قال علي بن أبي حرارة: كانت أمي مقعدة نحو عشرين سنة، فقالت لي يوما: اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو الله لي، فإنه رجل مبارك!فسرت إليه وطرقت بابه، فلم يفتح، وإنما قال وهو في بيته: من هذا؟فقلت: رجل من بغداد، سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك أن تدعو الله لها!فسمعته كالغضبان يقول: نحن أحوج إلى الدعاء من أمك!فوقفت لا أدري ما أفعل، فخرجت امرأة عجوز من الدار وقالت: أنت الذي كلمت أبا عبدالله؟قلت: نعم.قالت: اذهب فإني سمعته يدعو لأمك!فعدت إلى البيت، وطرقت الباب، فخرجت أمي تمشي على رجليها وفتحت لي الباب وقالت: أما قلت لك إنه رجل مبارك؟!الصالحون بركة، محبتهم تقرب إلى الله تعالى، وتوقيرهم عبادة، وطلب الدعاء منهم من باب استعطاف الله بأحبابه، وقد كان أحمد بن حنبل من أهل الله وأحبابه، به حفظ شرعه، وثبت ملته، وهذا ليس إلا إحدى بركاته!جاءه رجل من الشام وقد كانت أرض ثغور وجهاد، وكان الإمام قد منع من الحديث والتدريس والخروج إلى الصلاة، فقال له: ما أكثر الداعين لك يا إمام!فقال له أحمد: أسأل الله أن لا يكون فتنة لنا، ولكن بم ذاك؟فقال له: كنا إذا نصبنا المجانيق، ورمينا العدو، فأخطأنا، نرمي في المرة الثانية ونقول: اللهم هذا عن أحمد بن حنبل! فنصيب!نحب الصالحين، بلا إفراط ولا تفريط، لا نغالي فيهم، ولا نهضمهم حقهم، وسطية سمحاء بين بين!وقد خرج عمر بن الخطاب يوما للاستسقاء، فنادى على العباس بن عبدالمطلب، وجعله جنبه وقال: اللهم إنا كنا نستسقي بنبيك، وها نحن نستسقي بعم نبيك!أما متى ما مات الصالحون فلا تقصد قبورهم للاستشفاء، ولا طلب المعونة، والاستسقاء فهذا من الشرك أعاذنا الله وإياكم منه!تقربوا من الصالحين، أحبوهم، ووقروهم، وسلوهم الدعاء بما تظنون أن الصالح حبيب الله، ثم إن الأمر كله لله، إن شاء أعطى وإن شاء منع، وإنه لا مكره له، ولكن الدعاء سبب!