+ A
A -
لماذا سرّبت المصادر، ذات الصلة بالموقف الكويتي الرسمي، وجهود الشيخ صباح الأحمد في مبادرة حل الأزمة الخليجية، تقدير الموقف الأخير الذي ورد في الرأي الكويتية، عن نتائج رسالة أمير الكويت الأخيرة، لدول المحور ولدولة قطر، ومفادها أن الرسالة لم تحقق اختراقاً يُذكر في مسار الأزمة؟
يبدو الأمر هنا في حاجة، إلى مراجعة دقيقة، لفهم مسار هذه الجهود، وأين وصلت على واقع العلاقات السياسية المعقدة.
وربما قبل الاستطراد، التذكير بأن تسريب بعض المعلومات، وهو سياسة دبلوماسية وأعراف دولية، تهدف لإيجاد حلول أو اختراق جمود، في مسار أي أزمة يخوضها الوسطاء، وسبق أن تعاملت معه الكويت، في الأزمة الأكثر تعقيداً وخطورةً، منذ نشأة المجلس الخليجي، وربما منذ تحوّل دول الخليج العربي، إلى دول قُطرية مستقلة، ضمن مفهوم الأمم المتحدة وعضويتها الدائمة.
وبالتالي واجهت الكويت مواقف صعبة للغاية، في ظل إصرارها على خوض رحلة الوساطة، والتي تنبع في الأصل من أمنها القومي الذاتي، ثم بقية دول المجلس، ومستقبل وحدة الخليج العربي المنهارة كلياً، عبر قرار تفجير الأزمة الخليجية.
الأمر الذي لا بد من التوقف معه، هو تصريح د. عبداللطيف الزياني، بعد موت سريري في قضية الأزمة، وكأنما لم تبدأ جهود الشيخ صباح الأحمد، إلا في مايو الحالي، ولا يُمكن أبداً، أن يؤذن للأمين العام لمجلس التعاون، المجمدة مهمته أصلاً، من دول المحور، بالحديث عن الأزمة، دون توجيه مباشر من المنامة، والذي لا يُمكن أن يحصل دون استمزاج المنامة، لموقفي أبوظبي والرياض.
والذي فُهم منه في حينها، أن هناك رغبة جديدة كلياً، في التجاوب مع رسالة أمير الكويت الأخيرة، فلماذا توقف الحل وانتكست المهمة؟
يحتاج التعامل، مع تفاصيل تسريب الرأي الكويتية، إلى مسارين: مسار الخبر المباشر، بأن الرسالة الأخيرة، تواجه صعوبة ولم تجد تجاوباً، والثاني هو المعلومات التي برّرت بها المصادر، بل ونسبتها للأمير نفسه، في قضية الاستعجال بعد كل ذلك التأخر، والتي اعتمدت على 3 أضلاع:
1- الكويت تؤكد من جديد خطورة تأخير حل الأزمة، وبقاء التدخلات الدولية، والاستثمارات فيها قائماً يستنزف الجسم الخليجي.
2- أن انتظار حل دولي، وهنا إشارة كويتية، إلى قمة سبتمبر في واشنطن، ورفض إنجاز المصالحة، سوف يؤدي إلى رفع تكلفة الحل لحسابات خارجية إضافية.
3- إن موقف دول الخليج العربي، رغم كل الصراع، يواجه تقلبات كبيرة، في الوضع الإقليمي والدولي، وأن فواتير هذه التقلبات والتطورات، تضعف المجلس من جديد، وأن التوحد ضرورة مطلقة لمواجهة هذا التطورات.
هذه مجمل مفاهيم التسريبات التي أوصلت سريعاً، للرأي العام الكويتي والخليجي، وهو بلا شك مؤشّر إضافي، لتعقّد واقع الأرض السياسية، التي تعمل فيها الكويت، وظرفها الأمني والسياسي الخاص، وهي رسالة أُسندت بالموقف المستمر من الكويت، أنها ستواصل جهودها دون انقطاع.
وقد يكون الأمر بذاته، أي احتمال تحقيق اختراق وارداً، قبل قمة سبتمبر القادمة، وتأتي رسالة الشيخ صباح الجديدة، في ظل موقف أميركي جديد يعتبر داعم للحل، من خلال تأكيد وزير الخارجية الأميركي الجديد، ورسالته المباشرة، لدول المحور، بضرورة إنهاء الأزمة.
كمتطلب خاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، لفتح مرحلة شاملة، تحقق بعد خنق إيران السياسي، والوصول لاتفاق جديد، يُعزّز مصالح البيت الأبيض، ويُخرج ترامب منتصراً، في ملف الشرق الأوسط، بعد نجاح موقفه العدائي ضد المسلمين والعرب، في تشريع احتلال إسرائيل للقدس الشريف.
وهذه الحسابات الأميركية، ستظل تخضع لتطورات طويلة المدى، يتخذها الحلف الروسي الإيراني، وموقف بكين وأنقرة المساند لهما، ضمن صراع المحاور الكبرى، والشعور لدى كل هذه الأطراف، بأن مرحلة الزَبَد الأميركي، الذي قد يُغيّر المعادلة نسبياً في صراع المحاور، سينتهي ويعود هذا التحالف الجديد للتمدد، والجهة الوحيدة الأكثر كسباً، التي لن تخسر شيئاً، هي إسرائيل ومشروعها الغاصب الاستيطاني، ورحلة مصادرتها للأوقاف الإسلامية في القدس الشريف.
هنا يبرز لنا مسار التيه المتجدد للمحور الخليجي، فهناك فوضى وشخصانية نفسية متوترة، ترفض تصحيح التعامل مع الواقع السياسي، الذي أنتجته الأزمة الخليجية، وتصّر على المراهنة، على الموقف الجديد مع تل أبيب، وتقارب دول المحور معها، والحفاظ على حيوية هذا الموقف، رغم الاعتداء التاريخي على الأقصى، والقصف المتوحش على المحتجين المدنيين في غزة.
إن الصفحات الأخيرة لمشهد الشرق الأوسط، رَبط بالفعل ذلك السياق، الذي تحدثنا عنه عند مطلع الأزمة، بين مشروع التقدم الإسرائيلي، لمصادرة الحق الإسلامي والعربي، وخنق أي روح فلسطينية مقاومة، وبين الأزمة الخليجية، وتركيز مشروع تطبيع الصهيونية، في الخليج العربي، وإطلاق منصاته الثقافية والإعلامية من دول المحور.
ودائماً نذكّر بخصوصية هذا المشروع، عن رحلة التطبيع السيئ والمدان، وبأن هذا النوع الأخطر من التطبيع، يقول للناس إن الصهيونية حليف إنساني اقتصادي، يجب أن نتحد معه، أما فلسطين وشعوب الشام الكبير، فهم خصوم لأهل الخليج بحسب هذه الرؤية، وتُزرع مشاعر انفصالية عن الإسلام والعروبة، ليقدم الخليج العربي، أرضاً منزوعة القيم والتاريخ.
خلافاً لسجلها الفكري الإسلامي والعروبي، منذ فجر التاريخ الإسلامي، وجواثا عبد القيس، ومنذ دول المقاومة للهيمنة الغربية، منذ مطلع القرن السادس عشر، وصولاً إلى تعظيم وخصوصية فلسطين والقدس، وثوابتها الكبرى، في وجدان الشعب العربي في الخليج.
هنا برزت الصفحة الفكرية والإعلامية والثقافية، لازدواجية المشروع بين الأزمة الخليجية، وبين مشروع ترامب لتأميم القدس، لصالح الصهيونية العالمية، ومركزها في تل أبيب، لكن المشروع الأساس أنهى ترامب مهمته فيها، ويحتاج أن يتفرّغ لقضايا أخرى، وهو يُعاني من فشل وضغوط، وتصاعد الحملات الداخلية عليه.
وخاصة استخدام الأزمة الخليجية، وتذكير خصومه، بدوره بتهديد العالم بحرب خطيرة، في بحيرة النفط عند أول اندلاعها، وبالتالي يحتاج أن يُغلق هذا الملف، بعد عملية استحلاب اسطورية، سددتها حقوق الشعوب والأجيال في الخليج العربي، من ثروتها القومية.
هنا تبدو حسابات الوهم الجديد، في دول المحور، التي تعتقد أن تنسيقها مع كوشنير والفريق الإسرائيلي الخاص، سيضمن لها حلاً أفضل، يعوّض هذه الخسائر الكبرى للسمعة السياسية للرياض وأبوظبي، ومع أن الثانية تبزر لها انتكاسات كبيرة، في اليمن وليبيا والصومال، واصطدام فكري سياسي حسّاس مع عُمان، وهي تحت تهديد أي انفلات لمشروعها، في تحويل الجامية (الوهابية)، إلى ميليشيات عسكرية في اليمن وليبيا.
إلّا أن الرياض لا تزال تربط نفسها بمشروع أبوظبي، الذي ستحصد منه تل أبيب، ولن تُقدم أبداً للرياض أي مصالح استراتيجية، ولا خطط إنقاذ للتيه الخليجي الساذج، الذي يهدم بيديه كل فرصة لوقف الخسائر، ولا يزال كل خطابه السياسي، وروح نبض مثقفيه الإعلامي، محتبساً في القضية الصغيرة جدا.. جداً!، ومع ذلك لم يستطع أن يخرج منها نفسياً ولا سياسياً، بدلالة إعلامه الذاتي، ليبقى رهانه يهدد كيانه، في حسابات الوهم الإسرائيلي.
بقلم : مهنا الحبيل
يبدو الأمر هنا في حاجة، إلى مراجعة دقيقة، لفهم مسار هذه الجهود، وأين وصلت على واقع العلاقات السياسية المعقدة.
وربما قبل الاستطراد، التذكير بأن تسريب بعض المعلومات، وهو سياسة دبلوماسية وأعراف دولية، تهدف لإيجاد حلول أو اختراق جمود، في مسار أي أزمة يخوضها الوسطاء، وسبق أن تعاملت معه الكويت، في الأزمة الأكثر تعقيداً وخطورةً، منذ نشأة المجلس الخليجي، وربما منذ تحوّل دول الخليج العربي، إلى دول قُطرية مستقلة، ضمن مفهوم الأمم المتحدة وعضويتها الدائمة.
وبالتالي واجهت الكويت مواقف صعبة للغاية، في ظل إصرارها على خوض رحلة الوساطة، والتي تنبع في الأصل من أمنها القومي الذاتي، ثم بقية دول المجلس، ومستقبل وحدة الخليج العربي المنهارة كلياً، عبر قرار تفجير الأزمة الخليجية.
الأمر الذي لا بد من التوقف معه، هو تصريح د. عبداللطيف الزياني، بعد موت سريري في قضية الأزمة، وكأنما لم تبدأ جهود الشيخ صباح الأحمد، إلا في مايو الحالي، ولا يُمكن أبداً، أن يؤذن للأمين العام لمجلس التعاون، المجمدة مهمته أصلاً، من دول المحور، بالحديث عن الأزمة، دون توجيه مباشر من المنامة، والذي لا يُمكن أن يحصل دون استمزاج المنامة، لموقفي أبوظبي والرياض.
والذي فُهم منه في حينها، أن هناك رغبة جديدة كلياً، في التجاوب مع رسالة أمير الكويت الأخيرة، فلماذا توقف الحل وانتكست المهمة؟
يحتاج التعامل، مع تفاصيل تسريب الرأي الكويتية، إلى مسارين: مسار الخبر المباشر، بأن الرسالة الأخيرة، تواجه صعوبة ولم تجد تجاوباً، والثاني هو المعلومات التي برّرت بها المصادر، بل ونسبتها للأمير نفسه، في قضية الاستعجال بعد كل ذلك التأخر، والتي اعتمدت على 3 أضلاع:
1- الكويت تؤكد من جديد خطورة تأخير حل الأزمة، وبقاء التدخلات الدولية، والاستثمارات فيها قائماً يستنزف الجسم الخليجي.
2- أن انتظار حل دولي، وهنا إشارة كويتية، إلى قمة سبتمبر في واشنطن، ورفض إنجاز المصالحة، سوف يؤدي إلى رفع تكلفة الحل لحسابات خارجية إضافية.
3- إن موقف دول الخليج العربي، رغم كل الصراع، يواجه تقلبات كبيرة، في الوضع الإقليمي والدولي، وأن فواتير هذه التقلبات والتطورات، تضعف المجلس من جديد، وأن التوحد ضرورة مطلقة لمواجهة هذا التطورات.
هذه مجمل مفاهيم التسريبات التي أوصلت سريعاً، للرأي العام الكويتي والخليجي، وهو بلا شك مؤشّر إضافي، لتعقّد واقع الأرض السياسية، التي تعمل فيها الكويت، وظرفها الأمني والسياسي الخاص، وهي رسالة أُسندت بالموقف المستمر من الكويت، أنها ستواصل جهودها دون انقطاع.
وقد يكون الأمر بذاته، أي احتمال تحقيق اختراق وارداً، قبل قمة سبتمبر القادمة، وتأتي رسالة الشيخ صباح الجديدة، في ظل موقف أميركي جديد يعتبر داعم للحل، من خلال تأكيد وزير الخارجية الأميركي الجديد، ورسالته المباشرة، لدول المحور، بضرورة إنهاء الأزمة.
كمتطلب خاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، لفتح مرحلة شاملة، تحقق بعد خنق إيران السياسي، والوصول لاتفاق جديد، يُعزّز مصالح البيت الأبيض، ويُخرج ترامب منتصراً، في ملف الشرق الأوسط، بعد نجاح موقفه العدائي ضد المسلمين والعرب، في تشريع احتلال إسرائيل للقدس الشريف.
وهذه الحسابات الأميركية، ستظل تخضع لتطورات طويلة المدى، يتخذها الحلف الروسي الإيراني، وموقف بكين وأنقرة المساند لهما، ضمن صراع المحاور الكبرى، والشعور لدى كل هذه الأطراف، بأن مرحلة الزَبَد الأميركي، الذي قد يُغيّر المعادلة نسبياً في صراع المحاور، سينتهي ويعود هذا التحالف الجديد للتمدد، والجهة الوحيدة الأكثر كسباً، التي لن تخسر شيئاً، هي إسرائيل ومشروعها الغاصب الاستيطاني، ورحلة مصادرتها للأوقاف الإسلامية في القدس الشريف.
هنا يبرز لنا مسار التيه المتجدد للمحور الخليجي، فهناك فوضى وشخصانية نفسية متوترة، ترفض تصحيح التعامل مع الواقع السياسي، الذي أنتجته الأزمة الخليجية، وتصّر على المراهنة، على الموقف الجديد مع تل أبيب، وتقارب دول المحور معها، والحفاظ على حيوية هذا الموقف، رغم الاعتداء التاريخي على الأقصى، والقصف المتوحش على المحتجين المدنيين في غزة.
إن الصفحات الأخيرة لمشهد الشرق الأوسط، رَبط بالفعل ذلك السياق، الذي تحدثنا عنه عند مطلع الأزمة، بين مشروع التقدم الإسرائيلي، لمصادرة الحق الإسلامي والعربي، وخنق أي روح فلسطينية مقاومة، وبين الأزمة الخليجية، وتركيز مشروع تطبيع الصهيونية، في الخليج العربي، وإطلاق منصاته الثقافية والإعلامية من دول المحور.
ودائماً نذكّر بخصوصية هذا المشروع، عن رحلة التطبيع السيئ والمدان، وبأن هذا النوع الأخطر من التطبيع، يقول للناس إن الصهيونية حليف إنساني اقتصادي، يجب أن نتحد معه، أما فلسطين وشعوب الشام الكبير، فهم خصوم لأهل الخليج بحسب هذه الرؤية، وتُزرع مشاعر انفصالية عن الإسلام والعروبة، ليقدم الخليج العربي، أرضاً منزوعة القيم والتاريخ.
خلافاً لسجلها الفكري الإسلامي والعروبي، منذ فجر التاريخ الإسلامي، وجواثا عبد القيس، ومنذ دول المقاومة للهيمنة الغربية، منذ مطلع القرن السادس عشر، وصولاً إلى تعظيم وخصوصية فلسطين والقدس، وثوابتها الكبرى، في وجدان الشعب العربي في الخليج.
هنا برزت الصفحة الفكرية والإعلامية والثقافية، لازدواجية المشروع بين الأزمة الخليجية، وبين مشروع ترامب لتأميم القدس، لصالح الصهيونية العالمية، ومركزها في تل أبيب، لكن المشروع الأساس أنهى ترامب مهمته فيها، ويحتاج أن يتفرّغ لقضايا أخرى، وهو يُعاني من فشل وضغوط، وتصاعد الحملات الداخلية عليه.
وخاصة استخدام الأزمة الخليجية، وتذكير خصومه، بدوره بتهديد العالم بحرب خطيرة، في بحيرة النفط عند أول اندلاعها، وبالتالي يحتاج أن يُغلق هذا الملف، بعد عملية استحلاب اسطورية، سددتها حقوق الشعوب والأجيال في الخليج العربي، من ثروتها القومية.
هنا تبدو حسابات الوهم الجديد، في دول المحور، التي تعتقد أن تنسيقها مع كوشنير والفريق الإسرائيلي الخاص، سيضمن لها حلاً أفضل، يعوّض هذه الخسائر الكبرى للسمعة السياسية للرياض وأبوظبي، ومع أن الثانية تبزر لها انتكاسات كبيرة، في اليمن وليبيا والصومال، واصطدام فكري سياسي حسّاس مع عُمان، وهي تحت تهديد أي انفلات لمشروعها، في تحويل الجامية (الوهابية)، إلى ميليشيات عسكرية في اليمن وليبيا.
إلّا أن الرياض لا تزال تربط نفسها بمشروع أبوظبي، الذي ستحصد منه تل أبيب، ولن تُقدم أبداً للرياض أي مصالح استراتيجية، ولا خطط إنقاذ للتيه الخليجي الساذج، الذي يهدم بيديه كل فرصة لوقف الخسائر، ولا يزال كل خطابه السياسي، وروح نبض مثقفيه الإعلامي، محتبساً في القضية الصغيرة جدا.. جداً!، ومع ذلك لم يستطع أن يخرج منها نفسياً ولا سياسياً، بدلالة إعلامه الذاتي، ليبقى رهانه يهدد كيانه، في حسابات الوهم الإسرائيلي.
بقلم : مهنا الحبيل