+ A
A -
غلت الدماء في العروق وملأ الحزن القلوب فالشهيد الذي قتل في حادث سير هو ابن أختي الأكبر ووالده جمال حبيب الأمير من وجهاء عشيرة الإمارة من البرج في فلسطين المحتلة وإخوانه منهم المحامي والمهندس ورجل الأعمال والمحاسب.. لكن القتل حتى ولو في حادث مرور يبعث الغضب في النفوس التي يصدمها الحادث. حيث تتدخل الدولة الأردنية فورا لمنع وقوع ما لا يحمد عقباه.. فيتم حجز مرتكب الحادث.. لتبدأ الوساطات العشائرية لتهدأ النفوس ويعم السلام بين العشيرتين.
ولم أدر كيف وصلت إلى عمان قادما من الدوحة بعد سماعي نبأ وفاة قرة عيني في طفولته وشبابه ابن اختي.. لأجد والده محتسبا عند الله يحف به أبناؤه وعشيرته وأصدقاؤه وأصدقاء وزملاء الشهيد الذين كانوا يتحدثون عن مناقبه ودمه النازف الرطب حتى في قبره وأجد شقيقتي محتسبة تحف بها عماته وخالاته والجارات ونساء القبيلة.
حبست دمعي أمام المشهد الجلل فالشهيد خالد وسماه والده بهذا الاسم تيمنا بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. كان صائما وعائدا للإفطار فيسبق الاجل افطاره وبعد ثلاثة ايام في الإنعاش صعدت روحه إلى بارئها.. لتبدأ الظنون عند أهل السائق.. ولم يطفئ هذه الظنون الا الصلح العشائري.
ومع أن القانون العشائري أُلغي في الأردن سنة 1976، لا يزال حاضراً وبقوة على الصعيد الاجتماعي، وتحديداً في الجرائم الواقعة على الأرواح والعرض. هذا الحضور يبرره خبراء «بطبيعة المجتمع الأردني الذي تعد العشائر مكوناً أساسياً فيه، إلى جانب دعم الدولة لهذه المنظومة العشائرية، باعتبارها مساعدة للدولة على حل المشاكل والحفاظ على الأمن المجتمعي».
فكان بالفعل هذا ما ساهم في تهدئة النفوس.. حيث كانت العطوة الأولى قبل الوفاة ويطلق عليها «عطوة حي» ويكتب فيها صك يقدم للمحافظ بما يشير إلى هدوء النفوس وتفضيل الصلح على العداء.. وبعد وفاته طلب اهل الجاني «عطوة ميت» لان عطوة الحي تلغي مع وفاة المصاب.
جاءت عشيرة الجاني.. وعلى وجوهم رسمت علامات تساؤل.. ماذا ستطلب عشيرة المجني عليه؟ وهل سيقع الصلح.. وهل سيضعون شروطا.. الخ. وهنا تظهر براعة قاضي الصلح وكان النائب السابق في البرلمان الأردني السيد سالم الهدبان الدعجة فارس من فرسان قضاة العشائر متمكن من لغته مستوعبا لعادات وتقاليد العشائر واضحا جريئا مع الحق لكن فكره وعقله مظلة للباحثين عن الأمان والسلام.. فاستطاع ان يجمع العشيرتين تحت هذه المظلة.. لكن عشيرة الجاني تبقى في رعب من صدور حكم يقضي بأمر صعب كما في أحكام سابقة.
ففي العام 2016، صدر قرار من أحد القضاة العشائريين بالحكم على شاب بقطع لسانه بعد تحرشه اللفظي بفتاة. حكم استبدله القاضي نفسه بعدما دفع المتحرش مبلغ 40 ألف دينار أردني ومصادرة سيارته.
وقبل نحو خمسة أعوام، أصدر قاضٍ عشائري حكماً بقطع لسان أحد أعضاء مجلس النواب، يدعى محمد الدوايمة بعد أن تعدى لفظياً على زميلته هند الفايز. ولم يتم حل الإشكالية إلا بعد تدخل رئيس مجلس الأعيان حينها طاهر المصري.
فالرعب ظهر على وجوه عشيرة الجاني حتى أعطى القاضي الكلمة لوالد الشهيد.. كلمة كانت مؤثرة هو من فقد فلذة كبده ويقدم درسا مهما من دروس الاخلاق العشائرية حين أعاد الفلوس إلى اهل الجاني وقبل الصلح ليعم السلام بين العشيرتين.. ويؤكد اخلاق وأهمية العشيرة في الصلح والامن الاجتماعي في هذا النسيج من التكوين الأردني الذي يحرص كل النشامى رغم كل الضغوط الاقتصادية ان يبقى الأردن كما كان وسيبقى وطن أمن وسلام..
كلمة مباحة
والرُّوحُ فيكَ وديعـةٌ أودعتَهـا
ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَـبُ
بقلم : سمير البرغوثي
ولم أدر كيف وصلت إلى عمان قادما من الدوحة بعد سماعي نبأ وفاة قرة عيني في طفولته وشبابه ابن اختي.. لأجد والده محتسبا عند الله يحف به أبناؤه وعشيرته وأصدقاؤه وأصدقاء وزملاء الشهيد الذين كانوا يتحدثون عن مناقبه ودمه النازف الرطب حتى في قبره وأجد شقيقتي محتسبة تحف بها عماته وخالاته والجارات ونساء القبيلة.
حبست دمعي أمام المشهد الجلل فالشهيد خالد وسماه والده بهذا الاسم تيمنا بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. كان صائما وعائدا للإفطار فيسبق الاجل افطاره وبعد ثلاثة ايام في الإنعاش صعدت روحه إلى بارئها.. لتبدأ الظنون عند أهل السائق.. ولم يطفئ هذه الظنون الا الصلح العشائري.
ومع أن القانون العشائري أُلغي في الأردن سنة 1976، لا يزال حاضراً وبقوة على الصعيد الاجتماعي، وتحديداً في الجرائم الواقعة على الأرواح والعرض. هذا الحضور يبرره خبراء «بطبيعة المجتمع الأردني الذي تعد العشائر مكوناً أساسياً فيه، إلى جانب دعم الدولة لهذه المنظومة العشائرية، باعتبارها مساعدة للدولة على حل المشاكل والحفاظ على الأمن المجتمعي».
فكان بالفعل هذا ما ساهم في تهدئة النفوس.. حيث كانت العطوة الأولى قبل الوفاة ويطلق عليها «عطوة حي» ويكتب فيها صك يقدم للمحافظ بما يشير إلى هدوء النفوس وتفضيل الصلح على العداء.. وبعد وفاته طلب اهل الجاني «عطوة ميت» لان عطوة الحي تلغي مع وفاة المصاب.
جاءت عشيرة الجاني.. وعلى وجوهم رسمت علامات تساؤل.. ماذا ستطلب عشيرة المجني عليه؟ وهل سيقع الصلح.. وهل سيضعون شروطا.. الخ. وهنا تظهر براعة قاضي الصلح وكان النائب السابق في البرلمان الأردني السيد سالم الهدبان الدعجة فارس من فرسان قضاة العشائر متمكن من لغته مستوعبا لعادات وتقاليد العشائر واضحا جريئا مع الحق لكن فكره وعقله مظلة للباحثين عن الأمان والسلام.. فاستطاع ان يجمع العشيرتين تحت هذه المظلة.. لكن عشيرة الجاني تبقى في رعب من صدور حكم يقضي بأمر صعب كما في أحكام سابقة.
ففي العام 2016، صدر قرار من أحد القضاة العشائريين بالحكم على شاب بقطع لسانه بعد تحرشه اللفظي بفتاة. حكم استبدله القاضي نفسه بعدما دفع المتحرش مبلغ 40 ألف دينار أردني ومصادرة سيارته.
وقبل نحو خمسة أعوام، أصدر قاضٍ عشائري حكماً بقطع لسان أحد أعضاء مجلس النواب، يدعى محمد الدوايمة بعد أن تعدى لفظياً على زميلته هند الفايز. ولم يتم حل الإشكالية إلا بعد تدخل رئيس مجلس الأعيان حينها طاهر المصري.
فالرعب ظهر على وجوه عشيرة الجاني حتى أعطى القاضي الكلمة لوالد الشهيد.. كلمة كانت مؤثرة هو من فقد فلذة كبده ويقدم درسا مهما من دروس الاخلاق العشائرية حين أعاد الفلوس إلى اهل الجاني وقبل الصلح ليعم السلام بين العشيرتين.. ويؤكد اخلاق وأهمية العشيرة في الصلح والامن الاجتماعي في هذا النسيج من التكوين الأردني الذي يحرص كل النشامى رغم كل الضغوط الاقتصادية ان يبقى الأردن كما كان وسيبقى وطن أمن وسلام..
كلمة مباحة
والرُّوحُ فيكَ وديعـةٌ أودعتَهـا
ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَـبُ
بقلم : سمير البرغوثي