+ A
A -
يُعتبر كتاب «كليلة ودمنة» كتاباً سياسياً بامتياز، فهو وإن كانت قصصه تدور على ألسنة الطير والحيوان والهوام، إلا أنها أبعد من هذا أثراً، وأعلى بلاغة، وأعمق معنى في باطنها مما هي في ظاهرها، وقد أبدع «ابن المُقفّع» في اختيار أبطال قصصه بحيث جعلها رموزاً يمكن إسقاطها على البشر في المجتمعات الإنسانية، وكثير من أحداث القصص التي رواها لنا ابن المقفع تدور في الغابات وعند ضفاف الأنهار وفوق التلال إنما يدور مثله في البيوت والأسواق والطرقات والوزارات وقصور الحكام!
ومن القصص التي يُخبرنا بها ابن المقفع قصة «الحمار والبردعة»... والحمار غنيٌ عن التعريف، أما البردعة فهي ما يُشبه السرج الذي يوضع على ظهره، والقصة بلا طول سيرة أن حماراً لبّاطاً كثير الأذى، كلما دخل السوق رفس هذا وعض ذاك، وطرح كل من في طريقه أرضاً، ولم يكن الحمار يكتفي بذلك بل كان يتلفُ بسطات الباعة، ويكسر جرار الفخارين، ويأكل خضراوات البائعين! وكان أهل السوق ينهالون على بردعته بالضرب المبرح، نافثين فيها تبرمهم، صابين عليها جام غضبهم، فلما رأوا أن هذا الحمار لم يغير من طبعه المؤذي توصلوا إلى أن لا حل لهم مع الحمار إلا في تغيير بردعته، لعل وعسى! ومن هذه القصة اشتقَّ إخوتنا المصريون مثلهم العامي «سابوا الحمار ومسكوا في البردعة»!
وعلى ما يبدو أن أهل السوق في كليلة ودمنة كانوا أجداداً لنا نحن العرب ومنهم ورثنا استراتيجية ترك الحمير والإمساك بالبرادع! فبينما نحن جلوس بأمان الله ننتظرُ أذان المغرب إذ طلعت علينا جامعة الدول العربية وأخبرتنا أنها قطعت علاقاتها مع «غواتيمالا» لأنها حذتْ حذو أميركا ونقلتْ سفارتها إلى القدس! وكلنا نعرف أن غواتيمالا ليست إلا بردعة، ومنا أشخاص لم يسمعوا بغواتيمالا أصلاً! فلماذا نرى هذه الشجاعة على البردعة ولا نراها على الحمار؟! ليست غواتيمالا هي التي تحدت العالم ونقلت سفارتها إلى القدس رغما عن أنف هذا الكوكب، أميركا هي التي فعلت، كان يجب قطع العلاقات مع الحمار الذي يرفسنا ليل نهار، يفسد الزرع، ويكسر الجرار، ويّغيّر حدود البلدان، ويُنصّب ويعزل الحُكّام!
نحن سُكان هذا الوطن العربي نعرف وضع الجامعة العربية المزري، الذي هو انعكاس لوضع العرب المخزي، ولكننا أقنعنا أنفسنا أن الجامعة ماتت، وأنها رحمها الله كانت تشجب وتستنكر وتدين يوم كانت حيّة في غرفة الإنعاش! ولا حاجة لنا اليوم في أن يُخبرونا في قنوات الأخبار أن الجامعة العربية لم تمت، ولا داعي أن يبيعونا تصرفها هذا على أنه موقف رجولي، هذه رجولة منقوصة، ستصبحون رجالاً عندما تضربوا الحمار مباشرة، أما استعراض العضلات على البرادع فيشبه تصرف الزوج الذليل الذي يضربه كل سكان المدينة ويأتي آخر الليل ليضرب هو زوجته تعويضاً عن رجولته المفقودة!
بقلم : أدهم شرقاوي
ومن القصص التي يُخبرنا بها ابن المقفع قصة «الحمار والبردعة»... والحمار غنيٌ عن التعريف، أما البردعة فهي ما يُشبه السرج الذي يوضع على ظهره، والقصة بلا طول سيرة أن حماراً لبّاطاً كثير الأذى، كلما دخل السوق رفس هذا وعض ذاك، وطرح كل من في طريقه أرضاً، ولم يكن الحمار يكتفي بذلك بل كان يتلفُ بسطات الباعة، ويكسر جرار الفخارين، ويأكل خضراوات البائعين! وكان أهل السوق ينهالون على بردعته بالضرب المبرح، نافثين فيها تبرمهم، صابين عليها جام غضبهم، فلما رأوا أن هذا الحمار لم يغير من طبعه المؤذي توصلوا إلى أن لا حل لهم مع الحمار إلا في تغيير بردعته، لعل وعسى! ومن هذه القصة اشتقَّ إخوتنا المصريون مثلهم العامي «سابوا الحمار ومسكوا في البردعة»!
وعلى ما يبدو أن أهل السوق في كليلة ودمنة كانوا أجداداً لنا نحن العرب ومنهم ورثنا استراتيجية ترك الحمير والإمساك بالبرادع! فبينما نحن جلوس بأمان الله ننتظرُ أذان المغرب إذ طلعت علينا جامعة الدول العربية وأخبرتنا أنها قطعت علاقاتها مع «غواتيمالا» لأنها حذتْ حذو أميركا ونقلتْ سفارتها إلى القدس! وكلنا نعرف أن غواتيمالا ليست إلا بردعة، ومنا أشخاص لم يسمعوا بغواتيمالا أصلاً! فلماذا نرى هذه الشجاعة على البردعة ولا نراها على الحمار؟! ليست غواتيمالا هي التي تحدت العالم ونقلت سفارتها إلى القدس رغما عن أنف هذا الكوكب، أميركا هي التي فعلت، كان يجب قطع العلاقات مع الحمار الذي يرفسنا ليل نهار، يفسد الزرع، ويكسر الجرار، ويّغيّر حدود البلدان، ويُنصّب ويعزل الحُكّام!
نحن سُكان هذا الوطن العربي نعرف وضع الجامعة العربية المزري، الذي هو انعكاس لوضع العرب المخزي، ولكننا أقنعنا أنفسنا أن الجامعة ماتت، وأنها رحمها الله كانت تشجب وتستنكر وتدين يوم كانت حيّة في غرفة الإنعاش! ولا حاجة لنا اليوم في أن يُخبرونا في قنوات الأخبار أن الجامعة العربية لم تمت، ولا داعي أن يبيعونا تصرفها هذا على أنه موقف رجولي، هذه رجولة منقوصة، ستصبحون رجالاً عندما تضربوا الحمار مباشرة، أما استعراض العضلات على البرادع فيشبه تصرف الزوج الذليل الذي يضربه كل سكان المدينة ويأتي آخر الليل ليضرب هو زوجته تعويضاً عن رجولته المفقودة!
بقلم : أدهم شرقاوي