الشجاعة ليست أن لا تخاف، وإنما الشجاعة هي القدرة على كتمان مخاوفك، وعدم السماح لها أن تظهر على ملامحكَ! لا يوجد إنسان إلا وطرقَ الخوفُ باب قلبه مرَّة. نحن في مشاعرنا بشر، ولا يستطيع أحد أن يُغادر قفص بشريته، ولكن بإمكان الإنسان أن يقف منتصباً كالجبل ولو كانت روحه جاثية على ركبتيها!
كانت «سيمونا مانثانيدا» أمهر خياطة في مدينة «لاباز» في بوليفيا. كانت تخيط سُتراتٍ أنيقةً جداً، ولم يكن بإمكان أحدٍ منافستها.
ولكن براعة سيمونا وصلتْ أبعد من هذا بكثير، كانت على بساطتها امرأةً ثورية، تحاربُ الاستعمار على طريقتها، كانت تُخبئ رسائل الثوار، وخرائط الطرق، بين ثنايا السُترات التي تحيكها، رسائل وخرائط ساهمت إلى حد بعيدٍ في تحرير بوليفيا.
ولكن قبل التحرير بفترة وجيزة، وُشيَ بها إلى المستعمرين، فحلقوا شعرها، ثم أركبوها على حمارٍ وهي عارية، وجالوا بها الشوارع، وفي الطريق إلى الميدان العام في لاباز كانوا يجلدونها، ثم أخيراً أطلقوا عليها رصاصة في ظهرها، فماتت!
لم تُسمعْ لها أنةٌ واحدة، كانت طوال حياتها تردد مقولتها الشهيرة: لا تُظهِرْ ضعفكَ لعدوِّكَ!
وهذا هو حال غزَّة اليوم!
إنها تموتُ واقفة على قدميها، ولكن إياكم أن تُصدِّقوا أنها لا تتألم!
كونها ظهرت جسورة فهذا لا يعني أنها لا ترتجفُ خوفاً!
وكونها تعضُّ على جرحها فهذا لا يعني أنها لا تنزف، وأنَّ جرحها موجع جداً!
وكون أهلها لا يصرخون فهذا لا يعني أنهم لا يتألمون، كل ما في الأمر أنهم يعرفون أنّ الصهاينة ساديون جداً، يُحبُّون أن يروا أثر ضرباتهم! يستمتعون بالألم الذي يسببونه للآخرين! لهذا هم لا يئنون علانيّة ولكن صدّقوا أنَّ فيهم من الأنين ما يملأ هذا الكون كله وجعاً!
كون غزَّة ظهرت كالمارد فهذا لا يعني أنّها تتحاملُ على نفسها!
وكونها لا تصرخُ فهذا فقط أنه بإمكانها أن تتحمل أكثر!
نحن ظلمنا غزَّة أيضاً! ظلمناها حين عملقناها!
حين اعتقدنا أنَّ مقاومتها بإمكانها أن تُحارب إلى الأبد في حين تكتفي جيوشنا بالفُرجة عليها!
وحين اعتقدنا أن الخيمة الغارقة بالمطر والطين لا تنال من عزيمة الإنسان وصبره!
وحين اعتقدنا أن تقديم القرابين لله بصبر لا يصحبه مآتم في الصدور!
أهل غزَّة بشر، ويتوجعون كثيراً، تتقطعُ قلوبهم خوفاً وألماً وفقداً، كلُّ ما في الأمر أنهم قرروا أن لا يركعوا إلا لله!