على الوقوف، ونسي حكاما لا يعرفون في أي عام نعيش، نسي الجهل والفساد، وطال بلسانه الطويل صانع الاستقلال والتقدم الحقيقي في ماليزيا، للتغطية على فضيحة الفساد الإماراتية، وعلى فضيحة أخرى اعترف بها وزير الخارجية السعودي عندما قال إن «إيداعاً بقيمة 681 مليون دولار في حساب مصرفي لرئيس الوزراء الماليزي (الخاسر) نجيب عبد الرزاق كان هبة من السعودية».
كل ذلك لمنع فوز مهاتير، على أمل التغطية على فضيحة الفساد التي تورطت بها الإمارات.
المال السياسي الظبياني أو «شرهة» الجبير لم تفلح في كبح جماح الصوت الماليزي الحر، الذي اختار قائده التاريخي رئيسا للحكومة.. كما أنها لن تنجح في تقويض النموذج الإسلامي المبهر في تركيا بقيادة أردوغان، وهم يحاربونها ليل نهار للنيل من نجاحاته، لكنها شامخة وواثقة من قدراتها وشعبها.
هذه أموال العرب، هكذا تُصرف، فيما «حولهم وحواليهم» من يعاني الفقر والجهل، وشبابها بأمس الحاجة للتعليم والتدريب والتوظيف.
قبل أيام، وأثناء بطولة كرة السلة للنساء في جبل طارق، اجتمع منتخبا إسرائيل والإمارات وتعانق أعضاؤهما عندما انتهت المباراة التي تنافس فيها المنتخبان ضد بعضهما البعض، لم تجد الإمارات حرجا، لذلك مضت إلى ما هو أبعد بإرسال دراجيها إلى القدس المحتلة للمشاركة في سباق هناك، اشترك فيه دراجون من البحرين أيضا.
البحرين تعاني من عقدة النقص والضعف والعجز وصغر المساحة، وتبحث عن دور حتى ولو كومبارس، المهم ألا ينسوها في المشاهد، وأن يكتب اسمها في تتر البداية أو النهاية حتى لو كان في أسفل القائمة!
هي تعلم والكل يعلم أنها «لا تهش ولا تنش» ودورها لا يتجاوز الريتويت وترديد الأصوات، فهي مع الصف الخلفي، لا تغني ولا تلحن، لكن فقط تصفق أو تردد!
ومع ذلك تستخدمها دول الحصار كوحدة لقياس الرأي العام الخارجي وهي تحاول أن توهم الجميع أن لها «حنة ورنة» فتتحدث بأمور أكبر من امكانياتها، وبقرارات تفوق قدراتها، وآخرها تغريدة وزير خارجيتها والذي لم يجد حرجا، بل إنه «لا يستحي» في نشر تغريدة أيد فيها الضربة الإسرائيلية، ويقول «إن من حق الدول ومنها إسرائيل أن تدافع عن نفسها» مما جعل مسؤولة أميركية تقول عنها إن «نشرها قبل «3» أيام من نقل سفارتنا إلى القدس دليل على صحة قرار ترامب».
أما وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا فخلص إلى أن التغريدة تشكل دعما تاريخيا لإسرائيل، يعكس التحالف الجديد الذي يتشكل في الشرق الأوسط بالجهود التي يبذلها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، بحسب تعبيره.
السعودية وضعها أكثر غموضا، فهي لا تعترف رسميا بإسرائيل، لكن تقارير صحفية عدة تحدثت في الفترة الأخيرة عن تحسن وتوطد كبير في العلاقات بين الجانبين، وصل إلى حد إجراء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زيارة إلى تل أبيب، رغم النفي السعودي الرسمي لذلك.
وفي احتفال السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، أشاد السفير الإسرائيلي لدى مصر، دافيد جوبرين، بانضمام ولي العهد السعودي للرؤية الجديدة مع تل أبيب وتطبيع العلاقات معها.
وقال: «إن انضمام ولي العهد السعودي إلى دعم رؤية الاستقرار والنمو الاقتصادي إلى جانب مصر وإسرائيل يشكل معلما مهما، وعلينا أن نعمل على توسيع المشاركة في هذه الرؤية، لتضم دولا أخرى، وذلك من أجل دفع المصالح المشتركة ومواجهة الدول».
وبعد هذا التصريح المتلفز والذي لم يعد يحتمل النفي كما كان يحدث في السابق، تلعثم الجبير وواصل التأتأة ولم يجد حروفا تشكّل كلمات رادعة لهذا التصريح الذي قطع الشك باليقين وما خفي أعظم..!
كما أن سفير السعودية السابق أحمد قطان والذي عيّن مؤخرا وزير الشؤون الإفريقية هو الآخر التزم الصمت، وكأن على رأسه الطير، وهو الذي كان «لسانه يلوط آذانه» في الجامعة العربية، يهاجم أشقاءه، وما إن جاء الكلام الغريب المريب من السفير الإسرائيلي.. «أكلت القطة لسانه»!
طبّعوا وطبطبوا وطبلوا، افعلوا كل ذلك وأكثر، لكن تريثوا وتبينوا حلا يعيد أرضنا وحقنا ومقدساتنا ومسرى نبينا أولا، ليكن تطبيعكم هذا ثمنا لحل ينهي القضية الفلسطينية بصورة مشرفة ومقبولة، أما الارتماء بالحضن الإسرائيلي بزعم محاربة قيام دولة إسلامية، فهذه حساسية مفرطة، وصلت إلى حد «الجرب»، وذل وهوان وصل حد «الهرب»..!
والملاحظ والمدقق في مشهد التطبيع والبيع لقضية العرب المركزية والتي ستبقى في وجدان الأمة الإسلامية، يجد دول الحصار والعار هي من تتصدر المشهد، وهي من تخطط وتتخبط، وهي بالمناسبة متخصصة في التنازل عن سيادتها على أراضيها وجزرها، وبالتالي هي لا تجد حرجا في بيع القضية الفلسطينية بثمن بخس..!
وبالتزامن مع ذكرى النكبة السبعين ومع ارتفاع درجات التصهين لدى بعض السياسيين والمثقفين العرب، لا استغرب إذا استبدلوا تحيتهم من السلام إلى «شالوم».. اعتبارا من اليوم.. احتفالا بالواقع «المشؤوم»!
بقلم:محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
الحرب الكورية التي اندلعت في يونيو 1950، لم تنته في يوليو 1953، لقد انتهت المعارك لكن التصعيد لم يتوقف، إلى أن قرر الشطران أن طاولة المفاوضات هي الحل، ونحن نرى اليوم ما يمكن اعتباره الفصل الأخير لها.
الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي بدأ في مثل هذا اليوم قبل «70» عاما، ليس استثناء، فبعد حروب دامية، اقتنع الجميع بأن التفاوض هو الحل، فكانت اتفاقية كامب ديفيد (1978)، وهي أول اتفاقية رسمية بين دولة عربية وإسرائيل، وأدت إلى تحييد مصر في الصراع، تلاها بعد «15» عاما (1993) اتفاق أوسلو، وهو أول اتفاق رسمي على المسار الفلسطيني، ثم بعد ذلك بعام، وقع الأردن اتفاق وادي عربة، وفي العام «1995» تم توقيع اتفاقية طابا (أوسلو- 2).
اليوم، في ذكرى النكبة، تبدو الصورة مختلفة، وأوراق الضغط الباقية لم تستمر طويلا، بعد أن انخرطت السعودية والإمارات والبحرين في عملية تطبيع «مجانية» وهرولت باتجاه تل أبيب بشكل انبطاحي مخجل، وفيه خذلان وتآمر على القضية الفلسطينية التي تلقت بالأمس طعنة مؤلمة عبر الاحتفال بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، على الرغم من صدور «12» قرارا من مجلس الأمن، آخرها القرار «2334» الذي صدر في 23 ديسمبر 2016، ويؤكد أن إنشاء إسرائيل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية، ومطالبة إسرائيل بوقف فوري لجميع الأنشطة الاستيطانية وعدم الاعتراف بأي تغييرات في حدود الرابع من يونيو 1967، ناهيك عن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
نحن اليوم أمام انتهاك خطير للشرعية الدولية وللمنظمة الأممية، والكرامة العربية، فمنذ أيام فحسب احتفلت السفارة الإسرائيلية في القاهرة بما أسمته «عيد استقلال إسرائيل الـ 70»، بحضور مسؤولين مصريين، ومما قاله السفير الإسرائيلي في الحفل: «نلاحظ التغيير في معاملة الدول العربية لإسرائيل»، مشيرا إلى أنها لم تعد تعتبر عدوا بل شريكا في صياغة واقع جديد للمنطقة.
ما قاله السفير الإسرائيلي له أسس يعتمد عليها، فهو جاء في ذروة عملية تطبيع مجانية وغير مفهومة تقودها الإمارات والسعودية والبحرين، كان أبرزها لقاء نتانياهو مع سفيري الإمارات والبحرين في واشنطن مؤخرا!
كاتب إسرائيلي سلط الضوء على ذلك اللقاء، عندما قال: «الإمارات العربية المتحدة لا تعترف رسمياً بوجود إسرائيل، لكنه القليل من دبلوماسية العشاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والسفير الإماراتي».
مكان الحدث كان مقهى ميلانو، وهو مطعم جورج تاون الراقي الذي يتردد عليه في كثير من الأحيان النافذون من واشنطن، من باراك أوباما إلى أعضاء إدارة ترامب، رئيس الوزراء الإسرائيلي، كان في المدينة لحضور مؤتمر سنوي حول سياسة إسرائيل، وكان في منتصف العشاء مع زوجته سارة، عندما جاء طلب غير متوقع.
إن أبوظبي حاكت بخبث شديد شبكة نفوذ شملت مسؤولين أميركيين، ومراكز بحثية، وخبراء، ومتصيِّدين على وسائل التواصل الاجتماعي داخل الولايات المتحدة، واعتماد رسائل وأهداف تحاكي تلك الصادرة عن اللوبي الإسرائيلي.
وقد تكثفت استراتيجية الإمارات لشراء النفوذ في واشنطن عام 2008، بعد كارثة شركة «موانئ دبي»، عندما رفض مشرعون أميركيون إدارة الشركة «6» موانئ أميركية، باعتبار أن ذلك يهدد الأمن القومي الأميركي، لتسعى أبوظبي بعدها لمحو هذه الصورة السلبية.
وكُلّف العتيبة بمهمة رسم صورة جديدة لبلاده، باعتبارها شريكاً مهمّاً لأميركا تشاركها مخاوفها الأمنية نفسها.
إن ترديد اللوبي الإسرائيلي رواية الإمارات نفسَها لا ينبغي أن يكون مفاجئاً، لأن العتيبة استثمر في توظيف خبرات ومؤسسات تتعامل مع الإسرائيليين، وتم توظيف ملايين الدولارات لشراء نفوذ في مراكز بحثية محافظة، مثل «أتلاتنك كونسل»، و«معهد الشرق الأوسط»، بل أنشأت «المعهد العربي لدراسات الخليج»، ليكون لسان حالها بواشنطن.
ليس هذا فحسب، إذ أن الإمارات تشن على ما يبدو حربا عالمية ضد الإسلام، كان آخر فصولها فضيحة فساد بمليارات الدولارات في صندوق التنمية الحكومي الماليزي، وهي الفضيحة التي تتورط فيها الإمارات. وبعد الإعلان عن فوز رئيس الوزراء مهاتير محمد، ظهر الخوف على مسؤولي أبوظبي، فقد هاجم عبد الخالق عبدالله مستشار إمارة أبوظبي مهاتير محمد الفائز في الانتخابات الديمقراطية الماليزية التي شهد لها العالم وأقر بها الطرف المهزوم وهو رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق.
وقال عبد الخالق عبدالله في تغريدة على تويتر: «هل خلت ماليزيا من حكماء وزعماء ورجال دولة وشباب كي تنتخب من بلغ 92 سنة من العمر».
نسي عبد الخالق حكاما أقرب إليه لا يقوون على الوقوف، ونسي حكاما لا يعرفون في أي عام نعيش، نسي الجهل والفساد، وطال بلسانه الطويل صانع الاستقلال والتقدم الحقيقي في ماليزيا، للتغطية على فضيحة الفساد الإماراتية، وعلى فضيحة أخرى اعترف بها وزير الخارجية السعودي عندما قال إن «إيداعاً بقيمة 681 مليون دولار في حساب مصرفي لرئيس الوزراء الماليزي (الخاسر) نجيب عبد الرزاق كان هبة من السعودية».
كل ذلك لمنع فوز مهاتير، على أمل التغطية على فضيحة الفساد التي تورطت بها الإمارات.
المال السياسي الظبياني أو «شرهة» الجبير لم تفلح في كبح جماح الصوت الماليزي الحر، الذي اختار قائده التاريخي رئيسا للحكومة.. كما أنها لن تنجح في تقويض النموذج الإسلامي المبهر في تركيا بقيادة أردوغان، وهم يحاربونها ليل نهار للنيل من نجاحاته، لكنها شامخة وواثقة من قدراتها وشعبها.
هذه أموال العرب، هكذا تُصرف، فيما «حولهم وحواليهم» من يعاني الفقر والجهل، وشبابها بأمس الحاجة للتعليم والتدريب والتوظيف.
قبل أيام، وأثناء بطولة كرة السلة للنساء في جبل طارق، اجتمع منتخبا إسرائيل والإمارات وتعانق أعضاؤهما عندما انتهت المباراة التي تنافس فيها المنتخبان ضد بعضهما البعض، لم تجد الإمارات حرجا، لذلك مضت إلى ما هو أبعد بإرسال دراجيها إلى القدس المحتلة للمشاركة في سباق هناك، اشترك فيه دراجون من البحرين أيضا.
البحرين تعاني من عقدة النقص والضعف والعجز وصغر المساحة، وتبحث عن دور حتى ولو كومبارس، المهم ألا ينسوها في المشاهد، وأن يكتب اسمها في تتر البداية أو النهاية حتى لو كان في أسفل القائمة!
هي تعلم والكل يعلم أنها «لا تهش ولا تنش» ودورها لا يتجاوز الريتويت وترديد الأصوات، فهي مع الصف الخلفي، لا تغني ولا تلحن، لكن فقط تصفق أو تردد!
ومع ذلك تستخدمها دول الحصار كوحدة لقياس الرأي العام الخارجي وهي تحاول أن توهم الجميع أن لها «حنة ورنة» فتتحدث بأمور أكبر من امكانياتها، وبقرارات تفوق قدراتها، وآخرها تغريدة وزير خارجيتها والذي لم يجد حرجا، بل إنه «لا يستحي» في نشر تغريدة أيد فيها الضربة الإسرائيلية، ويقول «إن من حق الدول ومنها إسرائيل أن تدافع عن نفسها» مما جعل مسؤولة أميركية تقول عنها إن «نشرها قبل «3» أيام من نقل سفارتنا إلى القدس دليل على صحة قرار ترامب».
أما وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا فخلص إلى أن التغريدة تشكل دعما تاريخيا لإسرائيل، يعكس التحالف الجديد الذي يتشكل في الشرق الأوسط بالجهود التي يبذلها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، بحسب تعبيره.
السعودية وضعها أكثر غموضا، فهي لا تعترف رسميا بإسرائيل، لكن تقارير صحفية عدة تحدثت في الفترة الأخيرة عن تحسن وتوطد كبير في العلاقات بين الجانبين، وصل إلى حد إجراء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زيارة إلى تل أبيب، رغم النفي السعودي الرسمي لذلك.
وفي احتفال السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، أشاد السفير الإسرائيلي لدى مصر، دافيد جوبرين، بانضمام ولي العهد السعودي للرؤية الجديدة مع تل أبيب وتطبيع العلاقات معها.
وقال: «إن انضمام ولي العهد السعودي إلى دعم رؤية الاستقرار والنمو الاقتصادي إلى جانب مصر وإسرائيل يشكل معلما مهما، وعلينا أن نعمل على توسيع المشاركة في هذه الرؤية، لتضم دولا أخرى، وذلك من أجل دفع المصالح المشتركة ومواجهة الدول».
وبعد هذا التصريح المتلفز والذي لم يعد يحتمل النفي كما كان يحدث في السابق، تلعثم الجبير وواصل التأتأة ولم يجد حروفا تشكّل كلمات رادعة لهذا التصريح الذي قطع الشك باليقين وما خفي أعظم..!
كما أن سفير السعودية السابق أحمد قطان والذي عيّن مؤخرا وزير الشؤون الإفريقية هو الآخر التزم الصمت، وكأن على رأسه الطير، وهو الذي كان «لسانه يلوط آذانه» في الجامعة العربية، يهاجم أشقاءه، وما إن جاء الكلام الغريب المريب من السفير الإسرائيلي.. «أكلت القطة لسانه»!
طبّعوا وطبطبوا وطبلوا، افعلوا كل ذلك وأكثر، لكن تريثوا وتبينوا حلا يعيد أرضنا وحقنا ومقدساتنا ومسرى نبينا أولا، ليكن تطبيعكم هذا ثمنا لحل ينهي القضية الفلسطينية بصورة مشرفة ومقبولة، أما الارتماء بالحضن الإسرائيلي بزعم محاربة قيام دولة إسلامية، فهذه حساسية مفرطة، وصلت إلى حد «الجرب»، وذل وهوان وصل حد «الهرب»..!
والملاحظ والمدقق في مشهد التطبيع والبيع لقضية العرب المركزية والتي ستبقى في وجدان الأمة الإسلامية، يجد دول الحصار والعار هي من تتصدر المشهد، وهي من تخطط وتتخبط، وهي بالمناسبة متخصصة في التنازل عن سيادتها على أراضيها وجزرها، وبالتالي هي لا تجد حرجا في بيع القضية الفلسطينية بثمن بخس..!
وبالتزامن مع ذكرى النكبة السبعين ومع ارتفاع درجات التصهين لدى بعض السياسيين والمثقفين العرب، لا استغرب إذا استبدلوا تحيتهم من السلام إلى «شالوم».. اعتبارا من اليوم.. احتفالا بالواقع «المشؤوم»!
بقلم:محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول