+ A
A -
تختط مقديشو اليوم، فجر حياة جديد لشعبها، ولعودة الجمهورية، يُصّرُ على الخروج من خندق الحرب والموت، إلى الاستقرار والسلام، ومن ثم التنمية والنهضة، ونُدرك ونحن نكتب هذه المقالة، أن هناك صعوبات كبيرة، تعيشها تجربة الأمل الصومالي، لكنها مع كل ذلك، أحيت في أبناء شعبها، روحاً وطنيةً جميلة، ووحدة اجتماعية متحفّزة، تُصرُّ على الكفاح، لتحقيق حلم السلام والنهضة الصومالي.
إننا اليوم، ونحن نستعرض هذه التجربة الفريدة، لنرجو أن تحقق أعلى درجات الاستقرار، ثم النجاح لحياة شعبها، وقوة عربية إفريقية تنموية، تعتمد علاقات حسن الجوار، وتعزيز الشراكة الإنسانية والأخوّة مع إفريقيا السمراء، مسلميها وغيرهم، خاصة في ظل تقصير عربي واسع مع إفريقيا، القريبة من وجدان العرب، وقيم الشرق، والتي سجل التاريخ الإنساني فيها، تعلقاً مركزياً بالإسلام، شمل الكثير من شعوب إفريقيا، بمن فيهم إفريقيو الولايات المتحدة الأميركية، الذين ظل نبض روح الحرية والكرامة الإسلامية للفرد، يغشى مشاعرهم، بل وولاءهم، منذ الجذور الأولى، للاستعباد الأميركي للإنسان الإفريقي، حتى رحلة مالكوم اكس ومحمد علي كلاي، واتحادهم مع الرمز الكبير، مارتن لوثر كينغ، في مفاهيم الحرية والمساواة الكبرى، وهي اليوم حاضرة، في نبض قيادات الحقوق الاجتماعية الأميركية السمراء، رغم تقصير العرب المسلمين معهم.
لكن للصومال كبلد عربي، وحيوي من الشرق المسلم الحزين الممتحن، رسالة أخرى، وهي أن موسم الحرب الطاحنة، التي كانت مصدر أسوأ نماذج التدخل، الإقليمي والعربي والدولي، والتي عززت التطرف ثم الإرهاب، الذي أسال دماء عشرات الآلاف، من أبناء الشعب الصومالي، وعزز انقساماته كأقاليم متعددة، حتى كاد يقضى على الصومال لعقود.
هي رسالة بالغة الأهمية، بل وجودية لواقع بلدان الشرق المسلم، الذي لاتزال بعض دوله، تحت نير الحرب الأهلية، أو المقرون بالاعتداء الدولي، أو الإقليمي المسلح.
وأمامنا اليوم أفغانستان الجريحة النازفة، وكم هو وقع صدمة الإنسان المسلم، وهو يستذكر كم من الضحايا، من مئات الآلاف، فقط منذ خروج المحتل السوفياتي، أو منذ احتلال الأميركيين لكابل، دفعه هذا الشعب، لعل كابل تجد في الصومال، مخرجاً من شرنقة العنف والدماء.
ولقد كشفت التجارب المؤلمة، عن استمرار أزمة خطاب الوعي الإسلامي المعاصر، وهي استدعاؤه الفوضى العاطفية المدمرة، في مواجهة أحداث بلدان الشرق المسلم، وبالتالي لم تعجز المؤسسات والروابط الإسلامية، عن المساهمة في الحل فقط، بل كانت جزءا من المشكلة، التي فاقمت الخسائر، ودفعت الشعوب إلى مزيد من الصراعات الدامية.
وذلك بسبب أن روح العقل، والتعبد بالتفكير الاستراتيجي، الذي كان قائماً في شخصيات الإحياء الإسلامي القديمة، والذي كان من المفترض أن يتطوّر، انتهى إلى انتكاسة قيمية وسياسية، ليس للتقليل من جناية الاستبداد الداخلي والدولي والإقليمي على المسلمين.
وإنما لكون القصور الضخم، في فكر بعض الجماعات أو الشخصيات الإسلامية، عزّز قدرات العدوان، وأبعد مسافات الحل، وعطّل موازين مدافعة أكبر الضررين.
ولا مجال هنا، لأن نعيد، طرح دراسة أزمة الخطاب الإسلامي المعاصر، وإنما نحدد أن، طوباوية الخطاب وعاطفيته، عطّلت عقله، لسببين:
1 - الأول، هي آلية مباشرة خطاب الأزمات، فخطاب التنظيمات الحزبية، وروابطها الدعوية والشرعية، لم يستطع أن يدخل في مضمار، منهجية الدول القائم على الأرض، أو التعامل الواقعي معها، بحيث تتكون منهجية مختلفة، تدعم الحلول لا الحروب، والمقاومات الشرعية، بما يمكّن تحقيقه على الأرض، في التدرج البشري لسنن الله الكونية.
2 - الثاني هو أن ذات التشكيلات الإدارية، للحزبيات الراعية لهذه المنظمات، التي خرجت وأعلت صوتها، ضد مظالم الشرق المسلم، كانت تحتاج بالضرورة، إلى هيكلة إدارية مختلفة، تعطي المستقلين دوراً مركزياً، في المعالجات الرئيسية، لمحن الشعوب والدول المتداعية، ومقارنة السيئ بالأسوأ، وأن ذلك من الجهاد المدني الواجب، للحفاظ على روح الشعب واستقراره.
وليس المقصد هنا، التخلّي عن الإيمان بقيم الحقوق والكفاح للحريات، والعهد الدستوري اللازم، لنهضة الشعوب، وتحجيم توسع المستبد الإرهابي المتطرف، أو المستبد السياسي، وإنما بتقدير هذا الأمر بقدرات الشعب، وتطور حركة الوعي لديه كمجتمع، لا جماعة منتقاة، لديها خصوصية فكرية، وسقف تفكير سياسي بني عليه.
هنا يبرز لنا مدخل مهم، لنجاح هذه المهمة النوعية، في الصومال، فما الذي جرى في مقديشو؟
1 - لقد سمحت العملية السياسية الضعيفة، والتي خضعت لتدخلات كبيرة سابقاً، أن يُحقّق اختراقاً نوعياً لخيارٍ شعبي مختلف، وهو انتخاب الرئيس المستقل فرماجو، وشعور الشباب باتجاهات عديدة، خاصة ذوي الفكر الإسلامي التجديدي، الذين رصدوا بقلوبهم وأعينهم، آثار فكر الغلو على بلدهم، ودفعها للفوضى، وكيف أن الخطاب التعبوي، بحجة التدخل الأميركي السابق، لابد من أن يستمر دون مراجعة ولا تصحيح.
2 - لقد تم رفض هذا المنهج، من أولئك الشباب الملتفين مع الرئيس المنتخب، وبدأت عملية استشعار التأثير الإيجابي لاستقرار الدولة، تصعد ويصعد، مؤيدو خيار الدولة المسلمة المستقرة، لا خيار الحرب بين أهلها، و(الجهاد) المزوّر، الذي يقتل أبناء الشعب لصالح التدخل الغربي، وتأميم الصومال لمصالح اللعبة الدولية، وليس لصالح حرية الشعب المسلم.
3 - إن طردية هذا الواقع بين طرفي، الدولة المستقرة، وخيار الشعب وإن لم يكتمل تأمينه، بحكم الظرف السياسي، وبين تربّص ذوي المصالح، كما جرى مع شركة موانئ دبي، ومجمل مشروع أبوظبي، وتل أبيب في القرن الإفريقي، أصبح يُعزّز قناعة الشعب، وقاعدته الشبابية بالتمسك بخيار الدولة.
4 - ولقد لعب الدور التركي عاملاً مساعداً، وفقاً لمصالحه القومية، بالتراضي مع عهد مقديشو الجديد، وبدأ ذلك الأمر مبكراً، وساعد الصومال لتجاوز نهر الدماء، غير أن مثل هذا العامل المصلحي، قد يتحقق في بيئات لدول أخرى، حين يَضبط المشروع المستقبلي للإنقاذ، بوصلته السياسية، ومصالحه القومية، هذه التقاطعات بدقة.
5 - ولقد كان واضحاً، أن حجم الإيمان الشعبي، بقرار سيادة الصومال، ومواصلة تعافيها، قد حقق قفزة كبرى، وهذا لا يعني أبداً، أن التحديات انتهت، ولن يتوقف كامل توظيف الجماعات الإرهابية، ضد دماء أهلنا في الصومال، وقاهم الله ورعاهم.
غير أن التقدم العملي، والصعود الفكري في القناعات، يلعب دوراً مهماً ورئيسياً، في تحجيم المخزون الإرهابي، لأجل تثبيت حلم الدولة المستقرة، التي تبحث عن طريق النهضة وتشق دربها إليه.
إنني هنا أُلفت نظر أشقائنا في الصومال وأقولها بألم بالغ، إلى الحذر من الخطاب العربي الإسلامي المشحون، واستحضر توجه تحالف إخواننا الأعاجم، من مسلمي الغرب وآسيا في أوروبا وأميركا، الذي بدأ يتوسع اليوم، بتحييد شراكة إخوانهم العرب، بسبب سيطرة الفوضى الخطابية، وضعف العقل الاستراتيجي لديهم.
وهي قضية ليست جديدة، سنجدها في اختلاف خطاب الأزمة، عن نبض مالك بن نبي وعلي عزّت بيجوفتش وعبدالوهاب المسيري، والمحللين الاستراتيجيين، الذين نقدوا الفكر الطوباوي، عند الإسلاميين العرب، كالدكتور عبدالله النفيسي وغيره، فتمكُن هذا الخطاب المتشنج، الرافض لدحرجة مشروع السلام، والدولة المدنية للشعوب المسلمة، يعني القضاء على فرص الإنقاذ.
وهنا استحضر استغرابي السابق، في جولات مهجري في أوروبا، وأميركا الشمالية، حيث كان تواجد الجالية الصومالية واسعا جداً، غير أن الإشكالية كانت، في قدرة هذه الجاليات على تحولها لداعم، لإنقاذ الصومال، وربما فوضى الخطاب وطبيعة الصراعات، التي تحكم الجاليات بتعددها له دورٌ كبير.
في حين كان هناك على النطاق الفردي، شخصيات رائعة ومبدعة من الصوماليات والصوماليين، يُعبّدون طريق نجاحهم، وهم اليوم أمام مهمة خاصة لدعم الحلم الصومالي، كما أن الجاليات لن تستطيع أن تعالج كل مشاكلها، لكن أمامها فرصة لتحسين أوضاعها، وارتفاع روحها المعنوية لتعزيز دولة الاستقرار والنهضة.
ولابد من حرص الجميع، على احتواء كل التيارات، وأن الحالة السلفية الصومالية ليست واحدة، بل الغالبية لديها استعداد، للشراكة البنيوية، لهذا المشروع الوطني الاجتماعي، وميزة الدولة، أنها تخاطب التيارات، بخطاب المواطنة لا الجماعة، وهذا يساعدها على استقطاب الجميع، وأياً كانت تيارات الوطن الصومالي، الإسلامية والعلمانية والقبلية، فإن لهم مشروعاً ناجحاً وحيداً يجمعهم، وهو الدولة الصومالية القوية بكرامة أفرادها ونهضتها الوطنية.
بقلم : مهنا الحبيل
إننا اليوم، ونحن نستعرض هذه التجربة الفريدة، لنرجو أن تحقق أعلى درجات الاستقرار، ثم النجاح لحياة شعبها، وقوة عربية إفريقية تنموية، تعتمد علاقات حسن الجوار، وتعزيز الشراكة الإنسانية والأخوّة مع إفريقيا السمراء، مسلميها وغيرهم، خاصة في ظل تقصير عربي واسع مع إفريقيا، القريبة من وجدان العرب، وقيم الشرق، والتي سجل التاريخ الإنساني فيها، تعلقاً مركزياً بالإسلام، شمل الكثير من شعوب إفريقيا، بمن فيهم إفريقيو الولايات المتحدة الأميركية، الذين ظل نبض روح الحرية والكرامة الإسلامية للفرد، يغشى مشاعرهم، بل وولاءهم، منذ الجذور الأولى، للاستعباد الأميركي للإنسان الإفريقي، حتى رحلة مالكوم اكس ومحمد علي كلاي، واتحادهم مع الرمز الكبير، مارتن لوثر كينغ، في مفاهيم الحرية والمساواة الكبرى، وهي اليوم حاضرة، في نبض قيادات الحقوق الاجتماعية الأميركية السمراء، رغم تقصير العرب المسلمين معهم.
لكن للصومال كبلد عربي، وحيوي من الشرق المسلم الحزين الممتحن، رسالة أخرى، وهي أن موسم الحرب الطاحنة، التي كانت مصدر أسوأ نماذج التدخل، الإقليمي والعربي والدولي، والتي عززت التطرف ثم الإرهاب، الذي أسال دماء عشرات الآلاف، من أبناء الشعب الصومالي، وعزز انقساماته كأقاليم متعددة، حتى كاد يقضى على الصومال لعقود.
هي رسالة بالغة الأهمية، بل وجودية لواقع بلدان الشرق المسلم، الذي لاتزال بعض دوله، تحت نير الحرب الأهلية، أو المقرون بالاعتداء الدولي، أو الإقليمي المسلح.
وأمامنا اليوم أفغانستان الجريحة النازفة، وكم هو وقع صدمة الإنسان المسلم، وهو يستذكر كم من الضحايا، من مئات الآلاف، فقط منذ خروج المحتل السوفياتي، أو منذ احتلال الأميركيين لكابل، دفعه هذا الشعب، لعل كابل تجد في الصومال، مخرجاً من شرنقة العنف والدماء.
ولقد كشفت التجارب المؤلمة، عن استمرار أزمة خطاب الوعي الإسلامي المعاصر، وهي استدعاؤه الفوضى العاطفية المدمرة، في مواجهة أحداث بلدان الشرق المسلم، وبالتالي لم تعجز المؤسسات والروابط الإسلامية، عن المساهمة في الحل فقط، بل كانت جزءا من المشكلة، التي فاقمت الخسائر، ودفعت الشعوب إلى مزيد من الصراعات الدامية.
وذلك بسبب أن روح العقل، والتعبد بالتفكير الاستراتيجي، الذي كان قائماً في شخصيات الإحياء الإسلامي القديمة، والذي كان من المفترض أن يتطوّر، انتهى إلى انتكاسة قيمية وسياسية، ليس للتقليل من جناية الاستبداد الداخلي والدولي والإقليمي على المسلمين.
وإنما لكون القصور الضخم، في فكر بعض الجماعات أو الشخصيات الإسلامية، عزّز قدرات العدوان، وأبعد مسافات الحل، وعطّل موازين مدافعة أكبر الضررين.
ولا مجال هنا، لأن نعيد، طرح دراسة أزمة الخطاب الإسلامي المعاصر، وإنما نحدد أن، طوباوية الخطاب وعاطفيته، عطّلت عقله، لسببين:
1 - الأول، هي آلية مباشرة خطاب الأزمات، فخطاب التنظيمات الحزبية، وروابطها الدعوية والشرعية، لم يستطع أن يدخل في مضمار، منهجية الدول القائم على الأرض، أو التعامل الواقعي معها، بحيث تتكون منهجية مختلفة، تدعم الحلول لا الحروب، والمقاومات الشرعية، بما يمكّن تحقيقه على الأرض، في التدرج البشري لسنن الله الكونية.
2 - الثاني هو أن ذات التشكيلات الإدارية، للحزبيات الراعية لهذه المنظمات، التي خرجت وأعلت صوتها، ضد مظالم الشرق المسلم، كانت تحتاج بالضرورة، إلى هيكلة إدارية مختلفة، تعطي المستقلين دوراً مركزياً، في المعالجات الرئيسية، لمحن الشعوب والدول المتداعية، ومقارنة السيئ بالأسوأ، وأن ذلك من الجهاد المدني الواجب، للحفاظ على روح الشعب واستقراره.
وليس المقصد هنا، التخلّي عن الإيمان بقيم الحقوق والكفاح للحريات، والعهد الدستوري اللازم، لنهضة الشعوب، وتحجيم توسع المستبد الإرهابي المتطرف، أو المستبد السياسي، وإنما بتقدير هذا الأمر بقدرات الشعب، وتطور حركة الوعي لديه كمجتمع، لا جماعة منتقاة، لديها خصوصية فكرية، وسقف تفكير سياسي بني عليه.
هنا يبرز لنا مدخل مهم، لنجاح هذه المهمة النوعية، في الصومال، فما الذي جرى في مقديشو؟
1 - لقد سمحت العملية السياسية الضعيفة، والتي خضعت لتدخلات كبيرة سابقاً، أن يُحقّق اختراقاً نوعياً لخيارٍ شعبي مختلف، وهو انتخاب الرئيس المستقل فرماجو، وشعور الشباب باتجاهات عديدة، خاصة ذوي الفكر الإسلامي التجديدي، الذين رصدوا بقلوبهم وأعينهم، آثار فكر الغلو على بلدهم، ودفعها للفوضى، وكيف أن الخطاب التعبوي، بحجة التدخل الأميركي السابق، لابد من أن يستمر دون مراجعة ولا تصحيح.
2 - لقد تم رفض هذا المنهج، من أولئك الشباب الملتفين مع الرئيس المنتخب، وبدأت عملية استشعار التأثير الإيجابي لاستقرار الدولة، تصعد ويصعد، مؤيدو خيار الدولة المسلمة المستقرة، لا خيار الحرب بين أهلها، و(الجهاد) المزوّر، الذي يقتل أبناء الشعب لصالح التدخل الغربي، وتأميم الصومال لمصالح اللعبة الدولية، وليس لصالح حرية الشعب المسلم.
3 - إن طردية هذا الواقع بين طرفي، الدولة المستقرة، وخيار الشعب وإن لم يكتمل تأمينه، بحكم الظرف السياسي، وبين تربّص ذوي المصالح، كما جرى مع شركة موانئ دبي، ومجمل مشروع أبوظبي، وتل أبيب في القرن الإفريقي، أصبح يُعزّز قناعة الشعب، وقاعدته الشبابية بالتمسك بخيار الدولة.
4 - ولقد لعب الدور التركي عاملاً مساعداً، وفقاً لمصالحه القومية، بالتراضي مع عهد مقديشو الجديد، وبدأ ذلك الأمر مبكراً، وساعد الصومال لتجاوز نهر الدماء، غير أن مثل هذا العامل المصلحي، قد يتحقق في بيئات لدول أخرى، حين يَضبط المشروع المستقبلي للإنقاذ، بوصلته السياسية، ومصالحه القومية، هذه التقاطعات بدقة.
5 - ولقد كان واضحاً، أن حجم الإيمان الشعبي، بقرار سيادة الصومال، ومواصلة تعافيها، قد حقق قفزة كبرى، وهذا لا يعني أبداً، أن التحديات انتهت، ولن يتوقف كامل توظيف الجماعات الإرهابية، ضد دماء أهلنا في الصومال، وقاهم الله ورعاهم.
غير أن التقدم العملي، والصعود الفكري في القناعات، يلعب دوراً مهماً ورئيسياً، في تحجيم المخزون الإرهابي، لأجل تثبيت حلم الدولة المستقرة، التي تبحث عن طريق النهضة وتشق دربها إليه.
إنني هنا أُلفت نظر أشقائنا في الصومال وأقولها بألم بالغ، إلى الحذر من الخطاب العربي الإسلامي المشحون، واستحضر توجه تحالف إخواننا الأعاجم، من مسلمي الغرب وآسيا في أوروبا وأميركا، الذي بدأ يتوسع اليوم، بتحييد شراكة إخوانهم العرب، بسبب سيطرة الفوضى الخطابية، وضعف العقل الاستراتيجي لديهم.
وهي قضية ليست جديدة، سنجدها في اختلاف خطاب الأزمة، عن نبض مالك بن نبي وعلي عزّت بيجوفتش وعبدالوهاب المسيري، والمحللين الاستراتيجيين، الذين نقدوا الفكر الطوباوي، عند الإسلاميين العرب، كالدكتور عبدالله النفيسي وغيره، فتمكُن هذا الخطاب المتشنج، الرافض لدحرجة مشروع السلام، والدولة المدنية للشعوب المسلمة، يعني القضاء على فرص الإنقاذ.
وهنا استحضر استغرابي السابق، في جولات مهجري في أوروبا، وأميركا الشمالية، حيث كان تواجد الجالية الصومالية واسعا جداً، غير أن الإشكالية كانت، في قدرة هذه الجاليات على تحولها لداعم، لإنقاذ الصومال، وربما فوضى الخطاب وطبيعة الصراعات، التي تحكم الجاليات بتعددها له دورٌ كبير.
في حين كان هناك على النطاق الفردي، شخصيات رائعة ومبدعة من الصوماليات والصوماليين، يُعبّدون طريق نجاحهم، وهم اليوم أمام مهمة خاصة لدعم الحلم الصومالي، كما أن الجاليات لن تستطيع أن تعالج كل مشاكلها، لكن أمامها فرصة لتحسين أوضاعها، وارتفاع روحها المعنوية لتعزيز دولة الاستقرار والنهضة.
ولابد من حرص الجميع، على احتواء كل التيارات، وأن الحالة السلفية الصومالية ليست واحدة، بل الغالبية لديها استعداد، للشراكة البنيوية، لهذا المشروع الوطني الاجتماعي، وميزة الدولة، أنها تخاطب التيارات، بخطاب المواطنة لا الجماعة، وهذا يساعدها على استقطاب الجميع، وأياً كانت تيارات الوطن الصومالي، الإسلامية والعلمانية والقبلية، فإن لهم مشروعاً ناجحاً وحيداً يجمعهم، وهو الدولة الصومالية القوية بكرامة أفرادها ونهضتها الوطنية.
بقلم : مهنا الحبيل