الحياة سلسلة من المواقف والتجارب المتنوعة، تأخذنا من محطة إلى أخرى، ومن واقع إلى آخر يفرض علينا أحياناً، أو نصنعه بإرادتنا الحرة حيناً آخر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل بإمكاننا التحكم بالواقع فعلاً؟ أم نحن مجرد دمى تحركها الحياة كيفما تشاء؟
جرب أن تترك كل شيء بين يديك الآن، واجلس في مكان هادئ حيث لا ضوضاء ولا مشتتات، ثم أغمض عينيك لبعض الوقت، وابدأ في تذكر بعض أحداث الماضي. هل تشعر بالندم على أشياء لم تقم بفعلها سابقاً؟ أو بالندم لأنك فعلت شيئاً خاطئاً؟ هل تشعر بأن الزمن لو عاد بك إلى لحظة معينة أو موقف محدد، وأنت تحمل نفس درجة الوعي اليوم، فإنك دون شك ستتصرف بطريقة مغايرة؟
إذاً، وبعيداً عن النقاش الفلسفي الأزلي حول ما إذا كان الإنسان مخيراً أو مسيراً، يبدو أن كثيراً من أحداث الحياة وتجاربها يمكن أن تتغير تبعاً لنضوجنا الفكري والروحي. صحيح أن بعض الناس لا يتعلمون من أخطائهم، لكن من ناحية أخرى هناك عشرات الأشخاص حول العالم تعلموا من أخطاء الماضي، ولو عاد بهم الوقت إلى نقطة فارقة في حياتهم الماضية، دون أن يفقدوا عقلية الحاضر، فإنهم سيتصرفون بشكل مختلف كلياً. وهذا يعني قدرة الإنسان على إحداث التغيير.
كما أن الحياة مليئة بقصص الناجحين ممن بدأ بعضهم حياته بسلسلة من الإخفاقات المتلاحقة، والفشل المتكرر؛ إلا أنهم انقلبوا رأساً على عقب من أشخاص سلبيين فاشلين إلى أناس إيجابين ناجحين. كيف حدث ذلك؟ حدث بسبب قدرة الإنسان على صناعة أحداث حياته وواقعه، وإن لم يكن كلها.
يظن المثاليون أن بوسع المرء خلق واقعه بالكامل، لكن هذه النظرة تائهة مشوهة، لا تدرك من الحقيقة سوى نصفها. صحيح أن التاريخ يؤكد على صحة الاعتقاد الذي يؤمن به الكثيرون بأن الإنسان سيد أفكاره ومشاعره، وبأن النجاح يمكن أن يخرج إلى النور من أكثر الأماكن ظلمة وفقراً، ومن أكثر الأشخاص دونية في نظر المجتمع؛ لكن الإفراط في تصوير الإنسان على أنه سوبرمان (مع أن الأخير بحسب الأفلام ومسلسلات الأنيمي، لا يمكنه فعل كل شيء، ولديه نقاط ضعف) خطأ يجعلنا نلقي اللوم على أنفسنا تجاه أدنى خطأ نرتكبه، أو فشل نواجهه، أو عقبة تعترض طريقنا؛ مما يسلبنا الإرادة، والقدرة على التغيير، وتقبل الواقع المفروض علينا بعض الأحيان.
لا شك أبداً أن الإنسان مصنع مفاجآت، وصانع معجزات؛ لأنه من روح الله خالق كل شيء. لكنه يبقى في النهاية كائناً يطارد أخيلة الكمال دون أن يلحقها، ولا يملك زمام حياته برمتها، وإن كان قادراً على إحداث تغييرات عظيمة في كافة مناحيها. لهذا فإن محاولة إصلاح الأشياء التي تقع خارج نطاق قدرتنا على التغيير، لا تجلب لنا سوى الخيبة والانكسار.
حين تتعرض إلى أحداث لا يمكن إصلاحها مهما بذلت من جهد، لأنها أساساً من الأشياء التي لا يمكن لأحد التحكم بها؛ تقبل واقعك بصدر رحب، وإيمان بأن الظروف الصعبة يمكن أن تكون اختباراً من الله، وتدريباً لشحذ همتك أكثر، وتقوية عزيمتك، وإعدادك لمستقبل أفضل.
كثيرة هي الأشياء التي لا نستطيع إصلاحها في هذا العالم، ولا يجب علينا أن نرهق أنفسنا بالتفكير فيها. وهنا علينا أن نتقبلها، ونؤمن بأن الله يصلح بقدرته ما يشاء، مع بذل أقصى جهدنا لفعل ما نستطيعه بدلاً من الاستسلام بحجة أن الأمور خارجة عن السيطرة كلياً.
اعمل على ما تستطيع تغييره، وتقبل ما لا تستطيع تغييره، وابذل جهدك في كلتا الحالتين؛ حتى تخرج بأفضل نتيجة ممكنة. فلكل مجتهد نصيب، ومن جد وجد.www.hamadaltamimiii.com