+ A
A -
يقولُ ابن القيم في الجزء الثالث من بدائع الفوائد:
شجرة الصنوبر تثمرُ في ثلاثين سنة، وشجرة الدُّباء/ القرع تصعد في أسبوعين فتقول للصنوبرة: إنَّ الطريق التي قطعتِها في ثلاثين سنة، قطعتها أنا في أسبوعين!
ويُقال لي: شجرة… ولكِ: شجرة!
فقالت لها الصنوبرة: مهلاً حتى تهبَّ رياح الخريف!
كانتْ هذه القصة الرمزية أول ما خطر لي عندما رأيتُ عمرو خالد يخبرنا في إعلانه مدفوع الأجر أنَّ «دجاج الوطنية» طريقنا إلى الجنة! فالحكواتي الذي حسبه الناس داعية، ليس إلا كشجرة الدُّباء التي نمتْ سريعاً فغرَّها نموها حتى حسبتْ نفسها نداً للصنوبرة! ولكن يأبى الله إلا أن يحقّ الحق، فلما أتت ريح الخريف، بقيتْ الصنوبرة شامخة لأنها بقدر ما كانت تصعد في الجو كانت تغرس جذورها عميقاً في الأرض، أما شجرة الدباء فسقطتْ سقوطاً مدوياً، هكذا هي نهاية الصعود الأجوف!
فالحكواتي الذي باركته الأنظمة، وربته أقبية المخابرات، لم يسقط في إعلان دجاج، لقد سقط قبل هذا بكثير عندما اختار أن يُلمع أحذية العسكر، ويقف مع الدبابة والبندقية، ويفتي بسفك دماء أهل رابعة، وأهل رابعة اتفقنا معهم أو اختلفنا في السياسة، فما نختلفُ في إسلامهم، وما يزال المرء في بحبوحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً، وليس بالضرورة أن يصيب المرءُ دماً حراماً بيديه، فقد يصيبه بفتواه وتحريضه!
طبعاً من حق عمرو خالد كغيره من الكائنات أن يُقدم إعلاناً تجارياً يتقاضى مقابله أجراً، ليس في الأمر منقصة، ولا سُبة، ولكن المنقصة والسُبة أن يحدثنا عن دجاج الوطنية بنفس الحماس الذي كان يحدثنا فيه عن غزوة الخندق، ويخبرنا أن الارتقاء بالجسد والنبض لن يتم إلا مع خلطة الأخت آسيا وتتبيلتها التي تزيد منسوب الإيمان في الجسم، وأن دجاج الوطنية المبارك يعين على الصلاة والقيام ويقربنا إلى الله! ولم يبقَ إلا أن يخبرنا الحكواتي أن تناول دجاج الوطنية من شروط صحة الصيام، وأن من لا دجاج له لا صيام له!
قديماً قال ابن رشد: التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشرُ فيها الجهل، وإذا أردتَ أن تتحكم بجاهل فعليكَ أن تُغلف كل باطل بغلاف ديني!
ولكن سُنة الله في الكون أن يُسقط الباطل بضربة قاسمة، ويزيل عنه مرة واحدة كل مساحيق التقوى التي أفنى عمره يتستر وراءها ويخفي قبح وجهه الحقيقي، ما أهون الناس على الله إذا شاء أن يفضحهم ويزيل أقنعتهم، ما أهونك على الله إذا سحبَ عنك غطاء ستره، ورماك بألسنِ مصدقيك قديماً، وحرمك البصيرة والوعي، وسلط عليكَ نفسك التي كنتَ تحسبُ أنك مخفيها أبد الدهر، وأبدلك بعد الشهرة وضاعة حتى هُنتَ في أعين الناس، وما أرحم الله إذ يقلب الأيام، ويُظهر فيها الفتن ليمتاز الناس، ويبين الخبيث من الطيب، ويعرف الناس الداعية من الطبال!
بقلم : أدهم شرقاوي
شجرة الصنوبر تثمرُ في ثلاثين سنة، وشجرة الدُّباء/ القرع تصعد في أسبوعين فتقول للصنوبرة: إنَّ الطريق التي قطعتِها في ثلاثين سنة، قطعتها أنا في أسبوعين!
ويُقال لي: شجرة… ولكِ: شجرة!
فقالت لها الصنوبرة: مهلاً حتى تهبَّ رياح الخريف!
كانتْ هذه القصة الرمزية أول ما خطر لي عندما رأيتُ عمرو خالد يخبرنا في إعلانه مدفوع الأجر أنَّ «دجاج الوطنية» طريقنا إلى الجنة! فالحكواتي الذي حسبه الناس داعية، ليس إلا كشجرة الدُّباء التي نمتْ سريعاً فغرَّها نموها حتى حسبتْ نفسها نداً للصنوبرة! ولكن يأبى الله إلا أن يحقّ الحق، فلما أتت ريح الخريف، بقيتْ الصنوبرة شامخة لأنها بقدر ما كانت تصعد في الجو كانت تغرس جذورها عميقاً في الأرض، أما شجرة الدباء فسقطتْ سقوطاً مدوياً، هكذا هي نهاية الصعود الأجوف!
فالحكواتي الذي باركته الأنظمة، وربته أقبية المخابرات، لم يسقط في إعلان دجاج، لقد سقط قبل هذا بكثير عندما اختار أن يُلمع أحذية العسكر، ويقف مع الدبابة والبندقية، ويفتي بسفك دماء أهل رابعة، وأهل رابعة اتفقنا معهم أو اختلفنا في السياسة، فما نختلفُ في إسلامهم، وما يزال المرء في بحبوحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً، وليس بالضرورة أن يصيب المرءُ دماً حراماً بيديه، فقد يصيبه بفتواه وتحريضه!
طبعاً من حق عمرو خالد كغيره من الكائنات أن يُقدم إعلاناً تجارياً يتقاضى مقابله أجراً، ليس في الأمر منقصة، ولا سُبة، ولكن المنقصة والسُبة أن يحدثنا عن دجاج الوطنية بنفس الحماس الذي كان يحدثنا فيه عن غزوة الخندق، ويخبرنا أن الارتقاء بالجسد والنبض لن يتم إلا مع خلطة الأخت آسيا وتتبيلتها التي تزيد منسوب الإيمان في الجسم، وأن دجاج الوطنية المبارك يعين على الصلاة والقيام ويقربنا إلى الله! ولم يبقَ إلا أن يخبرنا الحكواتي أن تناول دجاج الوطنية من شروط صحة الصيام، وأن من لا دجاج له لا صيام له!
قديماً قال ابن رشد: التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشرُ فيها الجهل، وإذا أردتَ أن تتحكم بجاهل فعليكَ أن تُغلف كل باطل بغلاف ديني!
ولكن سُنة الله في الكون أن يُسقط الباطل بضربة قاسمة، ويزيل عنه مرة واحدة كل مساحيق التقوى التي أفنى عمره يتستر وراءها ويخفي قبح وجهه الحقيقي، ما أهون الناس على الله إذا شاء أن يفضحهم ويزيل أقنعتهم، ما أهونك على الله إذا سحبَ عنك غطاء ستره، ورماك بألسنِ مصدقيك قديماً، وحرمك البصيرة والوعي، وسلط عليكَ نفسك التي كنتَ تحسبُ أنك مخفيها أبد الدهر، وأبدلك بعد الشهرة وضاعة حتى هُنتَ في أعين الناس، وما أرحم الله إذ يقلب الأيام، ويُظهر فيها الفتن ليمتاز الناس، ويبين الخبيث من الطيب، ويعرف الناس الداعية من الطبال!
بقلم : أدهم شرقاوي