يقول المثل: «إرضاء الناس غاية لا تُدرك». ما تزال هذه الكلمات حاضرة حتى يومنا هذا، وما تزال الحكمة التي تتدفق من بين أصابعها شمساً تنير العتمة، لكل من يظن أن السعادة تكمن في السعي المستميت طلباً لاستحسان الآخرين ونيل قبولهم.
لم يحظَ إنسان منذ فجر تاريخ البشرية إلى وقتنا الحاضر بنجاح أو بهجة أو سلام روحي، من خلال استنزاف طاقته، وإلقاء وقته في سلة المهملات، وقول «نعم» كلما استدعاه أحدهم لخدمته، كل ذلك بغية الحصول على موافقة من حوله ورضاهم عنه.
فإذا كنت تعتقد أن محاولاتك الدائمة لمجاملة الآخرين على حساب وقتك وراحتك، ومدّ يد العون للقاصي والداني ليل نهر كأنك جمعية خيرية لا ترتاح لدقيقة واحدة، سيجعل الناس يحبونك ويقدرونك فأنت واهم، لكن وهمك لن يطول. إذ سرعان ما ستدرك أن أقصر طريق يوصلك إلى صحراء الفشل وصقيع التعاسة هو أن تقضي عمرك وأنت تفعل المستحيل بقصد إرضاء أهواء الناس وعدم معارضتهم حتى لو اختلفت معهم.
أما أسوأ ما في الأمر، أن موافقة الغير على كل شيء ومجاملتهم باستمرار، تجعل المرء أشبه بالإمّعة، حيث يظهر وكأنه لا رأي له ولا وجهة نظر خاصة به، وأنه يميل حسب اتجاه الرياح فلا يستقر على حال، بل ينتقل من الشيء إلى نقيضه في طرفة عين، مما يجعل الجميع ينفرون منه؛ لأنه بهذه الطريقة يبدو وكأنه شخص انتهازي يغيّر رأيه حسب مصالحه الشخصية، فتارة تراه يوافق فلاناً، ثم يناقض نفسه ليوافق آخر على وجهة نظر مخالفة تماماً فقط لكسب وده.
وإذا استمر الإنسان في بذل وقته وطاقته وراحته في سبيل إرضاء من حوله، فسيغدو مع الوقت أشبه بالمنافقين الذين يبدون أنهم بوجهين، إلى جانب أنه سيفقد مع الوقت احترام الناس واحترامه لنفسه، وستصبح حياته أشبه بقطعة من الجحيم، حيث لا يشعر بالسعادة ولا الرضا عن نفسه، ومهما حاول لا يحقق هدفه ولا ينال محبة من يحاول نيل محبتهم.
إن التنازل عن مبادئك وقيمك، ومجاملة الآخر على حساب رأيك الشخصي وراحتك، لن يجعلك تعلو في نظره بل سيجعله ينظر لك بدونية واحتقار، وستذهب جهودك وتعبك أدراج الرياح، بعد أن تخسره وتخسر نفسك أولاً.
لكل شيء نهاية في هذه الحياة، لهذا فإذا أسرفت في المجاملة توقف حالاً وضع نهاية لزمن المجاملات الفارغة، والمديح المبالغ فيه، والتملّق الزائف. تعلم كيف تكون صادقاً مع نفسك ومع الآخرين، كيف تكسب احترام الجميع بمواقفك الثابتة، ومبادئك الراسخة، ووجهات نظرك التي لا تحيد عنها إلا لو اقتنعت بالحجة والمنطق أنها غير صحيحة.
عندما تبدأ في محبة ذاتك واحترام كينونتك، وتدرك أن السعادة تنبع من صميم أعماقك لا بطلب وتواكل واستجداء من الناس، عندها فقط تبدأ في عيش حياة مختلفة، لا تضطر فيها إلى موافقة أحد على رأي لا يعجبك، وعلى مبدأ لا تؤمن به، وعلى تصرف لا يليق بك أن تفعل مثله. بل تظل مرفوع الرأس شامخاً لا يستطيع إنسان على وجه الأرض أن يجرّك إلى القاع، أو يستميلك لتنفذ ما يريده، أو يجعلك توافق على كل ما يقوله مهما فعل؛ لأنك تصبح حرّاً، حرّاً من مرض الإدمان على محاولة إرضاء من حولك ونيل قبولهم.
وبهذا، فمن تسعى إلى نيل قبوله هو أنت فقط ولا أحد سواك. لا يهمك ما إذا كرهك فلان أو لم يعجب بك علّان، فلقد أدركت السعادة الداخلية والرضا الداخلي عن الذات، ولم تعد بحاجة لإرضاء أحد سوى ذاتك. وهكذا علينا أن نعيش جميعاً دون استثناء.