كثيراً ما نظن وكأن كل شيء في العالم الخارجي يتآمر ضدنا، وأن الحياة قاسية لا ترحم، والظروف المحيطة تعيق تقدمنا وتقف حجر عثرة في طريق نجاحنا وسعادتنا. أشخاص كثيرون في العالم يعلّقون سبب إخفاقاتهم المتكررة وتعاستهم المستمرة على شماعة الظروف الخارجية والناس من حولهم. فهل صحيح أن الإخفاق والكآبة صناعة خارجية، ولا يد لنا فيها؟ أم نحن أصحاب القرار والنتائج؟
في الحقيقة، إذا تتبعت التاريخ وسير حياة الناجحين والفاشلين على حد سواء، فستكتشف حقيقة جلية كالشمس؛ ألا وهي أن الإنسان هو صانع مصيره بقطع النظر عما يجري حوله. صحيح أن العوامل الخارجية المختلفة تلعب دوراً كبيراً في حياتنا، لكنها ليست الحكم الأخير.
عشرات الأشخاص الذين أصبحوا علماء ومخترعين ورواد نجاح منذ بزوغ فجر البشرية وحتى اليوم، ولدوا داخل أسر فقيرة شبه معدمة، تعيش وسط ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية صعبة، بيد أنهم استطاعوا تخطي العقبات، وتجاوز التحديات حتى بلغوا أعلى مراتب النجاح. بينما هناك في المقابل مئات الأشخاص الذين ولدوا ضمن عائلات غنية حيث تتوفر كل سبل الراحة، وورثوا ثروات طائلة، إلا أنهم بددوا كل ما بأيديهم بسبب سوء إدارتهم للمال، وشكواهم المستمرة بالرغم من أن أحوالهم أفضل ألف مرة من غيرهم.
كل هذا يعني بيئتك المحيطة، وضعك الأسري والاجتماعي والمادي لا يمكن أن يقف حائلاً بينك وبين تحقيق ما تريده، إن أنت آمنت بذاتك وبقدرتك على الوصول إلى حيث تريد، ولم تتذرع بحجج واهية لتبرير إخفاقك وتقاعسك عن بذل الجهد اللازم في سبيل أحلامك، بل قدمت الغالي والرخيص في سبيل ما تريده.
إن الفرق بين الناجح وغير الناجح، هو أن الأول يتحمل مسؤولية حياته ومصيره، ويصبر على الظروف الصعبة، لأن لديه أحلاماً عظيمة وأهدافاً تطاول عنان السماء. إن الرغبة الجامحة التي يمتلكها تجاه ما يريده تذلل كل الصعوبات، أما الإرادة التي يتمتع بها فكفيلة بتحطيم كل الحواجز التي تعترضه وصولاً إلى حيث ينشد؛ بينما تجد الثاني دائم الشكوى والتذمر من كل شيء، لا يتحمل مسؤولية أي نتيجة يحصدها في حياته، بل يلقي باللائمة على الآخرين، وأوضاع البلد الاقتصادية، والبيئة التي نشأ فيها أو سوق العمل وما شاكل ذلك. المهم أنه دائماً وأبداً لا ينظر إلى نفسه في المرآة ليرى عيوبه وأخطاءه، بل يحمل كل شيء خارج نطاق ذاته المسؤولية فيما آل إليه حاله، الأمر الذي يجعله يدور في دوامة مفرغة من التعاسة والفشل المستمرين.
لهذا كله، فنحن غالباً سبب تعاستنا المستمرة، وإخفاقاتنا المتكررة. نحن السبب في معاناتنا الدائمة، وشقائنا الذي لا ينتهي، وأحزاننا التي تطاردنا كل يوم. في كثير من الأحيان نحن من نضع العقبات في طريق أنفسنا، ونزرع طريق النجاح بالأشواك دون أن ندري!
انظر إلى كثير من الناس كيف يعيش الواحد فيهم داخل سجن الماضي كل يوم رغم أن ما ولى فات وانقضى ولن يعود إلى الأبد. انظر كيف نقلق على مستقبل مجهول لم يأت بعد، وقد لا نعيش لنراه أساساً.
أشخاص يجرحوننا فنقضي ساعات نتابعهم ونلاحقهم على منصات التواصل الاجتماعي لنزداد بؤساً وتعاسة، ذكريات مؤلمة توجع قلوبنا نقضي ليالينا ونحن نتذكرها وكأننا نريد أن نبكي ونظل في قعر الحزن، حتى الأخبار التي تقض مضجعنا وتزعجنا وتعكر أيامنا نبحث عنها باستماتة حتى نسمعها، قصص وموضوعات يزعجنا الحديث حولها، بيد أننا نظل نجتّرها صباح مساء بلا توقف! لذلك فنحن السبب فيما وصلنا إليه، ولتغيير هذا الواقع علينا أن نغير أنفسنا.
فإذا مللت من واقعك الحالي، وقررت قراراً حازماً بأنك ستطارد أحلامك بكل شغف وإصرار، فابدأ في تغيير طريقة تفكيرك تجاه الواقع. تحمل مسؤولية حياتك بكل ما فيها من لحظات فشل أو نجاح، لا تلقِ اللوم على الآخرين بل واجه مشكلاتك بروح التحدي، وتجاوز العراقيل بعزيمة لا تلين.. تصل إلى مرادك ولو بعد حين.www.hamadaltamimiii.com