+ A
A -

مضى قطار اليوم الثامن بعد المائة، ملطخا بدماء الشهداء الفلسطينيين الأبرياء- أكثرهم من النساء والأطفال، والشيوخ- منذ بدأت معركة «طوفان الأقصى» يوم السبت 7 أكتوبر العام الماضي، ردا على الانتهاكات المتكررة لأولى القبلتين وثالث الحرمين. ورغم استمرار حكومة بنيامين نتانياهو في جريمة الإبادة الجماعية، إلا أنها تعيش الآن في مأزق عدم القدرة على تحقيق أهدافها الثلاثة: «القضاء على حركة حماس، وإعادة المحتجزين الإسرائيليين، والتأكد من أن غزة لن تشكل تهديدا لإسرائيل مرة أخرى».

وقلما تخلو المؤتمرات الصحفية للمتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هغاري، من تكرار الحديث عن استمرارهم في العمل بكل الطرق الممكنة لإعادة الأسرى إلى أسرهم كإحدى أولوياتهم من القتال. ولكن الأزمة تزداد تعقيدا كلما طال الزمن، ليصبح مرور الوقت لا يصب في مصلحتهم، مع زيادة درجة غليان الشارع الإسرائيلي، قلقا على أسراهم.

وبالرغم من غرقه في مستنقع غزة، لايزال نتانياهو متمسكا ببيع الوهم للإسرائيليين، وفي قدرته على ملاحقة قادة حركة «حماس»، والقضاء عليهم في أي مكان، وأنه قادر على تحقيق الأمن. ومنذ الأسبوع الأول من الحرب، كان السقف الزمني لتنفيذ جيش الاحتلال الأهداف القتالية، مجرد بضعة أيام- كأنها نزهة- والآن دخلت شهرها الرابع، والعمليات مازالت مستمرة، بلا أفق واضح لموعد انتهائها!. وقد وصل «الإسفاف»، ولا أقول «الاستخفاف» إلى محاولة القفز عبر أسوار المستحيل العالية للهروب من خيبة الواقع، وتغييب العقول، بالحديث عن رسم خريطة جديدة لمشهد اليوم التالي.

ولذلك.. فقد بات من المؤكد، أن كل تهديدات بنيامين نتانياهو مجرد كلام، بعد أن سقطت ورقة التوت عنه.. فالقيادات العسكرية لحركة «حماس»: الشقيقان محمد ويحيى «السنوار»، محمد الضيف، ومروان عيسى، لايزالون يحيون بإدارة معركة «طوفان الأقصى»، ومراحلها التكتيكية، التي كشفت للعالم هشاشة الاحتلال الإسرائيلي، والخرافات لا «الأساطير» التي تم تصديرها عن جيش إسرائيل الذي لا يقهر، والسياج الفولاذي الحدودي، والقبة الحديدية، والتقنيات الذكية، وجميعها لم تحقق للإسرائيليين الأمن المزعوم !!.

ومع مرور الوقت، أدرك الرأي العام العالمي عدم الرغبة الإسرائيلية، ولا قدرتها على إنهاء حرب غزة، لأنها تحكمها حسابات سياسية متضاربة بين القيادات السياسية والعسكرية الصهيونية.

وكما يقول المثل المصري: «ماتخافش من الهبلة - السيدة المختلة عقليا - وخاف من خلفتها»، فسريعا تحرك الأسطول الأميركي لدعم ربيبته إسرائيل، وتعزيز قدراتها العسكرية في معركة «طوفان الأقصى»، لمواجهة أي تدخلات إقليمية محتملة، وعلى طريقة الفتوات «روح خلص ضربتك وأنا واقف أحميك»، منحت واشنطن جيش الاحتلال مهلة زمنية محددة لا تتجاوز الأسابيع لتنفيذ عملياته في قطاع غزة، ورد الاعتبار ليس إلا، وقد غض الحلفاء النظر، وظل المشهد ملتبسا على الرأي العام العالمي، لا يدري من الجاني والمجني عليه، أو التفرقة بين الضحية والجلاد، بل حتى الأقربون ظلوا نحو أحد عشر يوما في حيرة صمت القبور، قبل أن يخرجوا بأول بيان إدانة باهت، وفهم نتانياهو الرسالة غلط، وظن أنها ضوء أخضر، فاندفع في حرب مفتوحة، أطلق فيها العنان لخياله، ووضع أهدافا مستحيلة التحقيق، ووقع في مأزق كيفية التخلص من كابوس حركة «حماس».

ولغرض في نفس يعقوب، يتجاهل نتانياهو كلام الرئيس الأميركي بايدن، باستبعاد الخيار العسكري بشأن حسم مصير حركة «حماس»، ويراهن على الانتخابات الأميركية القادمة أن تأتي بترامب من جديد، وكأنه يريد أن يهدم المعبد فوق رؤوس الجميع، الذي بدا مخططه واضحا في نقل شرارة الحرب من الجنوب مع المقاومة الفلسطينية، إلى الشمال في مواجهة حزب الله جنوب لبنان، في مشهد ينذر باشتعال المنطقة، وتوسيع دائرة الصراع الإقليمي، مما جعل إدارة البيت الأبيض تضيق ذرعا بالتصرفات العبثية، وتخشى أن يتسع الخرق على الراقع، واستشعار واشنطن الحرج أمام الرأي العام العالمي، إزاء استمرار جرائم الإبادة الجماعية، وقضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية لمحاكمة دولة الاحتلال الإسرائيلي.

«كل حلفائك خانوك يا ريتشارد»..

جملة قالها ريتشارد الأول ملك إنجلترا «قلب الأسد» بعد أن تكبد خسارة فادحة على أبواب القدس، وغدا سوف يعيد التاريخ نفسه، ويقولها بنيامين نتانياهو، الذي كثر خصومه وقل أنصاره، وتخلى عنه الكثيرون في الخارج والداخل الإسرائيلي، المتصدع سياسيا وعسكريا، والمتأجج بنار المظاهرات الشعبية، ومطالب أسر الجنود الأسرى، المطالبين بعودتهم أحياء. وعلى عكس ما كانت بداية أصغر رئيس حكومة لإسرائيل، تكون نهايته مأساوية سياسيا، وسوف يدفع الثمن، ويكون ملاحقا قضائيا، أمام المحاكم الإسرائيلية، وربما الجنائية الدولية أيضا، ليذهب إلى سلة مهملات التاريخ، وتلك عقبى لعنة دماء غزة. وتبقى روح المقاومة حية متوهجة، حتى زوال الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

copy short url   نسخ
22/01/2024
15