زار وزير الصحة مصحةً للأمراض العقلية، وسأل المدير: كيف تُميزون العاقل من المجنون في هذه المصحة، فمن الممكن أن يتهم بعض الناس عاقلاً بالجنون ويرسلوه إلى هنا!
قال مدير المصحة: الأمر بسيط سيدي الوزير، نملأ هذا البانيو الذي تراه ماءً، ونضع أمام المريض ملعقةً، وفنجاناً، وسطلاً، ثم نقول له: قُم بإفراغ هذا البانيو من الماء!
عندها قال الوزير بحماسة: بالتأكيد إن العاقل سوف يختار السطل!
فقال مدير المصحة: العاقل سوف يرفع سدادة البانيو! هل نختار لك غرفة خاصة، أم تجلس مع الشباب في العنبر؟!
القصة على طرافتها، ووقوعها في باب الدعابات والاستظراف إلا أنها تحاكي الكثير من الواقع المعاش في وطننا العربي الكبير، إنك لا تعرف على أي أساس يتم تعيين الوزراء ولا على أي أساس يتم عزلهم، أو لعل هذه الأخيرة أكثر وضوحاً من سابقتها، طبعاً لا سبيل للإنكار أن بعض الوزراء يستحقون المناصب التي هم فيها، وهذا شأنهم شأن بقية الوظائف على ظهر الأرض من التدريس إلى المحاماة إلى الإدارة حتى إلى أرباب الأُسر، فبعضهم لو كان لي الأمر لوضعت أوصياء عليهم كي لا يُتلفوا أولادهم! ولكن اللافت في عمل الوزارات العربية ثلاثة أمور:
الأول: أنَّ الوزير لا يفهم في مجال الوزارة التي يديرها، وهذا لا يعني أنه لا يفهم في غيرها، قد يكون مجال دراسته واطلاعه وعمله في مجال ووزارته في مجال آخر، وهذا يكثر في البلاد التي يتم فيها تقسيم الحقائب الوزارية على أساس المراضاة بين الأحزاب السياسية والطوائف، حدث مرة في بلد عربي أن أصبح وزير الدفاع في الحكومة القديمة وزير التربية والتعليم في الجديدة، ثم ما لبث أن أصبح وزير الزراعة! لنفترض أن هذا الوزير كان مختصاً في التربية والتعليم، فما علاقة الدفاع والزراعة بمجال اختصاصه؟ لهذا لا يُستغرب إذا اجتمع بنقابات المزارعين ومسؤولي الاستيراد والتصدير الزراعي ومزارع الدواجن أن تكون اقتراحاته لحل المشاكل كاقتراح وزير الصحة أعلاه لإفراغ البانيو!
الثاني: أن هوامش تحرك الوزراء قد تكون محدودة، بمعنى أن الوزير قد يكون فاهماً ودارياً بمجال عمله، ولكنه يكون بحكم نظام الحكم وطبيعته شخصاً منفذاً لآراء غيره الذين لا علاقة لهم بحسب الأصول والتراتبية بمجال وزارته، ناهيك عن أنه في دول بوليسية لا يمكن لوزير أن يتخطى ضابطاً صغيراً في المخابرات، وهكذا تضيع الجهود سُدى، لأن الأمن فوق كل اعتبار ولو كانت قرارات الوزارة لا تمس الأمن أساساً، ولكننا في بلاد من السهولة بمكان أن تتهم فيها حلقة تحفيظ قرآن بأنها منبت إرهاب ولو كانت تحت رعاية وزارة الأوقاف!
الثالث: غياب التخطيط، يرحل وزير ما ويرحل معه كل الجهد المبذول والخطط المرسومة لنبدأ من جديد، فكأنها منقصة أن يكمل الوزير الجديد من حيث انتهى الوزير القديم، كل وزير يحرص أن يترك بصمته، أو يحشر إصبعه ولو كان في منطقة حساسة من جسد الوطن!
بقلم : أدهم شرقاوي
قال مدير المصحة: الأمر بسيط سيدي الوزير، نملأ هذا البانيو الذي تراه ماءً، ونضع أمام المريض ملعقةً، وفنجاناً، وسطلاً، ثم نقول له: قُم بإفراغ هذا البانيو من الماء!
عندها قال الوزير بحماسة: بالتأكيد إن العاقل سوف يختار السطل!
فقال مدير المصحة: العاقل سوف يرفع سدادة البانيو! هل نختار لك غرفة خاصة، أم تجلس مع الشباب في العنبر؟!
القصة على طرافتها، ووقوعها في باب الدعابات والاستظراف إلا أنها تحاكي الكثير من الواقع المعاش في وطننا العربي الكبير، إنك لا تعرف على أي أساس يتم تعيين الوزراء ولا على أي أساس يتم عزلهم، أو لعل هذه الأخيرة أكثر وضوحاً من سابقتها، طبعاً لا سبيل للإنكار أن بعض الوزراء يستحقون المناصب التي هم فيها، وهذا شأنهم شأن بقية الوظائف على ظهر الأرض من التدريس إلى المحاماة إلى الإدارة حتى إلى أرباب الأُسر، فبعضهم لو كان لي الأمر لوضعت أوصياء عليهم كي لا يُتلفوا أولادهم! ولكن اللافت في عمل الوزارات العربية ثلاثة أمور:
الأول: أنَّ الوزير لا يفهم في مجال الوزارة التي يديرها، وهذا لا يعني أنه لا يفهم في غيرها، قد يكون مجال دراسته واطلاعه وعمله في مجال ووزارته في مجال آخر، وهذا يكثر في البلاد التي يتم فيها تقسيم الحقائب الوزارية على أساس المراضاة بين الأحزاب السياسية والطوائف، حدث مرة في بلد عربي أن أصبح وزير الدفاع في الحكومة القديمة وزير التربية والتعليم في الجديدة، ثم ما لبث أن أصبح وزير الزراعة! لنفترض أن هذا الوزير كان مختصاً في التربية والتعليم، فما علاقة الدفاع والزراعة بمجال اختصاصه؟ لهذا لا يُستغرب إذا اجتمع بنقابات المزارعين ومسؤولي الاستيراد والتصدير الزراعي ومزارع الدواجن أن تكون اقتراحاته لحل المشاكل كاقتراح وزير الصحة أعلاه لإفراغ البانيو!
الثاني: أن هوامش تحرك الوزراء قد تكون محدودة، بمعنى أن الوزير قد يكون فاهماً ودارياً بمجال عمله، ولكنه يكون بحكم نظام الحكم وطبيعته شخصاً منفذاً لآراء غيره الذين لا علاقة لهم بحسب الأصول والتراتبية بمجال وزارته، ناهيك عن أنه في دول بوليسية لا يمكن لوزير أن يتخطى ضابطاً صغيراً في المخابرات، وهكذا تضيع الجهود سُدى، لأن الأمن فوق كل اعتبار ولو كانت قرارات الوزارة لا تمس الأمن أساساً، ولكننا في بلاد من السهولة بمكان أن تتهم فيها حلقة تحفيظ قرآن بأنها منبت إرهاب ولو كانت تحت رعاية وزارة الأوقاف!
الثالث: غياب التخطيط، يرحل وزير ما ويرحل معه كل الجهد المبذول والخطط المرسومة لنبدأ من جديد، فكأنها منقصة أن يكمل الوزير الجديد من حيث انتهى الوزير القديم، كل وزير يحرص أن يترك بصمته، أو يحشر إصبعه ولو كان في منطقة حساسة من جسد الوطن!
بقلم : أدهم شرقاوي