مازلنا نؤمن بالحوار سبيلا وحيدا لحل الخلافات، مهما تشابكت وتعقدت، منذ أن بدأت الحملة المبيتة والجائرة والظالمة ضد قطر، والدوحة تتحرك وفق القوانين والتشريعات الدولية، بعيدا عن ردود الفعل العشوائية والسوقية والصبيانية.
ففي موضوع الحظر الجوي الذي طبقته دول الحصار الأربع، لجأت قطر إلى منظمة الطيران المدني «ايكاو» التي أصدرت قرارا بضرورة التزام دول الحصار باتفاقية شيكاغو 1944 يجبر دول الحصار على فتح سبعة ممرات جوية دولية أمام الخطوط القطرية والشركات الأخرى (من وإلى قطر) والتي أغلقتها منذ بداية الحصار، كما يعزز من ثقة المنظمات الدولية بقطر، لكونها لجأت إلى القانون للحصول على حقوقها ولم تعامل دول الحصار بالمثل، حيث أبقت على أجوائها مفتوحة أمام جميع شركات الطيران.
ولأن دول الحصار أدركت ضعف موقفها وركاكة حججها وهزالة تبريراتها، فقد «تنازلت» عن موقفها قبل يوم من إصدار القرار، حيث أعلنت تخصيص ممرات طوارئ للطائرات القطرية في أجوائها، وأصدرت الإعلان الملاحي حسب القانون الدولي قبيل انعقاد جلسة المجلس التنفيذي لمنظمة ايكاو بقليل، وهو خطوة لحفظ ماء الوجه أمام العالم، لإدراكها أن قرار المنظمة لن يكون لصالحها وبأنه سيلزمها بتنفيذ قراره بشكل حاسم.. لكن هو في الحقيقة انتصار كاسح لجهود الفريق القطري في هذا المجال بقيادة الوزير المتميز والمنجز جاسم بن سيف السليطي، والذي كانت له بصمات واضحة في التصدي للحصار، كما لا ننسى الجهود والخطوات الاحترافية التي يبذلها قائد «القطرية» السيد أكبر الباكر.
إن حث المنظمة الدولية للطيران المدني دول الحصار على الالتزام بمبادئ اتفاقية شيكاغو وملحقاتها يعتبر إنجازا كبيرا يحسب لدولة قطر، وفي نفس الوقت إدانة موجهة لهذه الدول التي خرقت الاتفاقية، باتخاذ مثل هذه الإجراءات التعسفية ضد الطائرات المسجلة في دولة قطر، كما أن قرار المجلس التنفيذي لـ «إيكاو» بفتح المجال الجوي على المياه الدولية، يذهب إلى صلب الاتفاقية، بضمان حركة طيران تتوفر فيها السلامة الجوية والتي تنشدها اتفاقية شيكاغو.
قبل ذلك بحوالي «17» عاما (2001) أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي حكما، أعلنت فيه أن دولة قطر لها السيادة على الزبارة وجزيرة جنان، بما فيها حد جنان وفشت الدبل. كما حكمت للبحرين بالسيادة على جزر حوار وقطعة جرادة. وجاء في حيثيات الحكم، بالاضافة إلى ذلك، منح سفن قطر التجارية حق المرور السلمي في المياه الإقليمية للبحرين الواقعة بين جزر حوار والبر البحريني. وأثنى رئيس المحكمة على حكمة قطر والبحرين، وأعرب عن أمله في أن يصبح نهجهما نموذجا لحل النزاعات الحدودية بين الدول.
هذه الروح الحضارية، وهذا الأسلوب الراقي في التعامل، هو ما دأبت عليه قطر دائما، فهي تؤمن بأن الخلافات لابد وأن تُحل، وأن الحل الأمثل لها يكمن عبر الاحتكام للقوانين الدولية، وليس عبر حملات سوقية أو عبر الذباب الإلكتروني، أو بتجييش المرتزقة وحشد المأجورين وشن حملات إعلامية مكلفة، هدفها التشويش وتزييف الحقائق والوقائع، وقطع الأرحام وانتهاك حقوق الإنسان، وتكميم الأفواه، وكأننا في عصر جاهلي أو حجري.
وآخر مثال حي على نجاعة الحوار للخروج من الأزمات هو «اللقاء العالمي» بين الرئيس الأميركي والرئيس الكوري الشمالي للتحاور في بلد محايد، وهم كانا على وشك حرب كونية، إضافة إلى حالة الكره والبغضاء المتبادلة بين الدولتين، والحساسية المفرطة بين الشعبين، فهما مثل الزيت والنار جاهزان للاشتعال وربما الانفجار.. أو كما يقول المثل الكويتي «جني وعطبة».. لو لم يلجآ للحوار لأعطبا العالم كله بكارثة لا أحد يعرف مداها!
اليوم أيضا اختارت قطر اللجوء إلى القانون الدولي، عبر طرق أبواب محكمة العدل الدولية، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، والمعروف أيضا باسم المحكمة العالمية، متخذة الإجراءات القانونية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان بحق دولة قطر ومواطنيها.
صبرت قطر طويلا، وتحملت الكثير، وقبلت الوساطات، وأبرزها وأهمها وساطة دولة الكويت الشقيقة، من أجل إيجاد حل أخوي، يعيد المياه إلى مجاريها، لكن الصد كان رد دول الحصار الأربع، التي بدأت حصارا غير قانوني على دولة قطر، براً وبحراً وجواً، كجزء من حملة سياسية واقتصادية فرضت عليها، وتمادت الدول الأربع أكثر فأكثر، وهي تسير وراء الإمارات وحملتها البغيضة وأفكارها المريضة، عبر إجراءات كان لها تأثير مدمر على حقوق الإنسان للمواطنين القطريين والمقيمين على أرضها، وهو الأمر الذي يمثل انتهاكاً لالتزاماتها بموجب الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (CERD).
لقد تابعنا جميعا انتقادات العديد من منظمات حقوق الإنسان المستقلة لتصرفات دولة الإمارات، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة مراسلون بلا حدود، كما نددت هذه المنظمات بإجراءاتها التمييزية ضد القطريين، ومن ذلك طرد جميع المواطنين القطريين بشكل جماعي من الإمارات، ومنع القطريين من الدخول إليها أو المرور عبرها، وأمرت مواطنيها بمغادرة دولة قطر، وأغلقت مجالها الجوي وموانئها أمام قطر، وتدخلت في العقارات المملوكة للقطريين، وقامت بالتمييز ضد الطلاب القطريين الذين يتلقون تعليمهم فيها. كما جرّمت الإمارات أي خطاب يُنظر إليه على أنه «دعم» لقطر، وقامت بإغلاق مكاتب قناة الجزيرة لديها، وحظرت الدخول إلى المحطات والمواقع الإلكترونية القطرية.
هذه الحملة العنصرية شارك فيها مسؤولون إماراتيون عبر التحريض وتسويق خطاب الكراهية في إطار حملة تشهير واسعة وغير مسبوقة ضد قطر، لم تراع الإمارات ومسؤولوها فيها لا القيم ولا الأخلاق، ولا العادات ولا التقاليد، ولا القوانين والأعراف الدولية.
كان رد قطر الصبر، والاحتكام إلى المؤسسات الدولية المعنية، وأخيرا محكمة العدل الدولية، بعد أن تعمدت دولة الإمارات التمييز ضد القطريين على أساس جنسيتهم، مما أدى إلى ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يعتبر نسفاً لالتزامات الإمارات بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. ويمثل الطلب القطري هذا، الخطوة الأولى لوضع حد لهذه الانتهاكات، واستعادة الحقوق الأساسية للعديد من الأفراد المتضررين من تصرفات دولة الإمارات، التي قامت على البلطجة والشتم والبذاءات والسرقة والقرصنة، وكل ما هو مخجل ومخزٍ.
نحن أمام عقلية لم نر لها مثيلا في العصور الماضيةً، وفي الحقيقة، فإننا لم نسمع عن ذلك حتى في العصر الجاهلي، والذي كانت فيه المروءة حاضرة، ولكن ما سمعناه وشاهدناه من دول الحصار تجاوز كل الخطوط والأعراف والتقاليد، بتصرفاتهم الغوغائية من طعن بالأعراض والأنساب وقطع الأرحام، وصولا إلى الإضرار بالحيوانات والتضييق على الناس في حلالهم وأرزاقهم.
بل وصل الأمر إلى الدين وبيوت الله ومقدسات المسلمين، حيث مارست السعودية جريمة جديدة بالتضييق على القطريين والحيلولة بينهم وبين أداء مناسك الحج والعمرة، إضافة إلى جرائمها السابقة في قطع العلاقات الاجتماعية وتشتيت الأسر، كل ذلك بهدف ضرب نسيجنا الداخلي وتفكيك مجتمعنا، ثم النيل من سيادتنا واستقلالية قطرنا، والتحكم في النهاية بخيراتنا وثرواتنا.
لا شيء من ذلك سيحدث، فشعبنا وقف وقفة بصف واحد على قلب رجل واحد، وكانت أيقونة «تميم المجد» شعارا ثابتا رفعه كل مواطن ومقيم، وردا واضحا وكاسحا على المحاولات الدنيئة والوقحة للنيل من وطننا، وقالها الشعب للقاصي والداني بصوت واحد: أما قطر فوق ولا مالنا خانة..
وكلنا تحت راية تميم المجد.
اليوم نحتكم مرة أخرى للمؤسسات الدولية، وعلى رأسها محكمة العدل الدولية، الذراع القضائية للأمم بموجب أحكام المادة (93) من الميثاق الذي تم التوقيع عليه عام 1945، وولاية المحكمة الجبرية في نظر جميع المنازعات القانونية التي تقوم بين الدول، وان تقبل الالتزام بها متى كانت هذه المنازعات القانونية تتعلق بالمسائل الآتية ووفقا للمادة (36) من النظام الاساسي:
أ- تفسير معاهدة من المعاهدات.
ب- أية مسألة من مسائل القانون الدولي.
جـ- تحقيق واقعة من الوقائع التي تثبت خرقا لالتزام دولي.
د- نوع التعويض المترتب على خرق التزام دولي ومدى هذا التعويض.
ونحن نفعل ذلك نمارس حقا من حقوقنا، أساسه احترام الشرعية الدولية، التي قررت قطر اللجوء إليها في مواجهة ما تتعرض له من حملات شرسة، تجاوزت الخصومة إلى الفجور فيها من دول الحصار وحلف الفجّار، ولأن قطر ليست في وارد الانخراط بهذا العهر السياسي والإعلامي، فقد ارتأت أن القوانين والمؤسسات الدولية هي سبيلها الأمثل للدفاع عن حقوقها وكرامة شعبنا، ولأن الإمارات عبر عاصمتها المارقة هي من قادت هذه الإجراءات التي كان لها تأثير مدمر على حقوق الإنسان للمواطنين القطريين والمقيمين على أرضها، وهو الأمر الذي يمثل انتهاكاً لالتزاماتها بموجب الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (CERD)، كان هذا التحرك الذي نحن على ثقة بأنه سيعيد الأمور إلى نصابها ويضع حدا لحملات التحريض والتشويه وبث الكراهية.
لقد جاء في المادة 36 من النظام الاساسي للمحكمة أن ولايتها تشمل جميع القضايا التي يعرضها المتقاضون كما تشتمل جميع الوسائل المنصوص عليها بصفة خاصة في ميثاق الامم المتحدة أو في المعاهدات أو الاتفاقيات المعمول بها.
ويتضح من هذا النص، أن للمحكمة اختصاصا نوعيا واسعا، فكل نزاع يقوم ويتفق الاطراف على رفعه للمحكمة للنظر فيه ومهما كان نوعه أو طابعه سواء كان نزاعا ذا طابع قانوني أو طابع سياسي، فإن للمحكمة الصلاحية بنظر هذا النزاع والفصل فيه، وعندما تفعل قطر ذلك فلإيمانها الكامل بالعدالة الدولية، ولإيمانها الكامل بمنظمة الأمم المتحدة، بعيدا عن الانخراط في مواجهات بذيئة لا طائل من ورائها سوى الإساءة لشعوبنا.
فكل المشاكل يبدأ تفكيكها بالحوار وتنتهي بالقضاء، ولأنهم رفضوا الخيار الأول وهربوا من المواجهة، فكان القرار باللجوء للمحاكم، ولن يستطيعوا هذه المرة الهروب، بل سيجرجرون إليها خاضعين خانعين..!
هذا هو الفارق بين دولة تراعي القانون، وبين أنظمة مارقة، أشبه بقطاع الطرق والقراصنة وعصابات مافيا.. ومثل ما خزمتهم «الفيفا» على الانصياع لقنوات الـ «بي إن سبورت» لمن يرغب في مشاهدة المونديال، وقالت لهم بشكل قاطع:
«الحل في الدوحة».. ستخزمهم محكمة العدل في لاهاي، ويعرفون حجم قطر..
ويكونوا عبرة لمن لا يعتبر!
بقلم:محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
ففي موضوع الحظر الجوي الذي طبقته دول الحصار الأربع، لجأت قطر إلى منظمة الطيران المدني «ايكاو» التي أصدرت قرارا بضرورة التزام دول الحصار باتفاقية شيكاغو 1944 يجبر دول الحصار على فتح سبعة ممرات جوية دولية أمام الخطوط القطرية والشركات الأخرى (من وإلى قطر) والتي أغلقتها منذ بداية الحصار، كما يعزز من ثقة المنظمات الدولية بقطر، لكونها لجأت إلى القانون للحصول على حقوقها ولم تعامل دول الحصار بالمثل، حيث أبقت على أجوائها مفتوحة أمام جميع شركات الطيران.
ولأن دول الحصار أدركت ضعف موقفها وركاكة حججها وهزالة تبريراتها، فقد «تنازلت» عن موقفها قبل يوم من إصدار القرار، حيث أعلنت تخصيص ممرات طوارئ للطائرات القطرية في أجوائها، وأصدرت الإعلان الملاحي حسب القانون الدولي قبيل انعقاد جلسة المجلس التنفيذي لمنظمة ايكاو بقليل، وهو خطوة لحفظ ماء الوجه أمام العالم، لإدراكها أن قرار المنظمة لن يكون لصالحها وبأنه سيلزمها بتنفيذ قراره بشكل حاسم.. لكن هو في الحقيقة انتصار كاسح لجهود الفريق القطري في هذا المجال بقيادة الوزير المتميز والمنجز جاسم بن سيف السليطي، والذي كانت له بصمات واضحة في التصدي للحصار، كما لا ننسى الجهود والخطوات الاحترافية التي يبذلها قائد «القطرية» السيد أكبر الباكر.
إن حث المنظمة الدولية للطيران المدني دول الحصار على الالتزام بمبادئ اتفاقية شيكاغو وملحقاتها يعتبر إنجازا كبيرا يحسب لدولة قطر، وفي نفس الوقت إدانة موجهة لهذه الدول التي خرقت الاتفاقية، باتخاذ مثل هذه الإجراءات التعسفية ضد الطائرات المسجلة في دولة قطر، كما أن قرار المجلس التنفيذي لـ «إيكاو» بفتح المجال الجوي على المياه الدولية، يذهب إلى صلب الاتفاقية، بضمان حركة طيران تتوفر فيها السلامة الجوية والتي تنشدها اتفاقية شيكاغو.
قبل ذلك بحوالي «17» عاما (2001) أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي حكما، أعلنت فيه أن دولة قطر لها السيادة على الزبارة وجزيرة جنان، بما فيها حد جنان وفشت الدبل. كما حكمت للبحرين بالسيادة على جزر حوار وقطعة جرادة. وجاء في حيثيات الحكم، بالاضافة إلى ذلك، منح سفن قطر التجارية حق المرور السلمي في المياه الإقليمية للبحرين الواقعة بين جزر حوار والبر البحريني. وأثنى رئيس المحكمة على حكمة قطر والبحرين، وأعرب عن أمله في أن يصبح نهجهما نموذجا لحل النزاعات الحدودية بين الدول.
هذه الروح الحضارية، وهذا الأسلوب الراقي في التعامل، هو ما دأبت عليه قطر دائما، فهي تؤمن بأن الخلافات لابد وأن تُحل، وأن الحل الأمثل لها يكمن عبر الاحتكام للقوانين الدولية، وليس عبر حملات سوقية أو عبر الذباب الإلكتروني، أو بتجييش المرتزقة وحشد المأجورين وشن حملات إعلامية مكلفة، هدفها التشويش وتزييف الحقائق والوقائع، وقطع الأرحام وانتهاك حقوق الإنسان، وتكميم الأفواه، وكأننا في عصر جاهلي أو حجري.
وآخر مثال حي على نجاعة الحوار للخروج من الأزمات هو «اللقاء العالمي» بين الرئيس الأميركي والرئيس الكوري الشمالي للتحاور في بلد محايد، وهم كانا على وشك حرب كونية، إضافة إلى حالة الكره والبغضاء المتبادلة بين الدولتين، والحساسية المفرطة بين الشعبين، فهما مثل الزيت والنار جاهزان للاشتعال وربما الانفجار.. أو كما يقول المثل الكويتي «جني وعطبة».. لو لم يلجآ للحوار لأعطبا العالم كله بكارثة لا أحد يعرف مداها!
اليوم أيضا اختارت قطر اللجوء إلى القانون الدولي، عبر طرق أبواب محكمة العدل الدولية، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، والمعروف أيضا باسم المحكمة العالمية، متخذة الإجراءات القانونية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان بحق دولة قطر ومواطنيها.
صبرت قطر طويلا، وتحملت الكثير، وقبلت الوساطات، وأبرزها وأهمها وساطة دولة الكويت الشقيقة، من أجل إيجاد حل أخوي، يعيد المياه إلى مجاريها، لكن الصد كان رد دول الحصار الأربع، التي بدأت حصارا غير قانوني على دولة قطر، براً وبحراً وجواً، كجزء من حملة سياسية واقتصادية فرضت عليها، وتمادت الدول الأربع أكثر فأكثر، وهي تسير وراء الإمارات وحملتها البغيضة وأفكارها المريضة، عبر إجراءات كان لها تأثير مدمر على حقوق الإنسان للمواطنين القطريين والمقيمين على أرضها، وهو الأمر الذي يمثل انتهاكاً لالتزاماتها بموجب الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (CERD).
لقد تابعنا جميعا انتقادات العديد من منظمات حقوق الإنسان المستقلة لتصرفات دولة الإمارات، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة مراسلون بلا حدود، كما نددت هذه المنظمات بإجراءاتها التمييزية ضد القطريين، ومن ذلك طرد جميع المواطنين القطريين بشكل جماعي من الإمارات، ومنع القطريين من الدخول إليها أو المرور عبرها، وأمرت مواطنيها بمغادرة دولة قطر، وأغلقت مجالها الجوي وموانئها أمام قطر، وتدخلت في العقارات المملوكة للقطريين، وقامت بالتمييز ضد الطلاب القطريين الذين يتلقون تعليمهم فيها. كما جرّمت الإمارات أي خطاب يُنظر إليه على أنه «دعم» لقطر، وقامت بإغلاق مكاتب قناة الجزيرة لديها، وحظرت الدخول إلى المحطات والمواقع الإلكترونية القطرية.
هذه الحملة العنصرية شارك فيها مسؤولون إماراتيون عبر التحريض وتسويق خطاب الكراهية في إطار حملة تشهير واسعة وغير مسبوقة ضد قطر، لم تراع الإمارات ومسؤولوها فيها لا القيم ولا الأخلاق، ولا العادات ولا التقاليد، ولا القوانين والأعراف الدولية.
كان رد قطر الصبر، والاحتكام إلى المؤسسات الدولية المعنية، وأخيرا محكمة العدل الدولية، بعد أن تعمدت دولة الإمارات التمييز ضد القطريين على أساس جنسيتهم، مما أدى إلى ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يعتبر نسفاً لالتزامات الإمارات بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. ويمثل الطلب القطري هذا، الخطوة الأولى لوضع حد لهذه الانتهاكات، واستعادة الحقوق الأساسية للعديد من الأفراد المتضررين من تصرفات دولة الإمارات، التي قامت على البلطجة والشتم والبذاءات والسرقة والقرصنة، وكل ما هو مخجل ومخزٍ.
نحن أمام عقلية لم نر لها مثيلا في العصور الماضيةً، وفي الحقيقة، فإننا لم نسمع عن ذلك حتى في العصر الجاهلي، والذي كانت فيه المروءة حاضرة، ولكن ما سمعناه وشاهدناه من دول الحصار تجاوز كل الخطوط والأعراف والتقاليد، بتصرفاتهم الغوغائية من طعن بالأعراض والأنساب وقطع الأرحام، وصولا إلى الإضرار بالحيوانات والتضييق على الناس في حلالهم وأرزاقهم.
بل وصل الأمر إلى الدين وبيوت الله ومقدسات المسلمين، حيث مارست السعودية جريمة جديدة بالتضييق على القطريين والحيلولة بينهم وبين أداء مناسك الحج والعمرة، إضافة إلى جرائمها السابقة في قطع العلاقات الاجتماعية وتشتيت الأسر، كل ذلك بهدف ضرب نسيجنا الداخلي وتفكيك مجتمعنا، ثم النيل من سيادتنا واستقلالية قطرنا، والتحكم في النهاية بخيراتنا وثرواتنا.
لا شيء من ذلك سيحدث، فشعبنا وقف وقفة بصف واحد على قلب رجل واحد، وكانت أيقونة «تميم المجد» شعارا ثابتا رفعه كل مواطن ومقيم، وردا واضحا وكاسحا على المحاولات الدنيئة والوقحة للنيل من وطننا، وقالها الشعب للقاصي والداني بصوت واحد: أما قطر فوق ولا مالنا خانة..
وكلنا تحت راية تميم المجد.
اليوم نحتكم مرة أخرى للمؤسسات الدولية، وعلى رأسها محكمة العدل الدولية، الذراع القضائية للأمم بموجب أحكام المادة (93) من الميثاق الذي تم التوقيع عليه عام 1945، وولاية المحكمة الجبرية في نظر جميع المنازعات القانونية التي تقوم بين الدول، وان تقبل الالتزام بها متى كانت هذه المنازعات القانونية تتعلق بالمسائل الآتية ووفقا للمادة (36) من النظام الاساسي:
أ- تفسير معاهدة من المعاهدات.
ب- أية مسألة من مسائل القانون الدولي.
جـ- تحقيق واقعة من الوقائع التي تثبت خرقا لالتزام دولي.
د- نوع التعويض المترتب على خرق التزام دولي ومدى هذا التعويض.
ونحن نفعل ذلك نمارس حقا من حقوقنا، أساسه احترام الشرعية الدولية، التي قررت قطر اللجوء إليها في مواجهة ما تتعرض له من حملات شرسة، تجاوزت الخصومة إلى الفجور فيها من دول الحصار وحلف الفجّار، ولأن قطر ليست في وارد الانخراط بهذا العهر السياسي والإعلامي، فقد ارتأت أن القوانين والمؤسسات الدولية هي سبيلها الأمثل للدفاع عن حقوقها وكرامة شعبنا، ولأن الإمارات عبر عاصمتها المارقة هي من قادت هذه الإجراءات التي كان لها تأثير مدمر على حقوق الإنسان للمواطنين القطريين والمقيمين على أرضها، وهو الأمر الذي يمثل انتهاكاً لالتزاماتها بموجب الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (CERD)، كان هذا التحرك الذي نحن على ثقة بأنه سيعيد الأمور إلى نصابها ويضع حدا لحملات التحريض والتشويه وبث الكراهية.
لقد جاء في المادة 36 من النظام الاساسي للمحكمة أن ولايتها تشمل جميع القضايا التي يعرضها المتقاضون كما تشتمل جميع الوسائل المنصوص عليها بصفة خاصة في ميثاق الامم المتحدة أو في المعاهدات أو الاتفاقيات المعمول بها.
ويتضح من هذا النص، أن للمحكمة اختصاصا نوعيا واسعا، فكل نزاع يقوم ويتفق الاطراف على رفعه للمحكمة للنظر فيه ومهما كان نوعه أو طابعه سواء كان نزاعا ذا طابع قانوني أو طابع سياسي، فإن للمحكمة الصلاحية بنظر هذا النزاع والفصل فيه، وعندما تفعل قطر ذلك فلإيمانها الكامل بالعدالة الدولية، ولإيمانها الكامل بمنظمة الأمم المتحدة، بعيدا عن الانخراط في مواجهات بذيئة لا طائل من ورائها سوى الإساءة لشعوبنا.
فكل المشاكل يبدأ تفكيكها بالحوار وتنتهي بالقضاء، ولأنهم رفضوا الخيار الأول وهربوا من المواجهة، فكان القرار باللجوء للمحاكم، ولن يستطيعوا هذه المرة الهروب، بل سيجرجرون إليها خاضعين خانعين..!
هذا هو الفارق بين دولة تراعي القانون، وبين أنظمة مارقة، أشبه بقطاع الطرق والقراصنة وعصابات مافيا.. ومثل ما خزمتهم «الفيفا» على الانصياع لقنوات الـ «بي إن سبورت» لمن يرغب في مشاهدة المونديال، وقالت لهم بشكل قاطع:
«الحل في الدوحة».. ستخزمهم محكمة العدل في لاهاي، ويعرفون حجم قطر..
ويكونوا عبرة لمن لا يعتبر!
بقلم:محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول