+ A
A -
سأل ملك السويد كارل السادس عشر غوستاف، سفيراً خليجياً صديقاً، خلال استقباله في المراسم الاعتبارية للدولة بإستكهولم، مع روح مازحة،: كم هي درجة الحرارة لديكم، في ساحل منطقة الخليج العربي اليوم؟.. أجابه: 50 مئوية.. انبهر الملك غوستاف، وقال: كيف تعيشون إذن؟!.. ابتسم السفير وقال: كما تعيشون سيدي تحت الثلج 40 تحت الصفر.
هذه المحادثة الظريفة، لها علاقة برحلة مهجري النهائي اليوم، فشتاء كندا القارس، تُدّفيه روحها الحقوقية الدستورية لحملة الفكر المستقل، ومع موقف الشكر، لـ «WELCOME CANADA»، وهو شعارها التاريخي للضيف، الذي بات اليوم من أبنائها المقيمين، فإن ذلك كلّه لا يُغيّر عشقنا للساحل في بحر الخليج وبرّه، وثلاثية الفلّاح والغيص والبدوي، هكذا تُلاقي مشاعر المهجر، مطار الدوحة قادماً ومودعاً، باسمها وباسم كل الساحل الممتد لعرب الخليج، الذي مزّقته رياح فتنة الأزمة، غير أن لنا بالله عهداً، أن لا يزال الناس فيه، يستجمعون أركان وحدتهم، وإن ضلت سياسة بعض أقوامهم.
وقبل الاستطراد في معاني رحلة الدوحة، ولقاء الإخوة الأعزاء من المسؤولين وشيوخ أسرة آل ثاني الكريمة، وهم أصدقاء قدماء أو أبناء المجتمع القطري العزيز، وكلهم أهلٌ لنا في الاحساء، كما هو في بقية دول الخليج العربي، أؤكد أن قراءتي، هي خواطر باحث وليست آراء ملزمة لأحد.
ورغم أن الدوحة بدت مرتاحة، لعبور التحدي الأمني الوجودي، غير أن ماكينة الصناعة الاستراتيجية، طويلة المدى بعد التجربة المُرّة، لا تزال تعمل بكل إمكانياتها، بعد الدرس القاسي، لما فعله الأشقاء.
والحقيقة أن تعبير لولوة الخاطر، الناطق الرسمي لوزارة الخارجية القطرية، يحمل بعداً عميقاً، في ضفتي الفهم، أن معنى الصدمة لم يكن يُستوعب منذ بدايته، لانتفاء المبرر، ووجود العلاقة المميزة مع الرياض، ولماذا الرياض وليس الآخرين؟ الذين يفقدون أي معنى بدونها، تلك قصة أخرى قد نعود إليها.
المهم هنا، هو أن جهد هذه الترويكا، بين وزارتي الدفاع والخارجية القطريتين، والمؤسسات الداعمة الأخرى، التي يتابعها الأمير شخصياً وبكثافة، لا يزال ينشط في اتجاه التأمين الاستراتيجي، حتى لا تعود رياح السموم في 5 من يونيو، تباغت أهل الدوحة في صومهم أو فطرهم.
وإن كان الباحث الاستراتيجي المستقل، لا يرى حاجة للانضمام لحلف الناتو، الذي له حساباته الخاصة، وازدواجية الموقف مع واشنطن، التي لم تؤمّن قطر، في قلب الأزمة، بقدر ما نفهم، أن المباحثات مع الناتو، تخدم فكرة المشروع الاستراتيجي، للاتفاق الدفاعي بين أنقرة وبين الدوحة.
وما نقصده أن مصلحة الدوحة هنا، في ضم هذه المباحثات، إلى ملف الاتفاق الدفاعي مع تركيا، وليس الولوج إلى عالم الناتو المكلف، وذي الحسابات المعقدة، والذي لا يضمن شيئاً، حين تنهار أحجار رقعة الشطرنج، في منطقة الخليج العربي.
بخلاف مشروع سلة الدفاع والتضامن الاستراتيجي، مع دول خارج القوس الغربي، بإضافة قوات النخبة الماليزية، والأسطول الملكي لكوالالمبور، ضمن مسارات التعدد في فكر حقيبة العلاقات الاستراتيجية، التي بدأتها الدوحة، فالاعتقاد أن البنية الغربية ملاذ، كان درساً صادماً لكل دول الخليج العربي، وليس لقطر فقط.
هنا لدينا مساران للتوقف عند هذه القضية: الأول هو تركيز أنقرة على علاقتها الحيوية بالناتو، وخاصة رسائل القمة التي حضرها الرئيس أردوغان، بعد حسم فوزه في النظام الرئاسي الجديد، والثاني هو سؤال التموضع الاستراتيجي اليوم، ورسائله الحسّاسة، والتي لم تفف عند الدوحة، فما هو الأمر؟
إنه من الواضح أن كل الخطاب الإعلامي في خلاف أنقرة، مع أوروبا، لم يغيّر برغماتية العهد التركي الجديد، والذي تعززت فرصه اليوم، إثر بعض التباينات، بين واشنطن وحلفاء أوروبا التاريخيين، إضافة إلى أن أنقرة لا تزال حليفاً مهماً لروسيا، ولم تُضعف أنقرة عقد شراكتها الأخير مع موسكو.
هنا يبدو الملف، في سياق التذكير بعلاقة قطر وتركيا، واضحاً كلياً، في سياقات تعزيز الموقع الاستراتيجي للتحالف، والذي أكده وزير الدفاع التركي وهو العسكري المخضرم، خلوصي أكار، في بروكسل مؤخراً.
أما الجانب الثاني، فهو موقف بقية دول الخليج العربي، من رسائل الأزمة الصادمة، وخاصة التهديد بالاجتياح العسكري، أو التلويح بتفويج القبائل العربية الكريمة، في توريط غير مبرر أبداً، لأعمال قتالية ضد أهل قطر، والذي سحبته الرياض اليوم كلياً، لكن علينا أن نتوقف جيداً، عند سياسة أبوظبي مع هذين الإعلانين، فنلاحظ أن أبوظبي كانت تقول الرياض تقول إنها:
ستفعل.. ستزحف.. ستصنع بالقبائل ضد الدوحة!
وكان الوزير قرقاش نفسه، يوثّق هذه التهديدات من حسابه الرسمي، دون أن تتبنى أبوظبي مسؤولية هذه التهديدات، ثم وضحت القضية أكثر، بعد نجاح الملفات القانونية لقطر، وبدء تأثيراتها السياسية.
ويتساءل المرء، وهو في غاية الاستغراب،: ألا يوجد في فريق ولي العهد السعودي، من يُراجع مثل هذه الرسائل، وما الذي تعنيه لو تطورت، وهل هناك إمكانية لخسارة خط العودة مستقبلاً، لحسابات دولية، لا تخص قطر ولا دول الخليج، لو واصلت الرياض رفض التفاهم الثنائي مع الدوحة، بعيداً عن مزيدات لائحة المقاطعة العبثية؟
هنا نفهم جيداً رسائل الفريق الحكومي الكويتي، المقرب من الشيخ صباح الأحمد، والذي لا علاقة له لا بإخوان مسلمين، ولا إيران، ولا أي أمر من مساحة المزايدة في الأزمة، ولماذا أصر هذا الفريق، على أن توجه الشيخ صباح للصين، ليس ضمن علاقات تجارية معتادة، وإنما هو إعلان أن الكويت، تفتح سلة أمن استراتيجي كما فعلت قطر، فمِن مَن تخشى الكويت؟
يا لها من كارثة تُستحضر اليوم لآثار الأزمة الخليجية، وتصاعد خسائرها، أما عُمان الطرف الثالث في محور الاعتدال، وما يُقصد به ليس تكتلاً جيوسياسياً، بقدر ما هو تعبير عن الدول، التي رفضت خطاب الحرب السياسية، والتهديد العسكري في الأزمة الخليجية، فهي تواصل تأمين استقلالها القديم.
وربما انتقلت مسقط من الحياد الإيجابي إلى الحياد السلبي، الذي لا يُريد أبداً أن يتداخل مع أي ملف، ويراقب الوضع، بسبب قراءتها الخاصة التي تؤثر الانعزال، لكن في الجملة، المحصلة واحدة، وهي أن أطراف البيت الخليجي، يعززون أمنهم، هذه المرة لمخاوف من داخل البيت لا خارجه، وهذا لا يخص محور الاعتدال بل حتى محور التشدد، فما هو موقف البحرين مثلاً، من فكرة الاندماج تحت السعودية أو أبوظبي، وفقدان عضويتها الدولية، كيف سيُتعامل مع هذا الطلب لو وضع في هذا المسار؟!
وللحديث بقية بعون الله..
بقلم : مهنا الحبيل
هذه المحادثة الظريفة، لها علاقة برحلة مهجري النهائي اليوم، فشتاء كندا القارس، تُدّفيه روحها الحقوقية الدستورية لحملة الفكر المستقل، ومع موقف الشكر، لـ «WELCOME CANADA»، وهو شعارها التاريخي للضيف، الذي بات اليوم من أبنائها المقيمين، فإن ذلك كلّه لا يُغيّر عشقنا للساحل في بحر الخليج وبرّه، وثلاثية الفلّاح والغيص والبدوي، هكذا تُلاقي مشاعر المهجر، مطار الدوحة قادماً ومودعاً، باسمها وباسم كل الساحل الممتد لعرب الخليج، الذي مزّقته رياح فتنة الأزمة، غير أن لنا بالله عهداً، أن لا يزال الناس فيه، يستجمعون أركان وحدتهم، وإن ضلت سياسة بعض أقوامهم.
وقبل الاستطراد في معاني رحلة الدوحة، ولقاء الإخوة الأعزاء من المسؤولين وشيوخ أسرة آل ثاني الكريمة، وهم أصدقاء قدماء أو أبناء المجتمع القطري العزيز، وكلهم أهلٌ لنا في الاحساء، كما هو في بقية دول الخليج العربي، أؤكد أن قراءتي، هي خواطر باحث وليست آراء ملزمة لأحد.
ورغم أن الدوحة بدت مرتاحة، لعبور التحدي الأمني الوجودي، غير أن ماكينة الصناعة الاستراتيجية، طويلة المدى بعد التجربة المُرّة، لا تزال تعمل بكل إمكانياتها، بعد الدرس القاسي، لما فعله الأشقاء.
والحقيقة أن تعبير لولوة الخاطر، الناطق الرسمي لوزارة الخارجية القطرية، يحمل بعداً عميقاً، في ضفتي الفهم، أن معنى الصدمة لم يكن يُستوعب منذ بدايته، لانتفاء المبرر، ووجود العلاقة المميزة مع الرياض، ولماذا الرياض وليس الآخرين؟ الذين يفقدون أي معنى بدونها، تلك قصة أخرى قد نعود إليها.
المهم هنا، هو أن جهد هذه الترويكا، بين وزارتي الدفاع والخارجية القطريتين، والمؤسسات الداعمة الأخرى، التي يتابعها الأمير شخصياً وبكثافة، لا يزال ينشط في اتجاه التأمين الاستراتيجي، حتى لا تعود رياح السموم في 5 من يونيو، تباغت أهل الدوحة في صومهم أو فطرهم.
وإن كان الباحث الاستراتيجي المستقل، لا يرى حاجة للانضمام لحلف الناتو، الذي له حساباته الخاصة، وازدواجية الموقف مع واشنطن، التي لم تؤمّن قطر، في قلب الأزمة، بقدر ما نفهم، أن المباحثات مع الناتو، تخدم فكرة المشروع الاستراتيجي، للاتفاق الدفاعي بين أنقرة وبين الدوحة.
وما نقصده أن مصلحة الدوحة هنا، في ضم هذه المباحثات، إلى ملف الاتفاق الدفاعي مع تركيا، وليس الولوج إلى عالم الناتو المكلف، وذي الحسابات المعقدة، والذي لا يضمن شيئاً، حين تنهار أحجار رقعة الشطرنج، في منطقة الخليج العربي.
بخلاف مشروع سلة الدفاع والتضامن الاستراتيجي، مع دول خارج القوس الغربي، بإضافة قوات النخبة الماليزية، والأسطول الملكي لكوالالمبور، ضمن مسارات التعدد في فكر حقيبة العلاقات الاستراتيجية، التي بدأتها الدوحة، فالاعتقاد أن البنية الغربية ملاذ، كان درساً صادماً لكل دول الخليج العربي، وليس لقطر فقط.
هنا لدينا مساران للتوقف عند هذه القضية: الأول هو تركيز أنقرة على علاقتها الحيوية بالناتو، وخاصة رسائل القمة التي حضرها الرئيس أردوغان، بعد حسم فوزه في النظام الرئاسي الجديد، والثاني هو سؤال التموضع الاستراتيجي اليوم، ورسائله الحسّاسة، والتي لم تفف عند الدوحة، فما هو الأمر؟
إنه من الواضح أن كل الخطاب الإعلامي في خلاف أنقرة، مع أوروبا، لم يغيّر برغماتية العهد التركي الجديد، والذي تعززت فرصه اليوم، إثر بعض التباينات، بين واشنطن وحلفاء أوروبا التاريخيين، إضافة إلى أن أنقرة لا تزال حليفاً مهماً لروسيا، ولم تُضعف أنقرة عقد شراكتها الأخير مع موسكو.
هنا يبدو الملف، في سياق التذكير بعلاقة قطر وتركيا، واضحاً كلياً، في سياقات تعزيز الموقع الاستراتيجي للتحالف، والذي أكده وزير الدفاع التركي وهو العسكري المخضرم، خلوصي أكار، في بروكسل مؤخراً.
أما الجانب الثاني، فهو موقف بقية دول الخليج العربي، من رسائل الأزمة الصادمة، وخاصة التهديد بالاجتياح العسكري، أو التلويح بتفويج القبائل العربية الكريمة، في توريط غير مبرر أبداً، لأعمال قتالية ضد أهل قطر، والذي سحبته الرياض اليوم كلياً، لكن علينا أن نتوقف جيداً، عند سياسة أبوظبي مع هذين الإعلانين، فنلاحظ أن أبوظبي كانت تقول الرياض تقول إنها:
ستفعل.. ستزحف.. ستصنع بالقبائل ضد الدوحة!
وكان الوزير قرقاش نفسه، يوثّق هذه التهديدات من حسابه الرسمي، دون أن تتبنى أبوظبي مسؤولية هذه التهديدات، ثم وضحت القضية أكثر، بعد نجاح الملفات القانونية لقطر، وبدء تأثيراتها السياسية.
ويتساءل المرء، وهو في غاية الاستغراب،: ألا يوجد في فريق ولي العهد السعودي، من يُراجع مثل هذه الرسائل، وما الذي تعنيه لو تطورت، وهل هناك إمكانية لخسارة خط العودة مستقبلاً، لحسابات دولية، لا تخص قطر ولا دول الخليج، لو واصلت الرياض رفض التفاهم الثنائي مع الدوحة، بعيداً عن مزيدات لائحة المقاطعة العبثية؟
هنا نفهم جيداً رسائل الفريق الحكومي الكويتي، المقرب من الشيخ صباح الأحمد، والذي لا علاقة له لا بإخوان مسلمين، ولا إيران، ولا أي أمر من مساحة المزايدة في الأزمة، ولماذا أصر هذا الفريق، على أن توجه الشيخ صباح للصين، ليس ضمن علاقات تجارية معتادة، وإنما هو إعلان أن الكويت، تفتح سلة أمن استراتيجي كما فعلت قطر، فمِن مَن تخشى الكويت؟
يا لها من كارثة تُستحضر اليوم لآثار الأزمة الخليجية، وتصاعد خسائرها، أما عُمان الطرف الثالث في محور الاعتدال، وما يُقصد به ليس تكتلاً جيوسياسياً، بقدر ما هو تعبير عن الدول، التي رفضت خطاب الحرب السياسية، والتهديد العسكري في الأزمة الخليجية، فهي تواصل تأمين استقلالها القديم.
وربما انتقلت مسقط من الحياد الإيجابي إلى الحياد السلبي، الذي لا يُريد أبداً أن يتداخل مع أي ملف، ويراقب الوضع، بسبب قراءتها الخاصة التي تؤثر الانعزال، لكن في الجملة، المحصلة واحدة، وهي أن أطراف البيت الخليجي، يعززون أمنهم، هذه المرة لمخاوف من داخل البيت لا خارجه، وهذا لا يخص محور الاعتدال بل حتى محور التشدد، فما هو موقف البحرين مثلاً، من فكرة الاندماج تحت السعودية أو أبوظبي، وفقدان عضويتها الدولية، كيف سيُتعامل مع هذا الطلب لو وضع في هذا المسار؟!
وللحديث بقية بعون الله..
بقلم : مهنا الحبيل