+ A
A -

كل إنسان فينا صغيراً كان أم كبيراً يرجو محبة الناس له، حيث ينبع الإحساس بالحاجة إلى اهتمام الآخرين بنا وحبهم لنا منذ الصغر كمطلب فطري يعشش في ثنايا الروح البشرية الظمأى للتلاقي مع أرواح أقرانها في بوتقة واحدة قائمة على المودة والمحبة الخالصة.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن هذه الدرجة من الرغبة الصافية لا يصلها إلا أصحاب القلوب الطاهرة. أما عامة الناس فهم مدفوعون بما تمليه عليهم أناهم الخاصة التي تحتاج إلى التقدير والإحساس بالوجود. نحن نحس بقيمتنا وبأن لنا أثراً في هذا الكون من خلال أعين الناس من حولنا.

عندما يكترث أحدهم لوجودنا، ويولي الناس اهتماماً لنا، نشعر بأننا على قيد الحياة بالفعل. عدا ذلك فإن الوحدة وإحساس المرء أنه لا أحد يهتم لأمره، مصدر للألم النفسي الذي ابتدعنا ألف وسيلة ووسيلة لعدم الوقوع ضحايا له. فما الكتابة والفنون والمخترعات بكافة أشكالها سوى تعبير عن رغبة الإنسان في أن يراه الآخرون، وأن يكون له أثر ووجود، ويحظى بالحب والاهتمام والتقدير.

وخلال هذا السعي لنيل حب الناس، قد يغفل الكثيرون عن الوسائل التي ينتهجونها في سبيل الوصول إلى هذه الغاية الفطرية، فيقدم الواحد على فعل أي شيء في سبيل إرضاء الغير، حتى لو كان ذلك على حساب كرامته. نظن أننا إذا قدمنا كل ما بوسعنا، بل وفوق طاقتنا حتى؛ بأن الطرف المقابل سيبادلنا العطاء بعطاء أكبر. لكن سرعان ما نصطدم بالواقع الذي يزفّ إلينا أخباره السيئة أكثر من الحسنة.

على أرض الواقع، تفشل الكثير من علاقات الحب حيث يبذل فيها أحد الطرفين أكثر من الآخر، وتنتهي صداقات كان أحد الصديقين يفعل أي شيء من أجل الحصول على محبة الصديق الآخر، فينتهي به المطاف دون أن يحصل إلا على الخذلان، وعدم التقدير، وقلة الاحترام.

لا شك أن محبة الناس لك حاجة فطرية لا يمكن الاستغناء عنها، لكن التوازن في الحياة مطلوب للعيش بسلام وسعادة. إن الركض باستماتة من أجل إرضاء كل من حولك في سبيل كسب مشاعرهم هو أسهل طريق إلى التعاسة. فعندما تكون متاحاً دوماً، ومستعداً للتضحية بوقتك الثمين وبكثير من الأشياء المهمة في حياتك من أجل إرضاء طرف آخر، فاعلم أنه سيأتي وقت يظنك فيه شخصاً فارغاً غير طموح، وليس لديك أي شيء تفعله سوى ملاحقته وتكبيل حريته.

في الأصل، لا تكون المحبة دون احترام. بمعنى أن الحب يذوي عندما يغيب الاحترام بين الطرفين. إذن فالذي يجب أن تسعى إليه في المقام الأول هو فرض احترامك على الآخرين، سواء أحبوك أم لم يحبوك. خير لك ألف مرة أن تكون محترماً بين الجميع ولا يحبونك، من أن تظن أنهم يحبونك في الوقت الذي لا يحترمونك فيه.

إن كانت المحبة جميلة، فاحترامك لي يكفيني. لا يهم شكل المشاعر ولا عمق الأحاسيس التي تكنها لي إن أنت لم تحترمني. على هذا الأساس اجعل كل تعاملاتك مع الآخرين من حولك. إما أن يحترموك أو تقطع علاقتك بهم. فالإنسان الذي لا يكن لك التقدير والاحترام لا يحبك مهما ادعى ذلك، لأن الحب احترام بكل بساطة. ولهذا السبب بالتحديد، لا يمكن لعلاقة حب أو صداقة أن تنجح إلا بتوفر الاحترام المتبادل بين كلا طرفيها.

فلا تسعَ وراء محبة أحد، بل افرض احترامك على الجميع. وتأكد أنك بهذه الخطوة ستحظى بمحبة الكثيرين، لأن الناس يحبون من يحترمونه، والعكس صحيح أغلب الأوقات. وإذا لم تنل محبة البعض لكنك حظيت باحترامهم، فهذا أيضاً يعد فوزاً كبيراً يغنيك عن محبتهم. فلا قيمة لحب دون احترام، بينما يبقى للاحترام قيمة عظيمة حتى لو انتفى الحب.www.hamadaltamimiii.com

copy short url   نسخ
22/01/2024
90